الإرهاب.. درهم وقاية خير من قنطار علاج

  • 3/12/2014
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

النسخة: الورقية - سعودي على مدى تاريخها البالغ ثمانية عقود خاضت المملكة العربية السعودية معارك ناجحة ضد العنف الذي يتهدد الدولة والمجتمع. خاضته إبان الانتقال الصعب من منطق الجهاد إلى منطق الدولة في عشرينات القرن العشرين، حتى عام 1930 في معركة السبلة التي حسمت الانتصار لمنطق الدولة. وخاضته عام 1979 عند احتلال جهيمان وجماعته «السلفية المحتسبة» الحرم المكي بدعوى ظهور المهدي وجور الدولة وكفرها. وخاضته على مدى العقد الأول من الألفية الثانية مع تنظيم القاعدة الأكثر عنفاً وشراسةً وتنظّماً. وقياساً على ما سبق أتوقع للدولة النجاح إذا ما اندلعت موجة جديدة من العنف عند انتهاء مرحلة «الجهاد في أرض الشام» وعودة الأربعة آلاف مقاتل من أبنائنا. إذ لدينا جهاز أمني قوي قادر على مواجهة التحديات، لكن من المعروف أن صد العنف الذي يصدر من مواطنين ويتقصّد الدولة عبر الحل الأمني وحده ليس الخيار الأمثل. فليس من مصلحة الدولة، أي دولة، أن تبدِّد جزء من مواردها على مواجهات داخلية. المثل العربي القديم يقول: «درهم وقاية خير من قنطار علاج». والأفضل لنا أن نعرف ماهية الصيغة التي تمنع تحول المواطنين إلى خطر على استقرار الدولة وأمن المجتمع. «درهم وقاية خير من قنطار علاج» يبدو هذا الكلام نوعاً من الحِكم الباهتة. لكني عايشت لحظتين إرهابيتين صادفها مجتمعان، ولاحظت ردود فعل مختلفة بين المجتمعين. الأولى: كانت لحظة 11 سبتمبر، حيث كنت طالباً في أميركا. والثانية: موجة الإرهاب التي ضربت المملكة بُعيد أعوام قليلة من اللحظة الأولى. الفارق بين الحدثين هو توحد المجتمع الأميركي بكل فئاته ضد الحدث الإرهابي الذي ضرب بلدهم في مقابل وجود فئات في السعودية، إما انخرطت في الموجة الإرهابية أو ساعدتها أو سوّغت لها. لديّ شاهدان على ما أقول، الأول: من أميركا، ففي مقابلة في محطة تلفزيونية كبرى، ربما كانت «سي إن إن»، مع مدرب طيران أميركي بعد هجمات 11 سبتمبر. كان من ضمن الأسئلة له: هل كان الطياران الأصليان للطائرتين اللتين ضربتا البرج هما من قاد الطائرتين بإرغام من الخاطفين، كتفسير للبراعة التي تم بها ضرب الهدفين؟ قال: «لا يمكن أن يقبل مواطن أميركي أن يقوم بهذا العمل». اللغة الواثقة لمدرب الطيران بعدم تقبل فكرة أن يقوم مواطنان أميركان جعلت كأن تفجير تيموثي ماكفي لمجمع حكومي في أوكلاهوما قبل هجمات سبتمبر بستة أعوام استثناء لقاعدة عدم تقصد المواطنين الأميركان لدولتهم ومجتمعهم بالعنف. بدا الخطاب الأميركي الداخلي، عبر الإعلام التقليدي ومنتديات الإنترنت موحداً خلف رفض الحدث الإرهابي. المثال الثاني من بلادنا، فهجمات القاعدة علينا شهدت لحظتين مفصليتين. الأولى: تفجير المحيا، إذ قتل الإرهابيون مدنيين بشكل عمدي مستقصدين إياهم ومخططين لقتلهم. الثانية: تفجير مبنى المرور في شارع الوشم بالرياض، إذ تم تقّصد رجال الأمن السعوديين. على رغم الإدانة المحلية للحدثين إلا أنه كان ثمة خطاب مبرر للحدثين. أذكر في هذا الصدد نقاشات في المنتديات تسّوغ للإرهابيين تقصد المجمع السكني «المحيّا» بحجة تفشي نمط المعيشة الغربي بين قاطنيه. وفي ما يخص تفجير مبنى المرور فقد نُقل عن أحد الدراويش أنه رأى فيما يرى النائم أن الشاب الذي نفّذ التفجير أخبره بأنه «على مقعد صدق عند مليك مقتدر» في شكل ما. حالة الإجماع الأميركية في مواجهة الإرهاب الذي ضرب بلدهم صبيحة 11 سبتمبر قابلها مستوى أقل من الإجماع لدينا، بكلام آخر، لم أقرأ في المنتديات الأميركية من يتبنى أو يسوّغ للهجوم الإرهابي، لكني قرأت ذلك في منتديات سعودية! كيف؟ كيف أمكن لأمة ضخمة العدد متعددة الأعراق والديانات أن تصل بأبنائها إلى الاتحاد في رفض الفعل الإرهابي؟ في المقابل لماذا لم نصل، ونحن الأقل عدداً، إلى مثل هذا الإجماع؟ ما أدوات تحصين أفراد المجتمع من أن يتبنوا أفكاراً إرهابية في الأساس؟ هذا طبعاً سؤال صعب، لكن بعض هذه الأدوات في أيدينا، وتتمثل في طريقة إدارة للمجتمع على أساس نموذج جذاب يقدر على إفراغ المنظور الإرهابي من جاذبيته، ولاسيما لليافعين. يمكن الوصول إلى هذا الهدف من خلال بث منظور محب للحياة ومقدّر لها عبر التعليم ومنظومة القيم، وأسلوب إدارة للمجتمع يتضمن تنمية ناجحة وعدالة في توزيع الموارد، وفتح مجالات أكبر للمشاركة. حزمة أخرى من هذه الأدوات خارج قدرتنا كوطن، ويختص بالمواجهة بين كثير من المجتمعات الإسلامية ومراكز القوة العالمية من غرب وشرق وما تولده من شعور بالمظلومية ورغبة في النصرة. لعل العمل على النموذج الوطني يحصّن وطننا من أن يكون ساحة للإرهاب مرة أخرى. على رغم أن هذه الظاهرة اكتسحت مجتمعات عربية كثيرة، لكن يسجل لبعضها قدرتها على الإفلات من لعنة الإرهاب. الغريب أن جل مجتمعات «الرخاء» العربية: عُمان والكويت والإمارات وقطر، نجت من الظاهرة الإرهابية حتى وإن انخرط مواطنون منها في تنظيمات إرهابية خارج بلدانهم. والأغرب أن بلداً أقل في الإمكانات الاقتصادية، وهو الأردن، لم يعانِ من هذه الظاهرة. ربما أن جودة التعليم الأردني ونجاح نموذجهم الإداري يسجلان معدلات عالية في التنمية الإدارية، وكفاءة مؤسستهم الأمنية تلعب جميعاً أدواراً في هذا الشأن. في كل الأحوال: ما السبيل لتحصين الإنسان السعودي من القابلية لتبني العنف؟ نحتاج إلى أن نفهم كيف يمكن أن ننجز هذا، ولاسيما لدى الشرائح والفئات الأكثر قابلية لاستهلاك «آيديولوجيات العنف».     * كاتب وروائي سعودي.

مشاركة :