بعد سنوات من انتظار معركة الموصل، بدأت المعركة فجر يوم الإثنين 17 أكتوبر 2016 بإعلان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ساعة الصفر لبدء المعركة، في خضم خلاف دولي وإقليمي ومحلي على الغاية منها، ومن يشارك فيها ومن لا يحق له المشاركة فيها، ومن ينبغي أن يبعد عنها، في ظل أبعاد السؤال عن المسؤول عما جرى فيها، وعمن أوصلها إلى هذا الحد من الخطر والدمار والقتل والتشريد، ومن سوف يتحمل ذلك أيضاً، وأخير في ظل تهرب من المسؤولية عمن سيتحمل المسؤولية عن الجرائم والأخطاء التي سوف ترتكب بعد عملية تحرير الموصل، بل إن المخاوف مما يقع بعد عملية التحرير أكبر، لأنه سوف يكشف أهداف تسليم الموصل لداعش قبل عامين على حقيقته، وسوف يكشف الجهة الحقيقية التي خططت لتسليم الموصل لداعش، بل تسليم أرض واسعة من العراق وسوريا لهذا التنظيم داعش باسم الدولة الإسلامية أو دولة الخلافة، وما تسببت به من حالة من عدم استقرار اجتماعي وسياسي واقتصادي وعسكري في المنطقة، والتي خدمت المشاريع الإيرانية التوسعية، والمشاريع الأمريكية في تقسيم دول المنطقة. وفي رد الفعل الدولي الأول قال وزير الدفاع الأمريكي أشتون كارتر: إن العملية العسكرية التي تم إطلاقها لاستعادة مدينة الموصل من أيدي تنظيم داعش تشكل لحظة حاسمة في المعركة ضد الجماعة الجهادية، وقال كارتر: هذه لحظة حاسمة في حملتنا لإلحاق هزيمة دائمة بتنظيم داعش، وقال السفير الأمريكي في بغداد: إن عملية تحرير الموصل لن تكون معركة سهلة، وأعلنت قيادة التحالف الدولي لمحاربة داعش أن اجتماعا وزاريا سوف يعقد في باريس بتاريخ 25 أكتوبر 2016 لمتابعة معركة الموصل، أي بعد عشرة أيام من بدء المعركة، وفي ذلك إشارة إلى أن المدة المقررة لعملية تحرير الموصل هي عشرة أيام، وأن التحالف الذي سيقود هذه العملية قد قدر لها هذه المدة الزمنية، إذا سارت العملية وفق الخطة المرسومة، والإشارة الأخرى من الموقف الأمريكي أن المعركة تقودها أمريكا ولكنها لا تريد أن تظهر في الواجهة خشية عواقبها الوحشية، وحيث إن أمريكا قد صرحت من قبل أن الحكومة العراقية المركزية هي التي لها حق تحديد الجهات التي تشارك في العمليات العسكرية، فهذا يعني أن أمريكا متفقة مع الحكومة الإيرانية أن تكون خلف الأضواء، لأن الحكومة العراقية لا تتخذ قرارًا دون أخذ الأوامر من طهران وقيادة الحرس الثوري الإيراني، وهذا ما يفسر رفض الحكومة العراقية برئاسة حيدر العبادي مشاركة تركيا في عملية الموصل، بل ومطالبتها المتكررة في الأيام الأخيرة بضرورة مغادرة القوات التركية من معسكر بعشيقة الواقع شمال الموصل. لذا فإن الموقف الرسمي العراقي من تركيا هو كاشف عن الخطة الموضوعة للموصل، فرفض العبادي لمشاركة أو تواجد قوات تركية في العراق، هي شبهة واضحة على أمر ما تم إعداده وتخشى الحكومة العراقية أن يفسده التواجد التركي، وهذا لن يكون إلا المعارك الطائفية، فالحكومة العراقية لا تريد تواجد دولة رافضة للتطهير الطائفي المحتمل في الموصل، وهذه المخاوف دليل على التدخل الإيراني السافر في الشأن العراقي أولاً، حيث صرح مستشار خامنئي فيروزأبادي اليوم: إن التدخل الإيراني في سوريا والعرق هو تطبيق لمبادئ الثورة الإسلامية، وكأن الخطة العسكرية الموضوعة ليست لتحرير الموصل من داعش فقط، وإنما إحلال التنظيمات الإيرانية الطائفية مكانها في الموصل، أو على أطرافها ومراكز