معبرو الرؤى والأحلام أرهبوا الناس وزرعوا فيهم الأوهام

  • 3/11/2014
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

من الأمور التي انتشرت بين الناس وتعلق بها البعض تعلقاً شديداً تعبير الرؤى والأحلام وما صاحب ذلك من حرص للبعض على التعبير وشدة تعلقه بالرؤيا المعبرة وربما وربطوا الأقدار بها وربما زادتهم حثاً أو منعاً. ونحن لا ننكر الرؤيا والقرآن شهد بها وسورة يوسف عليه السلام - تحدثت عن هذا الأمر والمصطفى - صلى الله عليه وسلم - رأى رؤيا وعبرها وعبر لأصحابه لكن المشكلة تعلق الناس بها لدرجة تفوق الحكم الشرعي أحياناً. وقد تحدث لليمامة مجموعة من المشايخ مبينين هذا الأمر، محذرين من التعلق بالرؤيا، موضحين ما يلزم في هذه المسألة من ضوابط. الشيخ د. إبراهيم جيلي: هناك خطورة في تفسير الرؤى من الجاهل الشيخ د. عبدالله الزايد: تكالبت همم كثير من الناس في هذا العصر بسبب الخواء الروحي بداية تحدث الشيخ د. إبراهيم غمضان جيلي - المعهد العلمي بجازان، فقال: إن كثيراً من الناس في هذه الأيام شغفوا بتفسير الرؤى حتى ولو كانت هذه الرؤى سيئة، ويطلبون ممن لا يفقه أصول تفسير الرؤى تفسيرها فيفسر بجهل فتقع الرؤى كما فسرت به، وقد تكون الرؤيا مبشرة بخير لكن من يفسرها جاهل بأصول تفسير الرؤى فيفسرها على وجه فيه شر أو تكون للرؤيا وجهان وجه فيه خير ووجه فيه شر فيحمل مفسر الرؤيا الجاهل الرؤيا على محمل فيه شر فتقع كما فسرت كل هذا بسبب الجهل. نسأل الله أن يفقهنا في ديننا. أولاً: أنواع ما يراه النائم في المنام: ما يراه النائم في المنام قد يكون رؤيا، وقد يكون حلماً، وقد يكون أضغاث أحلام، وقد يكون حديث نفس؛ فأما الرؤيا فهي التي يراها النائم مرتبة الأحداث والوقائع ثم عند قيامه من نومه يتذكر أحداثها، ولا ينسى منها شيئاً، وهذه الرؤيا من الله تبشير بشيء أو تحذير من شيء ذات مضمون يلقيه الله في قلب عبده ليكون على بصيرة من أمره. أما الحلم فهو ما يراه النائم من أشياء وما يسمعه من أصوات يتبين بعضها ولا يتبين الآخر ثم يستيقظ من نومه فينسى منها شيئاً، ويذكر شيئاً، وقد يتذكر منها القليل، وهذا الحلم من الشيطان يلقيه في مخيلة الإنسان: ليحزنه ويلبس عليه دينه، ويصده عن فعل ما فيه صلاح أمره في الدنيا والآخرة، قال صلى الله عليه وسلم: «الرؤيا من الله والحلم من الشيطان... ». أما أضغاث الأحلام فهو ما يراه النائم من أشياء لا رابط لها ولا ضابط، ولا تقع تحت المعقول فيقوم النائم من نومه فزعاً، وأما حديث النفس فهو ما يراه النائم مما يخطر على قلبه في اليقظة أو في المنام كان مشغولاً بها، وهذا يدل على اهتمام الشخص بهذا الشيء، قال صلى الله عليه وسلم: « فالرؤيا الصالحة بشرى من الله والرؤيا تحزين من الشيطان ورؤيا مما يحدث به المرء نفسه». ثانياً: أنواع الرؤيا الصالحة: الرؤيا الصالحة قد تسر صاحبها كمن يرى أنه يشرب عسلاً فالعسل يدل على لون من ألوان النعيم من زوجة صالحة يذوق عسيلتها وتذوق عسيلته أو علم نافع يجد له حلاوة في قلبه أو في مكان مريح يأوي إليه أو كلام طيب يسمعه أو خبر يسر به أو هدية يهديها له أخ مخلص، وقد تسوء الرؤيا صاحبها كرؤيا الرجل الذي في قصة يوسف عليه السلام فقد رأى أنه يحمل فوق رأسه خبزاً تأكل الطير منه فأولها له يوسف عليه السلام بأنه يصلب فتأكل الطير من رأسه. ثالثاً: آداب من رأى رؤيا صالحة: أما خطورة تفسير الرؤى من الجاهل، وتفسيرها على الخير، وهي شر: إن الجاهل بأصول تفسير الرؤى لا يحل له أن يفسر الرؤى: لأنه لا علم له بها، ومادام لا علم له بها يكون كاذباً إن فسرها، ويكون مخالفاً لقوله تعالى: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) وقد يفسر الجاهل الرؤيا على محمل سيئ، وهي خير فتقع كما فسرت قال صلى الله عليه وسلم: «الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر فإذا عبرت وقعت »، ولا تفسر الرؤيا على الخير، وهي تدل على مكروه فهذا كذب. الخواء الروحي ثم تحدث الشيخ د.