لمن تقرع أجراس الرئاسة في لبنان؟

  • 12/5/2015
  • 00:00
  • 18
  • 0
  • 0
news-picture

ما قاله سليمان فرنجية في 20 أغسطس (آب) من عام 2004 يمكن أن يُقال حرفيًا اليوم أمام مراوحة الاستحقاق الرئاسي في لبنان في الفراغ، ففي ذلك الحين كان لبنان نهبًا للتساؤلات: من يمكن أن يُنتخب رئيسًا ويخلف إميل لحود، وهل الإدارة السورية التي كانت تهيمن على لبنان ستمدد ولاية لحود، أم أن بشار الأسد صادق في قوله إن «الاستحقاق لبناني»؟ كانت الأجواء ترجِّح الاتجاه إلى انتخاب رئيس جديد، خصوصًا في ظل المعارضة الواسعة لبقاء لحود، يومها ذهب فرنجية وكان من المرشحين للرئاسة، للقاء الأسد حيث تربط بينهما علاقة عائلية تعود إلى أيام جده الرئيس سليمان فرنجية، وفور عودته إلى بيروت اختصر الموقف بالقول: «بدكم تتعودوا على برمات الدهر»، بما يعني أن «الدهر السوري» الذي كان شيّع أن الاستحقاق لبناني، بَرمَ أي استدار لمصلحة لحود الذي فرض الأسد تمديد ولايته آنذاك! عندما عاد فرنجية من باريس حيث التقى الرئيس سعد الحريري، ليقول إنه حصل منه على تأييد جدي كمرشّح للرئاسة لكنه ترشيح تأييد جدي يحتاج إلى أن يصبح رسميًا، حدثت هزات سياسية صادمة عند الجميع تقريبًا، من فالق 14 آذار التي ترى في فرنجية خصمًا عنيدًا وصديقًا للأسد، إلى فالق 8 آذار التي ترى في ترشيحه خطرًا يمكن أن يصدع التحالف بين حزب الله والتيار الوطني الحر، الذي يتمسك بميشال عون مرشحًا وحيدًا للرئاسة على طريقة «أنا أو لا أحد»، وهو ما أوقع المنصب الرئاسي في الفراغ الذي ينعكس تعطيلاً مدمرًا للحكومة ومجلس النواب ومؤسسات الدولة! على خلفية كل هذا كان من الضروري استذكار كلام فرنجية عن «برمات الدهر» الذي يبدو أنه يمكن أن يبرم لمصلحته رئيسًا، إذا تمكن حزب الله من إيجاد مخرج يكسب من خلاله تأييد فرنجية ولو بتأمين النصاب لا بالتصويت في جلسة الانتخاب، من دون أن يخسر ميشال عون حليفه الأساسي الذي يعطيه غطاء مسيحيًا مهمًا يساعده في استمرار القبض على قرار السلطة اللبنانية! على خلفية هذه التعقيدات والتقاطعات في الخريطة السياسية اللبنانية، قضت التخريجات السياسية اللبنانية بتسريب الرواية التي تقول إن زعيم تيار المستقبل الرئيس سعد الحريري، وزعيم حزب المردة سليمان فرنجية، عقدا اجتماعهما الباريسي على «أرض محايدة»، أي عند صديقهما المشترك رجل الأعمال جلبير شاغوري، كي لا يقال في بيروت إن فرنجية ذهب إلى الحريري للحصول على الترشيح، أو «مَن الذي أعطى الحريري الحق في الترشيح؟» على ما يُقال الآن في أوساط العونيين! ليس المهم أين حصل الاجتماع، المهم ما يحصل اليوم نتيجة هذا الاجتماع، فقد كان من الواضح أن التيار الوطني الحر تعامل مع الموضوع بتشكيك وامتعاض شديدين، لأن «هذه فوعة وإن العقل عاد يسود... وإنسوا» بمعنى أن الأمر بات من الماضي، في وقت كان فيه أحمد الحريري يعالج الممتعضين داخل تيار 14 آذار بالصدمات السياسية: «إن سعد الحريري يُعان ولا يُدان.. ولا صوت يعلو فوق صوت سعد الحريري في تيار المستقبل»! كل هذا لا يُقاس بالصمت والحيرة، وقد أطبقا على حزب الله في وقت ظهرت تحليلات من مقربين منه تحاول معالجة العونيين بالصدمة السياسية أيضًا، عبر القول إن الحديث