«اللا الأولى: التوسع في الجامعات ليس ترفًا» تأسست الجامعات الجديدة التي تُنعت بالناشئة تباعاً، وقد ذُكر في أكثر من مناسبة وعلى لسان صناع القرار في بلادنا الغالية: أن الهدف من ميلاد هذه الصروح العلمية الرائدة والرائعة أن تكون علاجاً للخلل التنموي الحادث جراء عدم نيل مناطق ذكرت بالاسم حظها الطبيعي من التنمية لأي سبب من الأسباب. وهذا ينقض قول نائب وزير الاقتصاد والتخطيط معالي الأستاذ محمد مزيد التويجري من «أن هذه المشاريع ليست تنموية، والأهم من ذلك ما فيه خطة «!!! مع العلم أن النظام الأساسي للحكم الصادر في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله 27 / 8 / 1412هـ نص في مادته الثانية والعشرين المندرجة تحت الباب الرابع :» المبادئ الاقتصادية « يتم تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وفق خطة علمية عادلة «!!!؟. ولأنه رجل اقتصاد، وهذا العلم لا يعترف إلا بالأرقام، ولا يتحدث أصحابه إلا بها، فإنني كنت أمنّي نفسي وأنا أتابع بشغف «برنامج الثامنة» أن يخاطبنا معاليه- وقد جاء ممثلاً للوزارة المعنية أساساً بالاقتصاد والتخطيط السعودي- بهذه اللغة التي يقف عندها الجميع احتراماً وتسليماً، ولعلّي هنا أسأل صاحب المعالي من خلال اللغة التي من المفترض أن يجيدها: # كم عدد الطلاب والطالبات في هذه الجامعات التي تعدّ - في نظر معاليكم- مشاريع غير ملائمة، ولم يخطط لها لتسهم في النمو الاقتصادي، بل إنه كان بالإمكان الاستغناء عنها، والأشد والأنكى أنها في موازينك التخطيطية الاقتصادية لا تعدو أن تكون منتظمة في منظومة مشاريع الترف!!! الشيء الطبيعي الذي لا يحتاج إلى اقتصادي خبير أن مكافأة هؤلاء جميعاً تصرف في أسواق مدن وقرى وهجر هذه المنطقة أو تلك، مما يسرّع في دورة الريال، ويؤثر بشكل مباشر في التنمية الاقتصادية المجتمعية، ويقلل الفجوة بين طبقات المجتمع، وقد يسهم بقوة في ميلاد طبقة وسطى تعدّ بمثابة العمود الفقري للاقتصاد الوطني، فضلاً عن دوره في تطوير مشاريع القطاع الخاص في المنطقة وازدهارها، ليس هذا فحسب، بل إن السلوك الاستهلاكي المتوقع من قبل شريحة الطلبة والطالبات يشارك بشكل حقيقي في تحقيق عدالة التوزيع في مجتمع الجامعة المحلي الذي هو هدف أساس من أهداف سياسة بلادنا الحكيمة. # كم عدد أعضاء هيئة التدريس الأجانب الذين يحتاجون إلى سكن، واستخدام للمرافق العامة، وشراء لمتطلبات الحياة والمعيشة المختلفة التي يشترونها من تجار هذه المناطق؟ # كم هي شركات المقاولات والصيانة والتشغيل والأمن والتقنية والتغذية و...التي وفّرت وظائف- وإن كانت محدودة الأجور- لعدد من أبناء وبنات هذه المناطق؟ # كم هي التبعات التنموية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية لو ظل الحال كما كان عليه حين كانت الجامعات ثماني جامعات في المدن الرئيسة ؟ # كيف هي الفجوة الاقتصادية بين الطبقات، والخلل التنموي في المناطق، لو بقي الحال كما كان من انتشار كليات المعلمين في مدننا الرئيسة الأقل نمواً، إذ إن هذه الكليات - مع كل التقدير والاحترام لما قدمته لهذا الوطن من أعمال جليلة - كانت تٌخرج معلمين للمرحلة الابتدائية فقط، مما تولد معه تدنٍّ لمستوى المعيشة في كثير من الأسر في هذه المناطق التي لم تسمح ظروفها للأبناء والبنات بالسفر للعاصمة الرياض أو جدة أو المنطقة الشرقية من أجل الالتحاق بالجامعة. # كم هم الشباب السعودي الذين عادوا إلى مناطقهم بعد أن أكملوا دراساتهم العليا في إحدى الدول المتقدمة فشاركوا- وما زالوا يشاركون- مع بقية زملائهم بكل نشاط وحيوية وفاعلية في إحداث نقلة نوعية شاملة ومتكاملة لتوطين تنمية مستدامة في جزء عزيز من أرض وطننا الغالي. أنا هنا لا أتحدث عن هؤلاء الشباب الفخور بإنجازه من جانب اجتماعي أو إنساني أو حتى علمي ومعرفي، بل إنني في سياق الحديث عن اقتصاد صرف، ولك صاحب المعالي أن تعيد قراءة هذه المعطيات بعين الفاحص البصير، وجزماً ستجد أن لغة الأرقام تقنعك على الاعتراف بأن التوسع في افتتاح الجامعات لم يكن ترفًا. أتفق معك في أن المخطط لم يأخذ في الحسبان صعوبة الصيانة والتشغيل المستقبلي لهذه الجامعات حين تصميم المباني التي تحتاج إلى متابعة دائمة وصيانة نوعية، خاصة ربما تكون فاتورتها مرتفعة نوعاً ما، خاصة في المدن الجامعية التي أقيمت على مساحات شاسعة فصارت المباني متباعدة، مما سهل للعوامل البيئية والمناخية المختلفة أن تؤثر سلباً في المنشأة والموقع العام، وهذا - في ظني - خطأ هندسي بحت وليس تنمويًّا كما قلت، وقد سبق وأن تحدثت عن هذا في هذه الزاوية قبل عدة سنوات، ومع ذلك فإن هذا الأمر لا يجعلك تذهب إلى ما ذهبت إليه، خاصة أن القائل له مسئول كبير كان المنتظر منه أن يقول ما يتماشى ويتفق مع سياسة الدولة المتزنة الرامية إلى النهوض بهذه المناطق ورفع القوة الشرائية لدى مواطنيها، دمتم بخير، وإلى لقاء مع «اللا الثانية» الجمعة القادمة بإذن الله والسلام.
مشاركة :