«جيران».. عودة التواصل الإنساني إلى أرض الواقع

  • 12/9/2016
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

تحقيق: هند مكاوي حان الوقت ليغادر التواصل الإنساني والعلاقات الاجتماعية شاشات الأجهزة الذكية والفضاءات الافتراضية، للعودة مرة أخرى إلى أرض الواقع. في زمن قلّ فيه التواصل وأصبح إلكترونياً، الجميع يتحدثون ويتفاعلون بل يتزاورون، عبر وسائل التواصل الاجتماعي في أجواء تفتقد حرارة المشاعر الإنسانية الفطرية، القائمة على اللقاء بين الطرفين بشكل مباشر، حتى كاد الناس ينسون أشكال أقاربهم وأصدقائهم، بعد أن أغلقت أبواب المنازل على أصحابها، بل صار كل فرد داخل المنزل يعيش وحده عالمه الخاص على جزيرته الخاصة، رفيقه الدائم وأحياناً الوحيد شاشة هاتف أو جهاز لوحي. هنا تأتي مبادرة جيران في وقتها تماماً، وهي بتوجيهات من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة وقرينته سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، رئيسة المجلس الأعلى لشؤون الأسرة. المبادرة إنسانية اجتماعية، تحرص بالدرجة الأولى على تلاقي وترابط الأسر في الفريج الواحد، احتضنت مراكز التنمية الأسرية هذا المشروع لتنفيذه في إمارة الشارقة، لما يحمله مضمونه من المعاني الإنسانية، فضلاً عن أن الهدف الأساسي من المبادرة هو إحياء هذا الموروث الإسلامي، المتمثل في الوصية المتكررة بالإحسان إلى الجار وتعزيز العلاقات معه. وفق هدى بوكفيل، مدير إدارة برامج الأسرة في مراكز التنمية الأسرية بالشارقة، فإن مبادرة جيران هي عبارة عن لقاءات ودية ثقافية اجتماعية وترفيهية، لمناقشة الموضوعات المطروحة، وتعرف الجيران على بعضهم البعض، وتوثيق العلاقات في زمن انشغل الناس بأمورهم الخاصة. تقول: ما عاد الكثيرون يعطون جيرانهم اهتماماً، أو حتى يتواصلون معهم، ومن هذا المنطلق كانت المبادرة. تضيف: تضمنت المبادرة الكثير من الفعاليات والحملات التطوعية والرحلات والبرامج، ومن بين البرامج التي تضمنتها على مدار هذا العام، برنامج تواليف، ويهدف إلى الترابط بين أسر الحي الواحد، وذلك عن طريق جلسة تعارفية تضم نساء الحي في جوٍّ حميمّي تسود فيه روح الجيرة وقيمتها من الناحية الدينية، وإحياء سنة عربية، وإرث إسلامي، هو التواصل مع الجار وإكرامه. تتابع: من البرامج الأخرى هذي بلادي، وهي خدمة إنسانية وطنية تطوعية، تهدف إلى تحقيق التكافل والتعاون بين أفراد المجتمع، انطلاقاً من كون العمل التطوّعي من أهم وسائل النهوض بالمجتمع. كما تهدف هذه الخدمة إلى تعميق معاني الانتماء والوطنية في المجتمع، واستثمار القدرات الفردية للمتطوعين ورفع مستوى الخدمات الاجتماعية المقدمة، إضافة إلى شغل أوقات الفراغ بما يعود بالنفع على الآخرين. وهناك برنامج آفاق ندية، ومن خلاله تنفذ مجموعة من الرحلات التثقيفية والاجتماعية والإنسانية لنساء جيران، بهدف نشر قيم التعاون والتكامل بما يحقق تماسك المجتمع. وغيرها الكثير من البرامج والجلسات والحملات التي تهدف إلى ترابط وتماسك المجتمع. لذة العطاء وتعليقاً على هذه المبادرة وأهميتها، وما ينتظر أن تحققه على صعيد عودة العلاقات الإنسانية إلى قوتها السابقة على انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، التقينا عدداً من المشاركات والمتطوعات في هذه المبادرة، وكذلك من غيرهنّ لنتعرف على آرائهن.. صفية الملّا شاركت في حملة بركتنا، التي نظمتها مبادرة جيران، توضح: أحب الأعمال التطوعية، وشاركت في أكثر من مبادرة وبرنامج خاص بذلك، لما لهذه الأعمال من أجر عظيم، ولكونها خدمة إنسانية تعمل على تماسك المجتمع، وتعزيز أواصر المحبة بين أفراده، ولأنّ العمل التطوعي من أهم عوامل النهوض بالمجتمع، ويعود بالمنفعة على صاحبه وعلى المحيط الذي يعيش فيه، وخصوصاً