الجمال هبة. حضور كريم وباذخ، افتتان، هو ما يضاهي البهجة الغامرة بوصفها لحظة سامية في الحياة. العربسعد القصاب [نُشرفي2016/10/25، العدد: 10435، ص(24)] ثمة نداء أتذكره بشكل دائم، يتعلق بالدعوة لرؤية الجمال. رسالة بعثها “زوربا” بعدما بات عامل منجم في صربيا إلى صديقه في اليونان، الذي أطلق عليه لقب “المعلم”، قال فيها “وجدت حجرا أخضر على غاية من الجمال، تعال فورا”. يذكر كازانتزاكي مؤلف رواية “زوربا اليوناني”، في مذكراته “تقرير إلى غريكو”، أن برقية الأخير قد أغضبته في البدء كثيرا. كانت ضوضاء الحرب العالمية الثانية، وقتئذ، تصل إلى الأسماع، فيما الآخر يطلب منه أن ينطلق في رحلة تتجاوز الألف ميل من أجل رؤية حجر أخضر. كان أمرا، في نظره، لا يدل على وجود قلب متعاطف مع الآخرين. لذا لم يجرؤ على القيام بالرحلة ولم ينجز ذلك العمل العفوي المجيد: مشاهدة حجر أخضر. أناصر تماما دعوة زوربا، في الذهاب لرؤية شيء جميل. الذهاب إلى الجمال، يعني أنك تأخذ بنفسك كي تكون حراً، حيث يوجد دفق الحياة الدفيء والمنعش، وحيث امتلاك الدهشة إزاء ما ترى وتلمس وتشعر وتحس. الجمال هبة. حضور كريم وباذخ، افتتان، هو ما يضاهي البهجة الغامرة بوصفها لحظة سامية في الحياة. الجمال، أيضا، بداهة، وهو من الخفة والرهافة، بحيث لا يقدر أن يحتمل، لفرط بساطته، عديد التعليلات والتفسيرات التي واظب عليها الفلاسفة في وصفه وكشف فرادته. أناصر كذلك، الرأي الذي يعتبر الجمال ملَكة وحاجة وجودية لدى الإنسان من أجل البقاء. ملكة تطورت لديه عبر تاريخ وجوده، حتى أن تعطيلها لا بد أن يؤدي إلى التشوه والتبلد والابتذال. أشعر بالغرابة لحالنا نحن العرب، تجاه هذا الإصرار على رفض الجمال في حياتنا، واستبداله بالسياسة، واختزال حياتنا بها، مرتهنون بحيزها وبسقفها الواطئ وأرضها المعفرة بالغبار والوحل. الغريب أننا نعلم تماما، أن السياسة ممارسة قائمة على الكذب والتفاهة والفساد والتواطؤ والسطحية والنفاق والخيانة والجهل. انظروا إلى سياسيي العراق، هو مثال شديد الوضوح. تناسينا الذهاب إلى معارض الفن، إلى قاعات المسارح ودور السينما، وتخلينا عن عاداتنا باقتناء الكتب، وأهملنا الشعر، كما كان يفعل ذلك الجمهور قبل عقود من زمن بتنا نسميه “الماضي الجميل”، حينما كان هذا الجمهور يستجيب بجرأة وشجاعة لنداء الجمال، وهو يمضي إليه بشكل شديد الأناقة والنبل. لم يعد الحديث عن الجمال ومشاركة دعواه من ضمن انشغالاتنا اليومية. إن جانبا من إنسانيتنا وحريتنا تم فقدانه وبشكل لا يمكن تعويضه. هكذا نحن اليوم، وحيدون، حزانى، مكلومون، وعليلو القلوب، والأكثر غرابة: يائسون. في رده على رسالة معلمه، قال زوربا: كانت أمامك فرصة العمر لكي ترى حجرا أخضر جميلا، لكنك لم تره. اقسم بالله إنني أحيانا، حين لا يكون لدي ما أفعله، أجلس وأسأل نفسي: أهناك جهنم أم لا. حين استلمت رسالتك، قلت لا بد من وجودها لاستقبال الحمقى من أمثالك. سعد القصاب :: مقالات أخرى لـ سعد القصاب دعوة إلى وليمة الجمال, 2016/10/25 الموصل: داعش يضعف وأزمة إنسانية تبدأ, 2016/10/24 سعاد العطار عراقية تنسج الحلم الأسطوري, 2016/10/22 معركة تحرير الموصل: في وداع أوباما ووداع داعش معا , 2016/10/19 لا يُصلح الشعر مدينة خربها سياسيون لصوص, 2016/10/12 أرشيف الكاتب
مشاركة :