حمد بوعميم مؤخراً تم نشر فيديو عن فضيحة بنك ويلز فارغو (Wells Fargo) الأمريكي الذي ذاع حول العالم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام. يظهر الفيديو استجواباً للرئيس التنفيذي للبنك من قِبل نائب في مجلس الشيوخ الأمريكي، خلال الجلسة التي أجرتها لجنة المؤسسات المالية الأمريكية حول الغرامات المالية المفروضة حديثاً على البنك، بسبب إنشائه حسابات غير مرخصة لعملائه. وكان التساؤل في المقام الأول، لماذا قام آلاف الموظفين بإنشاء الملايين من الحسابات، والتي تقارب المليوني حساب، بطرق غير مشروعة حيث استخدموا أسماء عملائهم دون علمهم؟ كما تساءل النائب: لمن لابد من توجيه اللوم؟ بينما ألقى البنك اللوم على موظفيه وقام بطرد 5300 منهم، وكان لمجلس الشيوخ رأي مختلف تماماً، فقد رأى المسألة بمنظور مختلف مغاير لتلك التي رآها المديرون التنفيذيون. فقد اعتبر مجلس الشيوخ نظرة المديرين التنفيذيين قاصرة جداً وقرر النظر للمسألة بشكل أوسع وأعم - إنها الثقافة المؤسسية. اتضح ذلك جلياً في كلمات نواب مجلس الشيوخ الأمريكي، فقد نقل عن أحد النواب قوله: لم تكن المسألة مسألة 5300 تفاحة فاسدة، بل هي عفن ألمَّ بالمؤسسة كلها وشهدنا ثماره مؤخراً، وقال موبخاً الرئيس التنفيذي وأعضاء فريقه: أنتم خلقتم بيئة خصبة لنمو هذا العفن، وساعدتم على امتداده عبر المؤسسة ليكون جزءاً أصيلاً من ثقافتها. ولعله من الأهمية بمكان الإشارة إلى تبعات هذه القصة، حيث هوت أسهم البنك بشكل خطر جداً وفقدت ما يزيد على خمسة وعشرين مليون دولار من قيمتها. من هنا نجد أن الثقافة المؤسسية لها أهمية بالغة لكل شركة، عامة كانت أو خاصة، كبيرة كانت أو صغيرة، وذلك لأنها ترسم الطريق لجميع العاملين والموظفين في المؤسسة، فهي توضح المبادئ العامة والقيم التي تقودهم لتحقيق الأهداف المرجوة، كما تمثل العماد الأساسي واللبنة الأهم في كل ركن من أركان المؤسسة. يختلف مفهوم الثقافة المؤسسية من شركة إلى أخرى، وبالتالي تختلف القيم والمبادئ أيضاً. لهذا تحرص كل مؤسسة على إيضاح قيمها ومبادئها إيضاحاً جلياً. على سبيل المثال يعرِّف ويلس فارغو ثقافته على أنها الفهم السليم لرؤيتنا وقيمنا الذي يقود موظفينا إلى عمل المهام المنوطة بهم بشكل تلقائي كل يوم، كما يوضح بعض المفاهيم الأساسية لثقافته كالعمل الجماعي والعطاء وغيرهما. هذا النموذج المتكرر من التعريفات يمكن قراءته دائماً حيثما وجّهتَ بحثك في قسم الرؤية والقيم والمبادئ الموجود على المواقع الإلكترونية للشركات جميعها. على سبيل المثال، كم مرة قرأت عبارات كالعميل أولاً أو الشفافية منهجنا.. إلخ؟ تعد كتابة مثل هذه العبارات البراقة شيئاً سهلاً، ولكن يصعب تطبيقها في كثير من الأحيان. ولذا تحاول الشركات التأكد من التزام موظفيها بتطبيق مثل هذه القيم عبر العديد من الوسائل، حيث تطبع الكتيبات التي توضح ميثاق الأخلاق والعمل وغيره من المواثيق، كما تنظم ورشاً للعمل لبناء الوعي لدى الموظفين. ولكن في حقيقة الأمر، يمثل هذا جزءاً بسيطاً من الصورة الكاملة، فالتطبيق الحقيقي يأتي نتيجة لسياسات الشركة ونظمها وأسلوب إدارتها وهيكل المكافآت بها، وكل العوامل التي تشكل العصب الرئيسي للثقافة المؤسسية. ما الذي يحدد أولويات الموظف؟ وهل يلقي الموظف بالاً لقيم الشركة طالما كان نتاج عمله متوافقاً مع هيكل المكافآت والعادات العرفية في المؤسسة؟ مثلاً إذا كان تركيز الشركات منصباً على النتائج التشغيلية قصيرة المدى، وإذا كان هيكل المكافآت محفزاً لهذا السلوك، فلماذا يهتم الموظف بالجانب بعيد المدى؟ وإذا كان تركيز الشركات منصباً على رضى العملاء وكان هيكل المكافآت محفزاً لهذا السلوك، فمن الطبيعي أن نجد الموظفين واضعين نصب أعينهم إرضاء العملاء، إلى غير ذلك من الأمثلة. ولكن ليست المكافآت والقوانين فقط هي التي تؤثر في سلوك الموظفين فهناك عوامل أخرى كالعادات العرفية مثلاً التي تشجعهم على سلك سبل مختلفة، فالسائق على سبيل المثال يتأثر بقوانين الطريق طبعاً كما يتأثر بسرعة المركبات المصاحبة له والمناخ من حوله. من وجهة نظر الحوكمة السليمة، يجب أن توضح المؤسسات قيمها ومبادئها ورؤيتها، ومن ثم وجب على قيادتها تحويلها إلى ممارسات فعلية على الأرض يشعر بها الجميع. الرئيس التنفيذي عليه تشجيع وجود ثقافة معينة في الشركة وعلى رئيس مجلس الإدارة مراقبتها. بشكل عام الإدارة التنفيذية ككل تلعب دوراً مهماً في تطبيق وتقييم الثقافة المؤسسية ومجلس الإدارة يتأكد من تغلغلها في كل ركن من أركان المؤسسة. منذ إنشائه في عام 2006، ومعهد حوكمة مهتم بالغ الاهتمام بخلق ثقافةٍ سليمة في كل مؤسسات المنطقة. بكل ثقة يمكننا القول، ونحن نحتفل في عامنا هذا بعشرة أعوام من تقديم الاستشارات ودعم ثقافة الشركات، إن هناك العديد من الممارسات الإيجابية في هذا الصدد التي لم تكن موجودة من قبل، سواءً من ناحية تعريف الثقافة أو تقييمها أو مراقبتها أو تغييرها وتطويرها. في النهاية، سبب وجودنا الأصيل هو إيجاد منصة لتطوير أداء الشركات في المنطقة، ومن خبرتنا أن الثقافة المؤسسية تبقى في جلها المكون السري المفقود. *رئيس مجلس إدارة معهد حوكمة
مشاركة :