لمن يقرع الرئيس بوتين أجراس الحرب؟

  • 3/11/2014
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

النسخة: الورقية - دولي مطلع الشهر الماضي، وصلت إلى القاعدة الأميركية - الإسبانية المشتركة «روتا»، السفينة الحربية الأولى المسجلة ضمن منظومة الدرع الصاروخية. واتصلت موسكو بمدريد لتسألها عن الهدف من استقبال سفينة حربية أميركية، الأمر الذي ينزع عن إسبانيا صفة الدولة المحايدة. جواب مدريد أكد مصادقتها عام 2011 على استقبال منظومة الدرع الصاروخية في قاعدة «روتا» الواقعة عند المدخل الغربي لمضيق جبل طارق، ثم أبلغتها أن البنتاغون سينشر أربع مدمرات بهدف حماية سلامة أوروبا الغربية، إضافة إلى الفضاء الأميركي. وادَّعت مدريد أن صواريخ المدمرات معدة لاعتراض صواريخ إيران وكوريا الشمالية. ولم تقتنع موسكو بهذا التفسير، لأن الاتفاق النووي حول المشروع الإيراني يفرض على واشنطن تجميد نشاط منظومة الدرع الصاروخية. ولما أنكرت واشنطن هذا الالتزام، سارعت موسكو إلى إعلان نيتها نشر سفنها الحربية في البحر الأبيض المتوسط، بغية التصدي لمنظومة الدرع الصاروخية الغربية. وقد أتبعت تهديدها بإرسال سفينة «بطرس الأكبر» إلى المياه الدولية قبالة مضيق جبل طارق. وهي تُعَد أكبر سفينة حربية في العالم مزودة صواريخ نووية. ولم تكتفِ روسيا بهذا المقدار من التحدي، بل أعربت عن استعدادها لمواجهة ظروف الحرب الباردة التي شنتها ضدها الولايات المتحدة بالتنسيق مع دول الاتحاد الأوروبي. ويُستَدَل من طبيعة حملات الاعتراض الروسية، على أن موسكو متضايقة من نشر الدرع الصاروخية الأميركية في عدد من الدول الأوروبية مثل رومانيا وبولندا. لهذا السبب، هدد الرئيس فلاديمير بوتين بالانسحاب من اتفاق الحد من ترسانة الأسلحة الاستراتيجية في حال استمرت هذه العمليات الاستفزازية. وقد برّر وزير الدفاع الأميركي تشاك هاغل موقف بلاده بالقول: «إن شبكة الدفاع المضادة للصواريخ في أوروبا هي في مثابة رد وقائي على التهديد الذي تمثله الصواريخ الباليستية الإيرانية». شكوك موسكو حيال عمليات التطويق والتهديد تذهب في الاعتراض إلى أبعد من ذلك بكثير. وهي تزعم أن واشنطن استغلت انشغالها في أولمبياد سوتشي الشتوي، كي تحرِّض المعارضة في كييف على التمرد ضد حليفها الرئيس فيكتور يانوكوفيتش. والثابت أن الرئيس بوتين وجد في الرئيس الأوكراني يانوكوفيتش الحليف الذي يركن إلى قدرته الشخصية، من أجل إبعاد البلاد عن أجواء الثورة البرتقالية (2004). وترى موسكو في تلك الثورة مزيداً من التحريض الخارجي بهدف فصل شرق أوكرانيا عن غربها. أي فصل الجزء الأوراسي، صاحب التقاليد الروسية والتبعية الثقافية... عن الجزء المتاخم لبولندا ورومانيا الذي يميل إلى ربط البلاد بدول التحالف الأوروبي وفضاء الولايات المتحدة. وسبق لبوتين أن خاض معركة شرسة ضد جورجيا لمنع التحاقها بالتحالف الأطلسي، والحؤول دون سقوطها في أحضان الدول الغربية. لهذا السبب وسواه، قامت موسكو بخطوة غير مسبوقة تجاه كييف، عندما حررتها من التزامات قرض صندوق النقد الدولي، وذلك عبر اتفاق تعهدت فيه بشراء سندات حكومية أوكرانية بقيمة 15 بليون دولار، إضافة إلى هذه التسهيلات الاقتصادية، فقد أعلنت شركة «نفط - غاز» الأوكرانية بأنها وقعت بروتوكولاً مع شركة «غاز بروم» يقضي بتخفيف سعر الغاز الطبيعي الذي تشتريه من روسيا. وعلق الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش، في حينه، على تلك التسهيلات بالقول: «إن الاتفاق التاريخي الذي أبرمناه مع موسكو