علينا ألا نعلق الآمال الكبار على فوز هيلاري كلينتون، وبأن ذلك سيعيد للعرب ما خسروه من سياسة أوباما المحابية لإيران، إنما ما نستطيع أن نراقبه هو أننا تخلّصنا من الدخول مجددا في مغامرات أميركية جديدة يعتبر الأميركيون أنّ موسم الانتخابات الأميركية هو عام القذارات لأنّ المنافسة بين المرشّحين داخل الحزب الواحد ثم بين الحزبين تستخدم فيها كلّ الأسلحة القذرة ونبش الماضي والهفوات والارتكابات لكلّ من المرشحّين، وتكون ذروة تلك المشاهد القذرة هي المناظرات التلفزيونية الثلاث التي تجري بين المرشحين، وقد شهدنا آخرها فجر الخميس الماضي بين هيلاري كلينتون ودونالد ترامب والتي جاءت نتيجتها كسابقاتها لمصلحة هيلاري كلينتون. يجمع المراقبون الآن، واستنادا إلى نتائج استطلاعات الرأي بعد المناظرات الثلاث، أن السيدة هيلاري كلينتون ستكون أول رئيسة للجمهورية في أميركا، وستكون الولاية الثالثة على التوالي للحزب الديمقراطي في البيت الأبيض بعد ولايتين للرئيس أوباما. ومع هذه النتيجة يصبح انتظار الثامن من نوفمبر يوم الانتخابات الأميركية يوما عاديا من دون توقّع مفاجآت تغيّر في نتيجة الاستطلاعات التي أعطت هيلاري تقدما كبيرا بفارق ثلاث عشرة نقطة، مع توقّع حصولها على 340 مندوبا انتخابيا من أصل 538. وبذلك تكون تجاوزت الرقم المطلوب للفوز، وهو 270 مندوبا أي بفارق 75 صوتا انتخابيا عن منافسها، وهذا ما أجمعت عليه استطلاعات الرأي في أميركا. ربما تكون هذه الانتخابات بالذات هي أكثر انتخابات في تاريخ أميركا يكون فيها العرب موضوعا وحيدا، طبعا إلى جانب الموضوعات الداخلية والاقتصادية. وربما أيضا تكون هذه الانتخابات هي الأولى التي كان التدخل الخارجي فيها مباشرا وواضحا، وبالذات من روسيا وإيران، الدولتين الأكثر تمتعا بتغطية الرئيس الديمقراطي أوباما لسلوكهما واعتداءاتهما على شعوبنا ودولنا في السنوات الأخيرة، نتيجة سياسة الانكفاء أو القيادة من الخلف للرئيس أوباما. راهن الروس والإيرانيون على انتخاب المرشح الجمهوري دونالد ترامب لاعتقادهم أنّ تغيير حزب الرئيس يجعلهم يربحون المزيد من الوقت للاستمرار في تثبيت أقدامهم في المنطقة عبر تدخّلهم العسكري، وذلك لأنّ العرف في الرئاسة الأميركية هو أن الرئيس الجديد ينصرف في العام الأول إلى تكوين إدارته وتقديمها إلى الكونجرس للموافقة عليها، ثم ينصرف إلى التحضير للانتخابات النصفية لمجلسي النواب والشيوخ في أكتوبر. وجرت العادة ألا يكون للرئيس الجديد سياسة خارجية قبل عامه الثاني، لذلك ذهبت روسيا وإيران بعيدا في مجزرة حلب وأيضا باعتداء إيران على المدمّرة الأميركية في اليمن. يشهد العالم منذ الأسبوع الماضي تحركا فعالا في موضوعات النزاع في سورية والعراق واليمن، وكأنّ الانتخابات الأميركية انتهت. وقد بدا ذلك واضحا في اجتماعات كل من لندن وباريس وبرلين ولوزان وبروكسل، والتي بدأت بتحذير روسيا من مغبة استمرارها في إبادة الشعب السوري مع إيران، وكذلك الوقوف في وجه تدخل الحشد الشعبي الذي يستهدف عرب العراق بعد خروج داعش من المناطق المسيطرة عليها، ومع الإعلان عن وقف لإطلاق النار في اليمن لثلاثة أيام قابلة للتجديد. علينا ألا نعلق الآمال الكبار على فوز هيلاري كلينتون في الانتخابات الأميركية، وبأن ذلك سيعيد للعرب ما خسروه من سياسة أوباما المحابية لإيران، وهي خسائر كبرى اقتصادية وبشرية وسياسية. إنما ما نستطيع أن نراقبه هو أننا تخلّصنا من الدخول مجددا في مغامرات أميركية جديدة، أي أن الحزب الديمقراطي لا يستطيع الاستمرار في سياسات أوباما مع إيران وروسيا، بعد أن غدرا به في الانتخابات، مما قد يعيد شيئا من التوازن للسياسة الدولية في المنطقة، مع تضرّر أوروبا بشكل خاص من سياسة الانكفاء الأميركية وعلى حساب حلف الناتو الذي تراجع حضوره إلى أدنى مستوى منذ الحرب العالمية الثانية. اعتقد أن روسيا وإيران هما من عليهما مراجعة سياستهما، وقد بدأ ذلك بالسجال الذي شهدناه بين الحرس الإيراني والرئيس روحاني حول المشاركة في اجتماعات لوزان، والذي انتهى بمشاركة ظريف في هذه الاجتماعات، وكذلك استقالة ثلاثة وزراء من معسكر روحاني من الحكومة اعتراضا على ضغوط الحرس على السياسة الحكومية، مما ينذر بتطورات إيرانية نتيجة المغامرة السياسية للحرس الثوري بالمراهنة على المرشح دونالد ترامب. والأمر عينه بالنسبة إلى روسيا التي ينشط رئيسها لإعادة ترميم صورتها بالنسبة للأوروبيين والعرب المسلمين. وهنا يأتي السؤال: أي من روسيا وإيران مع هيلاري كلينتون؟
مشاركة :