استحدثت الباحثة في المركز الوطني للبحث العلمي ميلين باردوين مهنة لنفسها سمتها "عالمة آثار للمشهد الصوتي"، بغية إحياء أصوات منسية وتعويد الأذن على أجواء الماضي. وتوجهت باردوين إلى علم الموسيقى بعدما كانت تحلم بدراسة التاريخ، علماً أنها لم تكن حاصلة على الشهادة الثانوية العامة. وحققت الخبيرة في الموسيقى العسكرية والشغوفة بالتاريخ، حلمها من الخبرة التي حصلت عليها أثناء عملها في المتاحف، فهي تغوص في الماضي لاستعادة محيطه الصوتي. ويستعيد مشروعها الكبير المسمى "بيرتيز" تيمناً بخبير الخرائط الذي أنجز خريطة شهيرة لباريس العام 1730، الأصوات والضجيج في حي غران- شاتليه شارعاً بشارع، جسراً بجسر ومتجراً بمتجر. وتقول الباحثة: "بالاستماع إلى هذه اللوحة الصوتية الكبيرة، يمكن السامع الالتقاء بالبائعات الجوالات والحيوانات التي تقتاد إلى المسلخ ومياه نهر السين. هذه المقاربة الجديدة من خلال الأذنين، تسمح بعيش التاريخ". وتضيف: "أنا لا أخترع ولا أبتكر أصواتاً"، لكن بمساعدة خبراء ومؤرخين تستعيد المهن الغابرة وأدوات الماضي، وتسجل الأصوات التي تصدرها وتعيدها إلى إطارها. وتابعت: "الواجهة الخشبية لا تصدر الصوت نفسه مثل الجدار الحجري"، مؤكدة "الجيش والأبحاث مجالان مختلفان، لكن الأول علمني أن أنجز كل ما أقوم به". وتوضح قائلة: "من خلال إسماع أصوات الماضي، أريد أن أرفع الوعي بأصوات الحاضر. فعدد كبير من الناس اليوم يتنزهون بينما يضعون سماعات على الأذنين ولا يستمعون إلى أصوات العالم". وتشير باردوين التي تعمل في معهد علوم الإنسان في ليون إلى أن الطفل يستمع إلى كل شيء، لكن عندما نصبح بالغين تشغلنا اهتماماتنا وتبعدنا عن كل ما هو جماعي. وتشارك الباحثة في الكثير من الندوات والمؤتمرات العلمية، لإعادة بعض من الأهمية إلى الأصوات التي لم تكن تعتبر مصدر إزعاج على الدوام. وتؤكد الباحثة ان "الصوت مهم، وهو ينتج مشاعر، وهذه المشاعر والانفعالات هي التي تحفزّنا".
مشاركة :