عبدالله بن محمد الزايد - المشرف التربوي للعلوم الشرعية في وزارة التربية والتعليم خطيب جامع السعيدان بالرياض، فقال: إن لبني آدم ولَعاً بالغاً وشغفاً ثائراً فيما يتعلق بالأمور الغيبية، الماضي منها واللاحق، وإنكار هذه الظاهرة ضربٌ من ضروب تجاهل الواقع والنأي عنه. غيرَ أن تراوُحَ هذه الظاهرة صعوداً وهبوطاً يُعدّ مرهوناً بمدى قرب الناس من مشكاة النبوة والشِّرعة الحقة التي أحكمت هذا الباب وأخبر الله من خلالها بقوله: عَـالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ). ولا غرو حينئذ إذا وجدنا هذه العصور المتأخرة مظِنةً للخلط واللغط بالحديث عن الغيبيات وتوقان النفوس الضعيفة إلى مكاشفتها، ما بين مؤمن بالخرافة وراضٍ بالكهانة وآخرين سادرين في السجع والتخمين يقذفون بالغيب في كل حين، مع أن آيات الله تُتلى عليهم بكرةً وعشياً وفيها قوله تعالى: (قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَـواتِ والأرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ)، وتُقرأ عليهم سنة المصطفى وفيها قوله: «خمس لا يعلمهن إلا الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَي أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلَيمٌ خَبِيرٌ ». إذاً لا مجال للحديث عن المغيَّبات إلا من خلال ما ذكره لنا ربنا جل وعلا أو ما أوحاه إلى رسوله، وما عدا ذلك فما هو إلا مجرّدُ تكهُّناتٍ إن لم تكن محورَ أساطير وأوهام، وخليطَ كلام يقذف به مسترقُ السمع من الجن. والإسلام في حقيقته دين يُزيل الخرافةَ من الفكر (والضغينة) من القلب والشرودَ من المسيرة، فالإيمان بالغيب ليس إيماناً بالأوهام ولا هو إيذانا لأنواع الفوضى. وللأسف فلقد تكالبت همم كثير من الناس في هذا العصر بسبب الخواء الروحي الذي يتبعه الجزع والفَرَق ونأيُ النفس عن تعلقها بالله وإيمانها بقضائه وقدره وبما كان ويكون وأن شيئاً لن يحدث إلا بأمر الله ومشيئته، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، حتى لقد تعلَّقت نفوسهم بالرؤى والمنامات تعلُّقًا خالفوا فيه من تقدَّمهم في الزمن الأول من السلف الصالح، ثم توسَّعوا فيها، وفي الحديث عنها والاعتماد عليها، إلى أن أصبحت شغلَهم الشاغل عبر المجالس والمنتديات والمجامع، بل والقنوات الفضائية، إلى أن طغت على الفتاوى الشرعية، فأصبح السؤال عن الرؤى أكثر بأضعافٍ عن السؤال في أمور الدين وما يجب على العبد وما لا يجب، كل ذلك إبان غفلةٍ ووسْنةٍ عما ينبغي أن يقِفه المؤمن تجاهَ هذه الرؤى، وأن هناك هدياً نبوياً للتعامل معها، ينبغي ألا يتجاوزه المرء فيطغى، ولا يتجاهله فيعيى؛ لأن النبي تركنا على المحجة البيضاء، فأغنانا في الحديث عنها عن إتعاب النفس في التعلق بها والسعي الدؤوب في معرفة تأويلها، بلْهَ التعلق بها والاعتماد عليها، وما تهافتُ الناسِ في السؤال عنها بهذه الصورة المفرطة إلا لونٌ من ألوان الخروج عن الإطار المرسوم والتوازن المتكامل، فتجد أحدَنا يرى الرؤيا أياً كانت فتضطرب لها حواسُّه وترتعد منها فرائصُه وتُحبس أنفاسه، فلا يطفئ ذلك إلا البحث بنهمٍ عن عابر لها ليعبرها، حتى يظهر له أشرّ هي أم خير، ولو وقف كل منا عند الهدي النبوي مع الرؤى لما رأينا مثل هذه الجلبة ولا مثل هذا التعلّق الشاغل الذي استثمرته بعض المجامع والمنتديات فضلاً عن الفضائيات التي جعلته وسيلة جلبٍ واستقطاب لمشاهديها من خلال هذا الطعم المهوِّع.

مشاركة :