عن ترشيح الحريري لفرنجية هو نتيجة طبخة تشبه المؤامرة، جرت وراء أبواب مغلقة بين سعد الحريري ونبيه بري ووليد جنبلاط، والهدف منها إعادة إنتاج النظام واستنساخه، وكأنه يفترض أن يستمر الفراغ ويتمادى الانهيار في سلطات الدولة ومؤسساتها العاجزة عن رفع كيس نفايات من الشوارع، إلى أن يصل الأمر إلى «المؤتمر التأسيس» الذي يغيّر النظام والدستور وفق صيغ يراد لها أن تنسف «اتفاق الطائف»! بدا الأمر مفاجئًا ومثيرًا عندما دعا السيد حسن نصر الله بعد جريمة التفجير الإرهابي الأخيرة في الضاحية الجنوبية، إلى تسوية شاملة تنهي الأزمة المتفاقمة في لبنان على قاعدة «اتفاق الطائف»، ولعل هذا ما يجعل البعض يستنتج أن الحريري سارع إلى التقاط الفرصة على خلفية أن هناك مجموعة من العناصر والمستجدات اللبنانية والإقليمية والدولية يمكن أن تساعد على فتح كوة في الجدار المغلق الذي يدفع لبنان إلى هوّة الانهيار الشامل. ذلك أن التدخل الروسي في سوريا اتخذ مسارات لا تبشّر بحل قريب، وها هو يتفاقم بعد الاشتباك مع تركيا، ثم إن الإيرانيين لا يخفون امتعاضهم من دخول فلاديمير بوتين منافسًا على الساحة على طريقة «انتبهوا جميعًا، الأمر لي بعد اليوم»، أضف إلى ذلك ما يتكبده حزب الله من خسائر في الميدان السوري، بما يفرض بذل محاولة جادة لانتشال لبنان من حافة الهاوية ومحاولة إعادة ترميم مؤسسات الدولة واستنهاض دورها المتلاشي! وسط كل هذا، قال فرنجية العائد من باريس في جلسة الحوار الوطني الأخيرة، كلامًا بدا أنه رسالة ضمنية إلى حزب الله لاستكشاف ما وراء صمته: «ترشيحي من قبل سعد الحريري جدّي لكن ميشال عون لا يزال مرشح 8 آذار، وعندما يصبح الطرح رسميًا يُبنى على الشيء مقتضاه»! القصة التي تغلي وراء الكواليس وفي الاجتماعات المحمومة داخل 8 آذار و14 آذار وبين طرفيهما تدور الآن في تلك المسافة الفاصلة بين «الجدي» و«الرسمي»، ولهذا فالمطابخ السياسية على نار حامية داخل «تيار المستقبل»، الذي يدرك تمامًا أنها فعلاً فرصة للخروج من حال الانهيار والبدء بإعادة بناء الدولة واستنقاذ الوضع المهدد بتوسّع النار السورية، وكذلك بين المستقبل وحلفائه المسيحيين وفي مقدمهم «حزب القوات اللبنانية». في المقابل، تبدو النار ملتهبة داخل مطابخ 8 آذار، وخصوصًا في ظل السعي المنهك وربما المستحيل لتجاوز عقدة عون، وكل هذا يفتح بورصة سياسية كبيرة لرسم خريطة العهد الجديد ومساراته واتجاهاته والأدوار الموزعة على الأفرقاء السياسيين، وهنا تُطرح أسئلة كثيرة: ما سياسة فرنجية في العهد الجديد حيال المبادئ والثوابت ومفاهيم السيادة والحرية ومبدأ الناي بالنفس عن الصراع في سوريا تحديدًا؟ وكيف سيتم ترتيب توازنات السلطة والحقائب في الحكومة الجديدة؟ ويحاول البعض أن يطرح موضوعًا خلافيًا أزليًا في بورصة النقاش، وهو قانون الانتخاب في بلد تعوّد نوابه التمديد التلقائي لأنفسهم. بين الجدي والرسمي تعصف حمى ترشيح سليمان فرنجية في 8 آذار و14 آذار، فإما أن يُكمِل دهر فرنجية برمته ليوصله رئيسًا إلى قصر بعبدا، وإما أن يفتح الباب على رئيس وفاقي وسطي لمّاع ويبرز في الطليعة هنا الوزير السابق جان عبيد، وإما أن يتسارع الانزلاق إلى الفراغ المديد والخراب الأكيد!

مشاركة :