القوة فيها، أي أن الهدف ليس تحرير الموصل من داعش فقط، وإنما قمع المعارضة العراقية التي ترفض الهيمنة الإيرانية في الموصل، وقد حاولت الحكومة الإيرانية قمع المعارضة العراقية منذ استلامها للعراق من الاحتلال الأمريكي منذ عام 2011، ولكن الحرس الثوري الإيراني عجز عن ضبط الوضع العسكري في الموصل وغيرها، بل عجز عن السيطرة على المدن والتجمعات السكانية التي يغلب عليها المواطنون العراقيون السنة، حتى لو كانت مطالبهم سلمية ووطنية ومواطنية، وبالأخص بعد أن عاملتهم الحكومة العراقية معاملة المواطنين من الدرجة الثانية أو الرابعة. إن الخطة التي تتفق عليها إيران وأمريكا هي إعادة تركيبة المدن التي يتواجد فيها رفض للحكومة العراقية التي تأتمر من أمريكا وإيران، وذلك بأن تصبح مدنًا مختلطة وغير محصورة على السكان السنة أولاً، وقتل وضرب كل القوى التي تعارض الحكومة المركزية التي يسيرها الحرس الثوري الإيراني ثانيا، وتغيير التركيبة السكانية فيها ثالثاً، ووضع قوات للحرس الثوري الإيراني ولو بأسماء عراقية وعربية في هذه المدن العراقية ومنها الموصل، والحجة هي قمع ومنع عودة تنظيم الدولة داعش، أي أن الهدف هو تمكين احتلال الحرس الثوري الإيراني للموصل، وجعلها تحت سيطرة الحرس الثوري الإيراني باسم الحكومة العراقية أمنيا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا وعسكريا، وجعل الموصل حلقة وصل جغرافي بين طهران وسوريا، وفي نفس الوقت حرمان تركيا من أن يكون لها امتداد اجتماعي أو اقتصادي أو سياسي مع شمال العراق ما أمكنهم ذلك. هذه المخططات تدركها السياسة التركية، ولذلك فإنها تعتبر قضية الموصل مثل قضية حلب، وأن شمال العراق مثل شمال سوريا، وبالأخص أن الحدود التركية العراقية تبلغ 360كم، وأكثر من 950كم مع الأراضي السورية، أي ان تركيا لا يمكن أن تغفل عينها عما يجري في سوريا والعراق، وعمليات تحرير المدن العراقية السابقة في الفلوجة والرمادي وتكريت وغيرها تبعها جرائم طائفية من الحشد الشعبي الشيعي، وبالرغم من أن أمريكا قد تعهدت للحكومة التركية بعدم دخول الحشد الشعبي إلى الموصل، ولكن الثقة بالتعهدات الأمريكية غير مضمونة، كما حصل في مدينة منبخ العربية السنية في سوريا، حيث تعهدت أمريكا بعدم دخول قوات حزب الاتحاد الديمقراطي إليها، ولكن أمريكا أخلفت في وعدها، وهو ما أدى إلى أزمة ثقة في العلاقات التركية الأمريكية بهذا الخصوص. إن الموقف التركي واضح وصريح برفض اندلاع حرب طائفية في الموصل، فالهدف الرئيسي للتواجد التركي هو تجاوز مخاوف محتملة من التطرف الطائفي فيما لو دخلت قوات الحشد الشعبي إلى الموصل، وقد رفعت قبل أيام شعارات الثأر، وهذه المخاوف عبرت عنها الدول العربية في بيان مجلس التعاون الخليجي، وقد أكدها وزير الخارجية السعودي السيد عادل الجبير بتحذيره من دخول الحشد الشعبي للموصل والتسبب بحمام دم فيها، وأكدها وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد في أنقرة أيضاً، فالأتراك والعرب يرفضون الحروب الطائفية التي تسعى إيران لفرضها على المنطقة بذهنية تاريخية مريضة، وتجد تشجيعا عليها من أمريكا لصناعة الفوضى الخلاقة، التي تؤدي إلى تقسيم دول المنطقة على أساس عرقي وطائفي وقومي عنصري، بدليل أن أمريكا مهدت الطريق لانسحاب تسعة آلاف (9000) مقاتل من داعش من الموصل إلى الرقة السورية بكامل معداتهم العسكرية.
مشاركة :