يكتبها: يوسف أبولوز يقرأ كتاب سيرة على درب المسيرة للتربوي والإعلامي والمثقف الناشط في العمل الفكري والمعرفي في الشارقة منذ خمسينات القرن الماضي محمد دياب الموسى المستشار التربوي لصاحب السمو حاكم الشارقة بأكثر من مستوى فالكتاب سيرة فرد، ولكنه في الوقت نفسه سيرة مكان وسيرة زمان، والكتاب سردي في بنيته العامة، وفيه الكثير من المشاهد والمواقف التي يمكن أن يبنى عليها نص سردي روائي، والكتاب حميم في طرحه واستعراضه ومحطاته، كما أنه يحمل الكثير من المعلومات عن الشارقة منذ أواسط خمسينات القرن الماضي وحتى مطلع 2000. يتحدث محمد دياب الموسى في ما سماه (سحر البدايات) عن جذوره العائلية في كفر عانة البلدة الفلسطينية التي تعني بالكنعانية (القوة والعزة)، ثم يستعرض بنوع من الحنين العميق الفضاء الزراعي لكفر عانة المطرزة بالبرتقال والليمون. يربط (أبو حاتم) الوقائع والأحداث السياسية التي شهدها بمسيرة حياته من فلسطين إلى الكويت إلى الإمارات، لقد شهد سلسلة من الاستعماريات التي طغت على بلدان عربية، وتبعها سلسلة استقلالات، ثم عدد من الانقلابات العسكرية، فقرار التقسيم، فحرب 1967، فخروج المقاومة الفلسطينية من الأردن، إضافة إلى الكثير من المحطات السياسية الفارقة في التاريخ الفلسطيني والعربي.. ويقول.. إن هذه السياقات العامة التي عاشها أبناء جيلي، وأنا واحد منهم سوف تصنع وعينا، وسوف تؤهلنا إلى الآتي من أحداث... خرج (أبو حاتم) من فلسطين إلى الكويت وعمره ثمانية عشر عاماً، وفي مسيرته التعليمية كان معلماً وأباً وأخاً وصديقاً لتلاميذه والكثير منهم اليوم في مناصب ومواقع عمل مرموقة في الإمارات. التعليم والعلم هما جوهر حياة محمد دياب الموسى، ولذلك عند عودته إلى فلسطين، وبعد حرب حزيران 1967 أنشأ روضة نموذجية، وبقي مصراً على حقل التدريس، وهو وإن عمل في الإعلام التلفزيوني (1989 المدير العام لتلفزيون الشارقة) كان يردد دائماً.. ..أدير جهازاً إعلامياً من منظور تربوي..، ومن المقولات التي تستوقفنا عند قراءة هذا الكتاب الممتع: في الخمسينات كانت بداية امتحان لي، وفي السبعينات كانت بداية انطلاقة وإثبات للذات. محمد الموسى نموذج يحتذى في الصبر وبناء الذات والعصامية والأخلاق والوفاء، وهو أخلص لعمله، وأخلص للشارقة والإمارات التي احتضنت خبراته وطاقاته، وهو واحد من مؤسسي التعليم في الشارقة، وهو واحد من شهود العيان على المشروع الثقافي لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وسموه أسس هذا المشروع التنويري انطلاقاً من عبارته الذهبية المحفورة في ذاكرة كل مثقف عربي.. .. كفانا من ثورة الكونكريت ولنتحول إلى بناء الإنسان... في هذا الكتاب فصول ممتعة، وتاريخ، وسرد، ومذكرات وشهادات ومواقف في مثابة دروس في العمل والإنتاج والخلق. في تقديمه للكتاب قال صاحب السمو حاكم الشارقة: مذكرات الأستاذ محمد دياب الموسى تفلح في وضع نقاط على الحروف حول الشأن الفلسطيني - دون أن تكون تدويناً توثيقياً لأحداث النكبة، كما تنجح في إضاءة بواكير التعليم النظامي في الإمارات، وبخاصة في إمارة الشارقة صعوداً إلى التأسيس الثقافي والإعلامي الذي شارك فيه كاتب المذكرات، كما تتبين الوشائج العربية الخليجية والمجتمع المدني العربي في الشارقة لحد تشكل المذكرات فيه سوانح للتذكير والاندياح سنين من المعايشة لأحداث