يوجد بالقاهرة العديد من الآثار الإسلامية وغيرها نادرة التكوين ثمينة القيمة، وبيت الكريتلية يعد واحداً من أقدم المنازل الأثرية في مصر، وتوجد به مجموعة نادرة ومتنوعة من المقتنيات الفنية الأثرية، والحرف الشرقية المصرية الأصيلة كما يعد تحفة فنية تراثية تحمل بين جنباتها روعة العصر التركي في القرن العاشر الهجري، كما يعكس ملامح من جماليات الفن الأوروبي في تلك الفترة، ويعد مبنى المتحف نموذجاً للبيوت ذات الطرز الإسلامية من حيث الاهتمام بالزخرفة من الداخل والمشربيات الخشبية الجميلة من الخارج. ويشمل هذا المتحف بيتين قديمين يرجع تاريخهما إلى القرنين السادس عشر والسابع عشر أحدهما أنشأه الحاج محمد بن سالم الجزار في عام 1631م، وقد عُرف هذا المنزل باسم بيت الكريتلية، وذلك نسبة إلى آخر من سكنه وهي سيدة ينتهي أصلها إلى عائلة من جزيرة كريت، فأطلق أهل الحي عليها «الكريتلية». أما المنزل الآخر فقد أنشأه المعلم عبدالقادر الحداد عام 1540م، وأطلق على هذا المنزل فيما بعد «منزل آمنة بنت سالم»، نسبة إلى آخر من امتلكته، واتصل البيتان فيما بعد بقنطرة على هيئة حجرة صغيرة على طراز الحجرة البيزنطية تعرف بالسباط، ثم أصبح يطلق على البيتين معاً متحف بيت الكريتلية أو متحف «جاير أندرسون». وجاير أندرسون هذا هو رجل إنجليزي كان يهوى الآثار الشرقية بوجه عام والإسلامية بوجه خاص، وكان أحد موظفي الجيش المصري ووصل فيه إلى رتبة أميرالاي، ودفعه شغفه بالآثار لاقتناء مجموعات أثرية نادرة من مختلف العصور، كما قام بتأثيث المنزل بطريقة تعكس مدى الدفء والرفاهية التي كانت تغمر البيوت العربية في ذلك الوقت. وعندما اعتزل أندرسون الخدمة من الجيش المصري ثم من السفارة البريطانية بعد ذلك، طلب من إدارة حفظ الآثار العربية في سنة 1941م تسليمه منزل الكريتلية ليعرض به مجموعته الأثرية فوافقت الإدارة على تسليمه هذا المنزل والمنزل المقابل له منزل «آمنة بنت سالم» بعد أن قامت بترميمهما في مقابل ترك مجموعاته الأثرية هبة لمصر. مقصورة سحرية وبالبيت توجد المقصورة السحرية وهي عبارة عن دولاب إذا سحب من أحد طرفيه فإنه يدور حول الطرف الآخر متجهاً إلى الخارج فيظهر مدخل يؤدي إلى المقصورة التي تتسع لشخصين ويوضع بها كرسيان مذهبان كما توجد غرفة أخرى للسيدات تسمى غرفة الحريم. وعندما نذهب إلى غرفة المتحف نجدها عبارة عن قاعة مخصصة للتحف وعند مدخلها يوجد تمثال من البرونز لــ «باستت»؛ وهو يمثل القطة المقدسة عند قدماء المصريين. وخلف التمثال لوحة خشبية علق بها تابوت من القماش المقوى وتحتوي الحجرة على تحف للفن المصري عبر التاريخ تجمع بين الآثار المصرية القديمة والقبطية والإسلامية وإذا اتجهنا على اليسار سنجد ممراً صغيراً يؤدي إلى سلم مزين بلوحات ورقية عليها كتابات فارسية وفي نهايته نجد الغرفة الدمشقية التي كسيت جدرانها وسقفها بكسوة من الخشب المنقول من أحد القصور القديمة بدمشق ويرجع تاريخها إلى عام 1691 م والغرفة مزخرفة بالكامل بزخارف نباتية وورود يغلب عليها اللون الوردي؛ وهذه الزخارف تشمل السقف وكل الجدران حتى الأرضية ويتوسطها سرير ضخم مزخرف بلون وزخارف الغرفة نفسها. وهو سرير ملكي على الطراز الدمشقي ومعظمه من الصدف والعاج وعلى جدران الغرفة أبيات من الشعر مكتوبة بحروف مذهبة وكلها في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي المتحف توجد غرفة كانت مخصصة للضيوف. الطريف أن أندرسون شيد شاهد قبر لكلبه الأليف الذي اعتاد أن يطلق عليه «فضل أفندي»، ورسم له العديد من اللوحات تخليداً لذكراه، كما رسم بورتريهات متنوعة لخادمه النوبي الصغير «ضبش». كما يحفل رواق التصاوير والرسومات بمجموعة نادرة منهما، حيث تعد كل واحدة منها تحفة ثمينة في ذاتها ويغلب عليها الأسلوب الفارسي الإسلامي في الرسم والتلوين، وتصور بعض مشاهد الشاهنامة «كتاب الملوك» وهي الملحمة الشعرية التي نظمها الحكيم أبو القاسم الفردوسي في عام 400 هـ والبعض الآخر تصاوير صيد، وتصاوير أنس وعشق، وتصاوير احتفال وطرب وتصاوير لمناظر برية وأزهار وطيور، ومن هذه التصاوير أيضاً ما يظهر البلاط السلطاني وما فيه من فخامة وعظمة.
مشاركة :