يسمح بإنقاذ اقتصادنا من الإفلاس!». بعد مرور فترة قصيرة على ذلك الاتفاق، امتلأت «ساحة الاستقلال» في العاصمة كييف بالمتظاهرين الذين طالبوا بضرورة إعادة الصلاحيات السياسية إلى البرلمان. كما طالبوا بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وإلغاء المساعدات الروسية. خلال تلك المرحلة، هدد الرئيس الأوكراني بملاحقة زعماء المعارضة، متهماً إياهم بالسعي إلى الاستيلاء على الحكم. وقد فرضت السلطات الأمنية ما يشبه حالة الطوارئ، معلنة إغلاق «المترو» بغرض التخفيف من دخول المواطنين باتجاه العاصمة. عقب تصعيد عمليات العنف، وسقوط قتلى من الطرفين، دخلت الأزمة الأوكرانية مرحلة التدويل، الأمر الذي دعا وزير خارجية ألمانيا إلى التدخل العاجل. وتبعه على الفور نائب الرئيس الأميركي جو بايدن الذي امتنع عن أخذ موقف منحاز إلى المعارضة، إنما شدد على أهمية إجراء حوار بين زعمائها والحكومة. أما موسكو فقد أصدرت بياناً رسمياً دعت فيه زعماء المعارضة إلى وقف سفك الدماء والعودة إلى طاولة الحوار مع السلطة. أي أنها اتخذت موقفاً محايداً، بعيداً من تهديدات الرئيس الأوكراني وأجهزته الأمنية. وتقول الصحف إن موقف بوتين المفاجئ، خضع لسلسلة اعتبارات أهمها القرار الذي اتخذه يانوكوفيتش لسحق المعارضة بواسطة القوات الخاصة المسماة «أوميغا.» وهي كلمة يونانية تعني «النهاية». والقوات هذه مدربة على العمليات الاقتحامية الخطرة، وعلى الدفاع عن سلطة الرئيس. وذكرت جريدة «التايمز» أن الرئيس بوتين اتصل شخصياً بالرئيس فيتكور يانوكوفيتش، وطلب منه استقبال زعماء المعارضة، والتباحث معهم حول خطوات التسوية المقبولة. وفي هذا السياق، أكد وزير خارجية بولندا رادوسلو سيكوسكي - بناء على معلومات حكومته - أن الاتصال حصل فعلاً، وأن بوتين كان حازماً في نصائحه وتوجيهاته. ويرى المحللون أن الرئيس الروسي كان يتطلع إلى الصورة القاتمة التي ستظهر من وراء اقتحام ساحة الاستقلال بواسطة 2500 عنصر من الـ «أوميغا» أعدهم يانوكوفيتش لطرد المعتصمين والمعتصمات. واستناداً الى الوقائع السابقة، فإن بوتين تخوَّف من حدوث مجزرة لن يكون هو بمنأى عن نتائجها السلبية. وللتدليل على ظهور موسكو بمظهر الدولة المحايدة في هذا النزاع الداخلي، تعمَّد ممثل الرئيس فلاديمير بوتين عدم حضور مراسيم توقيع الاتفاق. ونص الاتفاق على ثلاثة بنود تتعلق بتنظيم انتخابات رئاسية مبكرة، وتشكيل حكومة ائتلافية مشتركة، وفتح المجال أمام إجراء تعديلات دستورية. ويقضي الاتفاق بتشكيل حكومة مختلطة تتمتع بسلطة إلغاء القرارات المجحفة بحق المعارضة. وبعد التوقيع على الاتفاق صوَّت البرلمان الأوكراني على قرار العمل بدستور 2004 الذي يحدّ من سلطات الرئيس ويمنح البرلمان الحق في تعيين الوزراء. ولما طرح التعديل للتصويت نالت المعارضة 386 صوتاً من أصل 450 صوتاً. نهاية الأسبوع، سيطرت المعارضة الأوكرانية على السلطة في كييف. وكان آخر ظهور ليانوكوفيتش في مدينة دونتسيك التي حاول الهرب منها على متن طائرة برفقة حراس مسلحين. وقد وجهت إليه الحكومة الموقتة تهمة القتل الجماعي، وقررت ملاحقته بعد عزله. ووفق البيانات الرسمية، فقد انتقل إلى شبه جزيرة القرم على البحر الأسود، والتي تتمتع بحكم ذاتي. وربما اختار له بوتين هذا الملجأ المعزول كي يتحاشى تسليمه في حال دعي للمثول أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. هذا، مع العلم أن رئيس وزراء روسيا ديمتري مدفيديف أعلن أن حكومته لا تعترف بشرعية السلطة الجديدة في أوكرانيا. ومن