معركة الموصل وتلعفر «تلغم» العلاقات - التركية العراقية

  • 11/10/2016
  • 00:00
  • 23
  • 0
  • 0
news-picture

د. أحمد سيد أحمد كشفت معركة تحرير الموصل وتلعفر عن حجم التعقيدات الكبيرة المصاحبة لها والتي تمثل أحد جوانبها في توتر العلاقات التركية العراقية، وحرب التصريحات التي انطلقت قبل بدء المعركة وخلالها، وتصاعد حدة التلاسن اللفظي بين مسؤولي البلدين والتي خرجت عن السياق الدبلوماسي المعروف ما بين اعرف حجمك والزم حدودك وكل الخيارات مفتوحة، فبعد أن هدد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بتفكيك تركيا إذا اجتاحت العراق برياً، اتهمه وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو بأنه ضعيف، ووصل الأمر إلى حد استدعاء السفراء وهو ما يكشف عمق الأزمة بين البلدين. العلاقات التركية - العراقية شهدت مراحل مختلفة من الشد والجذب، وتوترت في عهد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، ثم عادت للهدوء مع تولي حيدر العبادي، لكنها دخلت مرحلة الأزمة مرة أخرى مع التحضير لمعركة الموصل خاصة في ديسمبر/كانون الأول 2015، حين تم اتفاق أنقرة مع محافظ مدينة نينوى، أثيل النجيفي، وبالتنسيق مع وزارة الدفاع العراقية، على نشر 150 جندياً تركياً برفقة 25 دبابة في منطقة بعشيقة، لمواجهة تنظيم داعش، وتدريب القوات الكردية، إضافة إلى عناصر تركمانية وعربية، وتقديم الدعم اللوجستي لقوات البيشمركة الكردية، وبررت تركيا تدخلها بمحاولة حماية السكان السنة ومنع حدوث عمليات انتقامية طائفية في المدينة، وأنها تريد الحفاظ على التركيبة الديمغرافية للمدينة وعدم تغييرها إذا دخلت قوات الحشد الشعبي إليها، واعتبرت أن وجودها العسكري في بعشيقة جاء في إطار التنسيق وموافقة الحكومة العراقية. وبرر أردوغان شرعية التدخل التركي بسند تاريخي، وهو الاتفاقية المبرمة عام 1925 بين الاستعمار البريطاني آنذاك والدولة الأتاتوركية، وبموجبها يعطي العراق حصة من نفط كركوك لتركيا مع السماح للتدخل التركي لحماية الأقلية التركمانية في العراق. في المقابل رفضت بغداد أي مشاركة لأنقرة في معركة الموصل، وطالبت بانسحاب قواتها من بعشيقة واعتبرتها قوة احتلال، وأصدر البرلمان العراقي قراراً برفض الوجود التركي كرد على قرار البرلمان التركي بتمديد عمل القوات التركية في سوريا والعراق لمدة عام آخر. والواقع أن معركة الموصل كشفت الحسابات التركية وراء إصرارها على المشاركة في معركة الموصل والتي تتجاوز الهدف المعلن في القضاء على تنظيم داعش إلى محاولة إيجاد منطقة نفوذ لها في المدينة في مرحلة ما بعد التحرير، وكذلك مواجهة النفوذ الإيراني المتزايد في شمال العراق عبر الحشد الشعبي، ولذلك سعت أنقرة لاستخدام ورقة المشاركة العسكرية في معركة الموصل على الأقل لمنع قوات الحشد الشعبي من المشاركة، وهو ما تحقق بعد تدخل الولايات المتحدة لنزع فتيل الصدام بين البلدين عبر قصر دخول المدينة على قوات الجيش والشرطة العراقية وجهاز مكافحة الإرهاب. وقد اعتبرت بغداد أن تدخل تركيا في المعارك انتهاك لسيادتها ودعم للأكراد وتوسيع لنفوذهم في المناطق المتنازع عليها في الموصل وكركوك، وسعت لأن تقتصر مشاركة قوات البيشمركة على تحرير المناطق والقرى في محيط المدينة، وهو ما التزمت به الأخيرة بعد تحرير عشرات القرى في شمال المدينة والتوقف وإفساح المجال أمام تقدم القوات العراقية. أما معركة تحرير مدينة تلعفر الواقعة في شرق الموصل