وشخوص من الواقع الخليجي المتحول، لا يسع المرء حيالها إلا أن ينشغل أثناء القراءة بأطياف الذكرى والتماعات المواقف وفيوض المودة الحقة... ويقول (أبو حاتم) عن كتابه.. ما قدمته في هذه السيرة الذاتية أقرب إلى الاستذكار، وهو محكوم بعوامل عديدة لذلك سيكون من السهل على القارئ أن يكتشف في طيات هذه السيرة إشارات تحجب وراءها تفاصيل كثيرة لم تذكر، ولحظات ودقائق وساعات وأياماً كانت مفعمة بالوقائع والأحداث مررت عليها سريعاً، وأنا في كل هذا لا أطلق العنان للقلم ولا للذاكرة، وإنما أضعهما في الإطار الذي اخترته والذي أرجو أن يساهم في تكوين ذاكرة حقيقية فاعلة وبناءة للوطن وأجياله.. من هنا يكون مفهوماً جداً أنه لو أتيح لي أن أعيد كتابة هذه السيرة في وقت قادم لفصلت في مواضيع عديدة. ويقول أبو حاتم في مكان آخر.. ..ما يشفع لي أنني في هذه المسيرة لا أقدم تاريخاً وإنما تجربة ومسار.. ولا أهدف إلى تقويم وقائع ما حدث، وإنما تعزيز دروس وعبر... يخبرنا الكتاب أن معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الأولى عام 1982 كان يصاحبه موسم ثقافي ابتدأ بأمسية للشاعر محمود درويش، وأن أولى المدارس تأسست في الشارقة واسمها مدرسة الإصلاح وإن كانت غير نظامية وتعنى بالقراءة والكتابة والقرآن الكريم، وبعض العمليات الحسابية إلا أنها كانت النواة التي قامت حولها وبعدها النهضة التعليمية. يخبرنا الكتاب أيضاً إن من أوائل المعلمين الذين جاؤوا إلى الشارقة من الكويت في 3591 مصطفى يوسف طه، وأحمد قاسم البوريني، وعبدالعزيز حسين. يخبرنا الكتاب كذلك أن أولى مدارس البنات تم افتتاحها بعد وصول المُدرّسة شريفة البعباع في سبتمبر 1954.. سُمّيت في البداية القاسمية للبنات، ثم تحوّلت لاحقاً إلى رابعة العدوية، ومن قدامى المدُرّسات صالحة المطوّع. يذكر محمد دياب الموسى أن المجلس الأعلى للتنسيق بين القنوات الفضائية العربية في دورته عام 1998/1997 أوصى باعتماد قناة الشارقة الفضائية قناة العرب الثقافية، وكذلك في اجتماع وزراء الثقافة العرب المنعقد في الشارقة في نوفمبر 1998، وجاء في الكتاب أن أول إذاعة عربية انطلقت من مدينة الشارقة كانت في أواخر الخمسينات وأوائل الستينات من القرن العشرين، وتأسس في الشارقة أول نادٍ ثقافي في عام 1936 وكان يحمل اسم المنتدى الإسلامي، ويخبرنا الكتاب أن صاحب السمو حاكم الشارقة عمل مدرساً في المدرسة القاسمية قبل أن يلتحق بكلية الهندسة الزراعية في جامعة عين شمس في مصر. هذا غيض من فيض كتاب سيرة على درب المسيرة الذي يضم أيضاً إلى جانب هذه المعلومات كنزاً من الصور الفوتوغرافية الأرشيفية التي يعود بعضها إلى الأربعينات والخمسينات من القرن العشرين، فنطالع صورة لأول فرقة كشافة وأشبال تأسس في 4591/ 5591 ، ونطالع صورة للمؤسسين للحركة الكشفية في الشارقة (31 مؤسساً) من بينهم: بحسب شرح الصورة سلطان بن محمد القاسمي، سلطان محمد العويس، تريم عمران، أحمد محمد المدفع، محمد حمد الشامسي وآخرون. تظهر الصور أيضاً مهرجاناً رياضياً أقيم في الشارقة في العام 1956، ونطالع صورة البارجة الحربية البريطانية نيوكاسل إبريل في العام 1957 ، ومهرجان ثقافة الطفل في منتزه الجزيرة (الشارقة) العام 1958.. وغير ذلك من سردية فوتوغرافية واكبت مئات الأنشطة الثقافية والتربوية عبر أكثر من نصف قرن من الزمن.
مشاركة :