عندما يكون العمل التطوعي مع كبار السن، يشعر بلذة العطاء، وأنه جميل سوف يرد للإنسان عندما يكبر ويكون في نفس الموقف، فيجد من يمد له يد العون ويرحم ضعفه وكبره. تضيف: من خلال حملة بركتنا تعرفنا على كيفية التعامل مع كبار السن والعناية بهم، عبر مجموعة من المحاضرات شملت الصحة النفسية والتغذية والعلاج الطبيعي والأمراض المصاحبة لتقدم السن. كما أعددنا صناديق من الهدايا، لتوزيعها على كبار السن أثناء زيارتهم، وكم كانت فرحتنا عندما رسمنا البسمة على وجوههم، وجعلناهم يشعرون بالسعادة. تبادل الخبرات تفاعلت ناصرة الرئيسي، متطوعة، بشكل كبير مع المبادرة، وعن ذلك تقول: أنا بطبعي اجتماعية، أحب التعارف والاندماج مع الناس، وتبادل الخبرات في المجالات المختلفة، وعن طريق اللقاءات التي نظمتها المبادرة، تعرّفت على الكثير من الجيران وتفاعلت معهم، وأخبرتهم أنّني مستعدة للمساعدة في أي وقت وتقديم يد العون عند الحاجة، وبالفعل قمت بأعمال إيجابية منذ انضمامي إلى المبادرة، منها الإصلاح بين أسر متخاصمة، وبحكم خبرتي في الحياة قدّمت لهم النصيحة وساهمت في لمّ الشمل. أما تعليقاً على أهمية هذه المبادرة، فتقول بدرية أحمد، موظفة في بلدية الشارقة: اخترقت وسائل التواصل الاجتماعي حياتنا بشكل كبير، حتى تغيّر المجتمع وتغيرت خصائصه التي اعتدناها، زادت مساحات المنازل وجهزت بأحدث التجهيزات، ولكنها اقتصرت على ساكنيها، أبوابها مغلقة على أصحابها، بل يعيش كل منهم وحده في جزيرة منعزلة عن الآخرين. تضيف: تبدلت الأحوال كثيراً، فصار لابد من الاستئذان وتحديد موعد قبل الزيارة، بعد أن كانت أبواب المنازل مفتوحة للأقارب والجيران والأصحاب، وتبادل الزيارات مستمر دون استئذان أو موعد، يجتمع أبناء الفريج دائماً مع بعضهم البعض، والحياة بسيطة وسهلة. لكن مع التعقيدات والحواجز التي فرضها علينا التطور والتكنولوجيا، أصبحنا غرباء، نعيش في عالم افتراضي مملوء بالشائعات والأكاذيب والذي يضر ولا ينفع، نطمئن على أخبار أصدقائنا وأقاربنا، ونهنئ بعضنا بعضاً، بمجرد كلمات خالية من المشاعر نعتقد أنها أوفت بالغرض. وهنا جاءت أهمية مبادرة جيران لتعيد من جديد أواصر الحب والمودة بين الأسر والأهل والجيران، وتطارد شبح التكنولوجيا التي سيطرت على حياتنا بشكل شبه كامل. ترى سميرة شريف، ربة بيت، هذه المبادرة من أهم المبادرات في وقتنا الحالي، تستطرد: علمت بمبادرة جيران عن طريق مشرفة الحديقة التي أجتمع فيها مع صديقاتي، وأعجبتني الفكرة كثيراً، وانضممت إلى المبادرة وقمت بتوزيع الأوراق التعريفية بها على معارفي لكي يستفيدوا منها. وبواسطة هذه المبادرة استطعت التعرف على جيراني، والتفاعل معهم ومشاركتهم أحزانهم وأفراحهم؛ لأن الجار أقرب ما يكون إلى جاره، حتى إنه قد يكون أقرب إليه، يستعين به في الطوارئ والملمات، ومن هنا كانت الوصية الإسلامية به. بينما تشير نسرين النعمان، موظفة، إلى أن المبادرة كان لها الأثر الإيجابي الكبير في إعادة العلاقات بين الجيران وأبناء الحي الواحد، بعد انقطاعها بسبب مشاغل الحياة. تضيف: انتقلت إحدى جاراتي إلى حي آخر، وبعدها انقطع الاتصال بيننا لفترة طويلة ولم أعد أعرف أخبارها، وأثناء الفعاليات والتجمعات التي أقامها المشرفون على المبادرة تقابلت معها بالصدفة، وكنت سعيدة جداً بلقائها وعادت العلاقات بيننا من جديد وتبادلنا الزيارات. إضافة إلى معرفتي بجيران جدد، حيث تبادلنا أرقام الهواتف وأنشأنا مجموعة على واتس أب، نطرح فيها الموضوعات المختلفة ونستفيد من خبرات وتجارب بعضنا البعض، كما نتشارك المشاعر الطيبة في المناسبات الحزينة والسعيدة، وهذه المشاركة من شأنها أن تخفّف من آلام المناسبات الحزينة، وتزيد من فرحة المناسبات السعيدة مثل الأعياد والأعراس.

مشاركة :