لا أحد يمكنه أن يراهن على انتصار داعش في معركته الحالية في الموصل. لا بسبب تفوق القوات العسكرية العراقية وهي مسألة موضع شك ولا بسبب الدعم الجوي الاميركي الذي يمكن التقليل من اضراره في مدينة مكتظة بالسكان كالموصل ولكن لأن التنظيم الارهابي لم يحتل الموصل ليبقى إلا في حدود ما ينفذه من مهمات، تدخل ضمن المشروع الأكبر الذي يتعلق بمصير العراق. لا تقوم استراتيجية داعش على مبدأ مواجهة الجيوش النظامية، المعدة لقتال طويل الأمد. وكما أثبتت الوقائع فإن داعش يصلح لخوض حرب عصابات ضد تنظيمات من نوعه، كما حدث في سوريا. أما مسألة قيام دولة الخلافة الاسلامية بخليفتها الدمية أبو بكر البغدادي فإنها لم تكن لتدخل في نطاق تلك الاستراتيجية، بل وقعت عرضا نتيجة سعة الرقعة الجغرافية التي فوجئ التنظيم الارهابي بأنها صارت تحت هيمنته. وعلى العموم فإن الدولة الاسلامية في العراق والشام لم تكن إلا فكرة ارتجلتها عقول مريضة، وجدت في الظرف الاقليمي والدولي مَن يرحب بها خفية، وفي الظروف المرتبكة والملتبسة والسائبة التي تمر بها سوريا والعراق فرصتها لكي تنتقل مؤقتا من الورق إلى الأرض. وهو تحول لن يجد ما يدعمه بشكل ثابت في ظل تغير المزاج الاقليمي والدولي الذي جعل من العراق وسوريا حقلي تجارب مختبرية. ولهذا يمكنني القول إن نتائج معركة الموصل مهما كانت سلبية بالنسبة لداعش فإنها لا تشكل هزيمة لمشروعه. فالتنظيم الذي وُهب سنتين من أجل أن يعبث بالحياة المدنية في ثاني أكبر مدن العراق كان قد أنجز مهمته بنجاح وهو ما سيؤتي ثماره في مرحلة ما بعد تحرير الموصل، إلا إذا تمت استباحة المدينة من قبل الميليشيات الطائفية كما حدث من قبل في تكريت والفلوجة، وهو أمر مستبعَد، بسبب قيمة المدينة على المستوى الاقليمي. استقلال المدينة داخل الدولة العراقية الهشة هو الحد الأدنى من المكافأة التي تقبل بها الموصل بعد تحريرها، مستندة في ذلك إلى جدار صلب من المطالبة الاقليمية والدولية في حمايتها مما يمكن أن يلحق بها مستقبلا بسبب نزعة حكام بغداد الطائفية وتغول الميليشيات الشيعية التي تسعى إلى توسيع مناطق نفوذها، طمعا قي الغنائم. وهو ما لم يخفه زعيم الطائفيين العراقيين نوري المالكي حين تحدث بذعر واضح عن خارطة أطماعهم التي تمتد من الموصل إلى اليمن مرورا بحلب والرقة. الرجل ليس غبيا ولا جاهلا. الموصل إن ذهبت فإن ذلك يعني ارتداد الزعامة الشيعية إلى المناطق التي صار الشيعة وحدهم يقيمون فيها. وهو ما يعني اقامة كيان شيعي، يكون حتما تابعا لإيران. وهو ما يقلق تلك الزعامة غير الموحدة وما يجعلها تشعر أنها ستسوى بالتراب في ظل النزعة القومية الفارسية التي لا يشكل المذهب إلا جزءا صغيرا من مزاجها. وهو مزاج قائم على كراهية العرب. وهكذا يكون الشيعة هم الطرف الخاسر الوحيد بعد تحرير الموصل. لقد ورطت الزعامة الشيعية متمثلة بالتحالف الوطني شيعة العراق بعلاقة غير متوازنة مع إيران وهي تحلم بما توفره تلك العلاقة من استقواء على الآخرين، غير أن إيران نفسها تبدو اليوم عاجزة عن تقرير ما يمكن أن تنتج عنه معركة تحرير الموصل من مفاجآت. وهي مفاجآت لم يحسب لها نوري المالكي حسابا يوم سلم الموصل لداعش عام 2014. وكما يبدو فإن الوقت قد تأخر كثيرا لإستدراك ما تم ارتكابه من أخطاء. فالجزء الشيعي من العراق هو اليوم ملك إيران ولا يمكنه أن يفك ارتباطه بها إلا إذا حدث تغيير جذري في السياسة الإيرانية وهو ما لا يمكن تخيل وقوعه في دولة دينية يحكمها الحرس الثوري. لقد دفع سنة العراق ثمن داعش والآن أتى الدور لشيعته لكي يدفعوا ثمن علاقتهم غير الضرورية بإيران. فاروق يوسف
مشاركة :