لم يعد هناك أثر لزميل ليونيل ميسي. فقد كانت المرة الأولى التي تقابل فيها ميسي مع سيرجيو أغويرو عندما قدما معا حين كانا مراهقين إلى هولندا منذ أكثر من عشر سنوات. كان الاثنان يجلسان على طاولة واحدة بغرفة الطعام عندما نظر أغويرو إلى الصبي الجالس أمامه ولم يمكن يعرف اسمه بعد. سأله أغويرو: «ما اسمك؟»، فرد الصبي في هدوء «ليونيل»، وفيما بعد أصبح ليونيل رفيقا لاغويرو بالغرفة نفسه، ثم أصبح أقرب أصدقائه، لكنه لم يكن يعرف أن صديقه سيصبح أفضل لاعب في العالم. نشأت أيضا صداقات أخرى في المكان نفسه بين لاعبين مثل حارس مرمى مانشستر سيتي الحالي التشيلي كلاوديو برافو وحارس مرمى برشلونة الألماني مارك آندريه تير شتيغن، وجناح مانشستر سيتي الإسباني نوليتو ومدرب برشلونة الحالي لويس إنريكي، وجوسيب غوارديولا. وعندما انطلق ميسي إلى أرض ملعب كامب نو ببرشلونة في المواجهة أمام مانشستر سيتي في دوري أبطال أوروبا، لم ير ميسي سوى لاعب واحد من رفاقه بالفريق الأرجنتيني تحت 20 سنة، وهو بابلو زاباليتا، ولم يشارك أغويرو في المواجهة إلا في الدقائق الأخيرة. أظهر غيابه المسار الذي ستكون عليه المباراة، وكذلك حسم وجود ميسي هذا المسار. فمن الناحية الفنية، كان رائعا أن ترى فلسفات متنوعة، لكن المواهب سمت فوق الجميع، حتى فوق الأخطاء والكروت الحمراء. وبعد تلك الهزيمة بنتيجة 4 – صفر، بات متوقعا أن تناقش جميع قرارات غوارديولا بكل قسوة. ففي المرة الأولى التي عاد فيها إلى بلاده مع بايرن ميونيخ، سجل ميسي هدفين، وهذه المرة سجل ثلاثة، سجلها جميعا حتى قبل ظهور أغويرو قبل نهاية اللقاء بأحد عشر دقيقة بعد أن كانت المواجهة قد حسمت بالفعل. وبعد ذلك بقليل، أثمرت انطلاقة بالكرة عن ضربة جزاء سددها نيمار في يد الحارس ويلي كاباليرو، وبعد ذلك بدقائق صحح نيمار خطأه بهدف متقن، وجلس غوارديولا يراقب المباراة وفي ذهنه الكثير ليفكر فيه. تسربت الأخبار قبل ساعة تقريبا من بداية المباراة، ولم يكن أغويرو ضمن التشكيل، وكان السؤال لماذا، هل كان مصابا؟ كان للكتالونيين وجهة نظر مختلفة، فمثل هذا القرار لا يقدم عليه سوى جوسيب غوارديولا، فهو قبل أي شيء، المدرب الذي قال إنه يحلم بأن يكون لديه فريق يستحوذ على الكرة بنسبة مائة في المائة، فريق جميع أعضائه من لاعبي خط الوسط؛ فالمباراة المثالية فنيا بالنسبة له كانت نهائي كأس العالم للأندية عام 2011 التي اكتسح فيها برشلونة نادي سانتوس بنتيجة 4 – صفر بطريقة لعب 4 - 6 - 0، لم يكن الهجوم هو الهدف، بل الاستحواذ على الكرة. حدث أن قال ذات مرة: «لاعبو الوسط أذكياء، فهم من يتحتم عليهم التفكير في الفريق ككل، والأنانية ليست من سماتهم، ويفهمون المباراة أكثر من غيرهم»، وهو ما تأكد صحته فيما بعد. وفي حديثه للتلفزيون قبل بداية المباراة، اعترف بأن القرار كان فنيا بالدرجة الأولى، فقد أراد أكثر عدد ممكن من اللاعبين في خط الوسط من أجل دفع الفريق للأمام لخنق منافسيهم. ويعني هذا خط هجوم من ثلاثة لاعبين، نوتليو ورحيم ستيرلينغ في الأجناب، وكيفن دي بروين في المنتصف. لم تكن المشكلة في وجود المهاجم أو ندرته، فعندما تكون الكرة مع فريق سيتي، وهو ما كان يحدث في الغالب، كان زاباليتا ينتقل إلى وسط الملعب أيضا، ولا يتقدم للأمام، كما يفعل الظهيران عادة، لكنه ينضم للمنتصف ليضع نفسه إلى جوار فرناندينهو ليبدو كأن الفريق يلعب بطريقة 3 - 2 - 3 - 2 أو حتى 4 - 3 - 3. ومارس فريق سيتي ضغطا قويا، ربما ما شجعهم على ذلك كانت الطريقة التي سمح بها حارس برشلونة تير شتيغن لسيلتا فيغو بتسجيل هدفين بسهولة مؤخرا. ومن ضمن الأشياء التي تشترك فيها الأندية هي الجدال حول خروج الحارس بالكرة من منطقته، وهناك تصميم على السماح للحارس بتكرار ذلك، ويبدو أن هذا الجدال لن يهدأ. ففي فريق مانشستر، وبعد طرد برافو كانت هناك رسالة في هتافات الجمهور بملعب كامب الذي تغني باسم الحارس معبرين عن امتنانهم، ومتناسين الخطأ، كذلك كوفئ فريق برشلونة لما مارسه من ضغط. تضمنت خطة فريق سيتي الضغط أيضا على فريق برشلونة للعب من العمق. الضغط، التشجيع؟ ربما. هنا يكمن الخطر في اللعب أمام برشلونة؛ الهياج الفني الذي يرى البعض أنه يجعل فريقهم أفضل من ذي قبل. فالمدرب لويس إنريكي يمنحهم قدرا من التنوع لم يعطه غوارديولا لفريقه، مما جعله يفوز بثلاثة ألقاب في أول موسم له، وبلقبين في الموسم التالي. ففريقه مدرب على ركوب أول موجة ضغط، وعلى لعب كرات قصيرة من خلالها، أو طويلة خلفها، وبات يغتنم الهجمات المرتدة أفضل من ذي قبل. ويساعدهم وجود نيمار ولويس سواريز في تنفيذ ذلك وبدرجة فعالية كبيرة، وحتى ميسي بات يمرر الكرة للأمام مبكرا وبسلاسة أكثر. والأهم بالطبع، هو أنه سجل أهدافه الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر أمام الأندية الإنجليزية، وسجل الأهداف الثلاثة جميعها على نحو يخلو من الأخطاء. فبحسب مدرب برشلونة، يشترك لويس إنريكي وغوارديولا في كثير من السمات، أهمها الفكر المتقارب. «لا أستطيع أن أتخيل شيئا أفضل من هذا، فالاقتراح كان أن يلعبوا بعدة أساليب، لكنهم لم يفعلوا ذلك بالدقة المطلوبة. كان الشك يكمن في أن غوارديولا متمسك بما يراه، في حين أن لويس إنريكي يصر على أن الاستحواذ على الكرة مهم، لكن في حال تراجع نسبة الاستحواذ نسبيا، فقد تكون هناك بعض الخسائر. كان لفريق سيتي نصيبه من الاستحواذ، وسنح له كثير من الفرص أيضا، وكان عدد تسديداتهم أكثر من الفريق صاحب الملعب حتى قبل نهاية المباراة، وتمكن ترستغن من إنقاذ مرماه من عدة تسديدات قوية، لكن لم نر أغويرو يسدد بالشكل نفسه».. «الفارق بين برشلونة ومانشستر سيتي اسم أول ولقب، وهو ليو ميسي»، وهو ما حذر منه المدافع السابق لفريق البارسا رونالد كويمان. فعند سؤاله عن الخطة التي سيوقف بها ميسي، رد ضاحكا «لا أعرف». دافع غوارديولا عن خططه وعن كلاوديو برافو حارس مرمى فريقه بعد الهزيمة المذلة 4 - صفر أمام برشلونة في عودة كارثية إلى ملعب كامب نو في دوري أبطال أوروبا. ومنح ميسي التقدم لبرشلونة مبكرا، لكن سيتي كان لا يزال يمكنه الصمود والعودة، إلى أن طرد برافو في بداية الشوط الثاني بعد أن فقد الكرة لتصل إلى لويس سواريز الذي حاول لعبها من فوقه، لكن الحارس القادم من تشيلي لمس الكرة بيده خارج منطقة الجزاء. وبعد الخطأ الكبير الذي اعتذر عنه الحارس في غرفة الملابس بعد المباراة، سيطر برشلونة على اللعب، وأكمل ميسي ثلاثيته، وأضاف نيمار الهدف الرابع بعد أن أهدر ركلة جزاء. وقال غوارديولا بعد المباراة: «كانت أمامنا طريقتان للعب في هذه المباراة. كان يمكننا اللجوء للدفاع، وكنا نستطيع الفوز أو الهزيمة ونحن نقوم بذلك، لكني لا أستطيع اللعب بهذه الطريقة ولا أريد اللعب بهذه الطريقة». وأضاف: «كلما حصل لاعبو برشلونة على الكرة، كان بإمكانهم إلحاق الضرر بنا. من الصعب اللعب أمام برشلونة بتشكيلة مكتملة، فكيف يكون اللعب بعشرة لاعبين. حسم الأمر بالفعل». وأشار غوارديولا إلى أنه ترك أغويرو هداف الفريق على مقاعد البدلاء لأسباب فنية. وتحسر على الأخطاء التي ارتكبها فريقه هذا الموسم إلى جانب أخطائه أمام برشلونة. وقال المدرب الإسباني: «صنعنا فرصا كافية، ووصلنا إلى مرمى المنافس مرات كثيرة، لكن مهاجمي المنافس عندما يصلون إلى مرماك يعاقبونك». ودعم غوارديولا الحارس برافو الذي تعرض لانتقادات بعد أداء مهتز عدة مرات في الدوري الإنجليزي منذ انتقاله للفريق قادما من برشلونة مقابل 18 مليون يورو (19.75 مليون دولار) في الصيف. وقال: «بالطبع هو يعلم ما فعله. هو لديه خبرة كبيرة، وهو أحد أفضل حراس المرمى في العالم في آخر عشر سنوات، لكنه كان أول من اعتذر في غرفة الملابس». وحصد غوارديولا 14 لقبا مع برشلونة في أربع سنوات، قبل أن يفوز بثلاثة ألقاب متتالية للدوري مع بايرن ميونيخ، لكنه لم يحقق الفوز مع سيتي في آخر خمس مباريات بعد أن انتصر في أول عشر مباريات. ورغم أنها الهزيمة الكبرى له مع سيتي حتى الآن، فإن غوارديولا حاول أن يبقى إيجابيا. وأضاف: «أشعر أننا لم نكن بهذا السوء كما تشير النتيجة. تعرفت على اللاعبين منذ فترة قصيرة، وأعتقد أننا لعبنا بشجاعة الليلة».
مشاركة :