أجل تدعيم حجته قال في ذلك: «سيكون منافياً للمنطق اعتبار ما هو نتيجة تمرد وكأنه أمر شرعي». وقد استخدمت موسكو هذا المنطق للدفاع عن نظام حليفها السوري بشار الأسد، معتبرة تمرد الائتلاف المعارض عملاً غير شرعي لا يجوز الاعتراف به. لذلك، انتقد وزير الخارجية سيرغي لافروف زيارة مسؤولة العلاقات الخارجية لدى الاتحاد الأوروبي، كاثرين آشتون كييف، ووصف مهمتها في أوكرانيا بأنها غير متوازنة كونها تؤيد حكومة غير شرعية. علماً أن آشتون كررت أمام أعضاء الحكومة الجديدة حرص الاتحاد على معارضة الحركات الانفصالية. كذلك، وصل إلى كييف مساعد وزير الخارجية الأميركي، وليام بيرنز، بهدف الاطلاع على الحاجات الاقتصادية الملحة، والمساهمة في تحديد قيمة المساعدة التي يمكن أن تحصل عليها أوكرانيا من الولايات المتحدة. ذكرت الإدارة الأميركية أن الرئيس باراك أوباما أرسل مذكرة إلى جميع السفراء بضرورة مراعاة كبرياء الشعب الروسي، والتعاطي بحذر واعتدال مع أزمة أوكرانيا. ثم اتصل يوم الجمعة هاتفياً بالرئيس الروسي بوتين، نافياً له ادعاءات كبار الموظفين بأن الولايات المتحدة متورطة في مؤامرات شبيهة بمؤامرات الحرب الباردة. وتقول مصادر البيت الأبيض إن المكالمة استغرقت ساعة كاملة، ارتكزت خلالها أجوبة بوتين على رؤيته لأوكرانيا بأنها تقع في دائرة نفوذ روسيا. ولما قال أوباما إن مستقبل أوكرانيا يحدده الأوكرانيون وليس الولايات المتحدة أو أوروبا... أو حتى روسيا، أجاب بوتين على الفور: وماذا عن مستقبل جورجيا ومولدوفا؟ وكان بهذا التلميح يشير إلى الإغراءات الاقتصادية والسياسية التي قدمتها واشنطن لجورجيا بحيث تنضم إلى الحلف الأطلسي. عقب الانتكاسة السياسية التي مُنيت بها روسيا في أوكرانيا، شعر الرئيس بوتين بالإحراج، لأن الخلافات الحادة لدى جارته المفضلة قد تنقل نظام الحكم إلى الفيديرالية أو الكونفيديرالية. ومثل هذا التغيير قد يعرض بلاده لخطر عدوى التفكك الداخلي. لذلك، سارع إلى معالجة أزمة الارتدادات المتوقعة بإجراء أوسع مناورات حربية عرفتها روسيا منذ وقت طويل. وقد شملت تلك المناورات الأسطول في البحر الأسود والترسانات البرية والجوية في وسط البلاد وغربها. كما استنفرت نحواً من 150 ألف جندي من مختلف القطاعات. في نهاية الأسبوع الماضي، استغل المعلق والكاتب الأميركي - الهندي فريد زكريا، منبره الإعلامي في قناة «سي أن أن»، كي يستضيف زبيغنيو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس جيمي كارتر. والسبب، أن هذا المستشار هو صاحب نظرية احتواء أوكرانيا لأنها، في رأيه، تمثل قاعدة الانطلاق لطموحات روسيا التوسعية. وبناء على هذه النظرية شجع بريجنسكي الدول الغربية على اقتناص الفرصة لضم أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي. عندئذ تصبح روسيا معزولة وعاجزة عن تخطي حدودها الطبيعية. بقي السؤال المتعلق بتأثير الأزمة الأوكرانية على دور روسيا في سورية. يتمتع النظام السوري منذ السبعينات بعلاقة تاريخية وثيقة مع موسكو، دشنها الرئيس حافظ الأسد، ثم جدد تلك العلاقة نجله الرئيس بشار عندما زار موسكو عام 2005. وكافأه الرئيس بوتين بإلغاء ما نسبته سبعون في المئة من الديون لروسيا (13.4 بليون دولار). ورد بشار على تلك المكافأة بمنح البحرية الروسية وجوداً دائماً في ميناء طرطوس. وعلى عكس ما يتوقعه الأميركيون، فإن خسارة أوكرانيا ستقوي حضور روسيا على البحر الأبيض المتوسط كتعويض عن خسارتها الكبرى في منطقة البحر الأسود.     * كاتب وصحافي لبناني

مشاركة :