ضمن مثلث الحدود العراقي التركي السوري، فتعد اللغم الأساسي لانفجار العلاقات التركية العراقية، نتيجة للتركيبة العرقية والدينية للمدينة والتي يشكل التركمان غالبيتها، فقد أثار إصرار قوات الحشد الشعبي على دخول المدينة ضمن المحور الثالث لتحرير الموصل ولقطع الطريق أمام هروب مسلحي تنظيم داعش إلى مدينة الرقة عاصمة التنظيم في سوريا، أثار رد فعل أنقرة وتحفظها على هذه التحركات، حيث أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن إجراءات ستتخذ في حال قامت ميليشيات الحشد الشعبي التي تحاول دخول مدينة تلعفر بنشر الرعب في صفوف السكان التركمان في المنطقة. وأكد أن الموصل لأهل الموصل وتلعفر ولا يحق لأحد أن يأتي ويدخل هذه المناطق وأن تكون الموصل بعد تحريرها لأهلها فقط من العرب والتركمان والأكراد، وتريد تركيا تكرار تجربة تدخلها في سوريا عبر قوات درع الفرات في مدينة جرابلس للتدخل في مدينة تلعفر. ولذلك قامت بتحريك 30 آلية عسكرية من دبابات وعربات مدفعية إلى بلدة سيلوبي على الحدود العراقية، واعتبره نائب رئيس وزراء تركيا بأنه إجراء احترازي وليس تهديدا للعراق. وهذا التحرك يستهدف حماية الأغلبية التركمانية في تلعفر إذا ما دخلت قوات الحشد الشعبي إليها، وكذلك مواجهة وجود حزب العمال الكردستاني الذي تعتبره منظمة إرهابية، وهدد القادة الأتراك بأنهم قد يتدخلون في منطقة سنجار بشمال العراق للحيلولة دون أن يتمركز فيها الحزب. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لعبت دورا مهما خلال الفترة السابقة في ضبط إيقاع العلاقات التركية العراقية ومنع تصاعدها ووصولها إلى مرحلة الصدام أو الحرب، حيث وافقت على مشاركة تركية مشروطة في معركة الموصل وضغطت على الحكومة العراقية لمنع تقدم قوات الحشد الشعبي إلى المدينة، حيث علقت الغارات الجوية ليومين ما تسبب في توقف تقدم القوات العراقية، وعلى الرغم من تراجع حدة السخونة بعد زيارة وفد تركي لبغداد مؤخرا ونقل القوات التركية في قاعدة بعشيقة لمنطقة أخرى، إلا أن تصاعد التوتر بين البلدين على خلفية معركتي الموصل وتلعفر لم ينته، بل من شأنه أن يؤدي إلى العديد من التداعيات السلبية أبرزها أن انجرار البلدين إلى حرب التصريحات والاتهامات المتبادلة والمواجهة العسكرية قد يحيد المسار عن المعركة الأساسية وهو محاربة تنظيم داعش والقضاء عليه وتحرير آخر معاقله في العراق، حيث يسعى التنظيم إلى توظيف التوتر التركي العراقي واللعب على الورقة الطائفية لتنظيم صفوفه واستعادة مواقعه، كما أن هذا التوتر يغذي الصراعات العرقية والدينية والطائفية، وهو أمر خطر في ظل التعددية الإثنية والدينية والطائفية في العديد من المدن العراقية والسورية والتركية ويهدد التعايش التاريخي بين هذه المكونات ويدخلها في حروب أهلية تغذيها بعض الأطراف الإقليمية عبر منطق الحرب بالوكالة، لأن دعم طرف عرقي وطائفي على حساب تهميش وإقصاء الأطراف الأخرى ساهم في تهيئة المناخ لنمو وتمدد تنظيم داعش والذي شكل تهديدا لكل دول المنطقة. معركة الموصل وتلعفر ضد تنظيم داعش قد تهدد بتلغيم العلاقات بين البلدين، إذا ما أصرت قوات الحشد الشعبي على دخول تلعفر، وتقود إلى مواجهات عسكرية وخسارة للجميع ستدفع ثمنها الشعوب إذا لم يتم نزع فتيلها وتغليب منطق الدولة على منطق الميليشيات في المعارك، وإقامة العلاقات على أساس الاحترام المتبادل ومواجهة التحديات المشتركة. * خبير العلاقات الدولية بالأهرام

مشاركة :