عبدالله الهدية الشحي قال الله تعالى في وصف خاتم الأنبياء والمرسلين، محمد عليه أفضل الصلاة والسلام: (وإنك لعلى خلق عظيم )، وقال رسولنا الكريم عن رسالته العالمية: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، وقال أيضاً في سياق أهمية الأخلاق في الحديث الحسن الذي رواه الترمذي: ( إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا ، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ ، وَالْمُتَشَدِّقُونَ ، وَالْمُتَفَيْهِقُونَ ) . وفي ديننا القويم الكثير من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة والسير الحميدة، التي تدل على أهمية التحلي بالأخلاق. وفي تاريخ العرب قديمه وحديثه من الأخلاق والصفات التي سحرت العالمين، ولا تزال تذهلهم؛ فقد جبل العرب منذ الأزل على مكارم الأخلاق، ولنا في أعوامهم وأيامهم وأخبارهم ووقائعهم ومواقفهم وأحداثهم وقصصهم، الدلائل والبراهين التي تؤكد وجودها وإتمامها برسالة الإسلام. فها هو موقف أبي جهل، عمرو بن هشام بن المغيرة، ولست هنا في محل ذكر عقيدته الدينية، إنما أعرض الجزء النبيل من أخلاقه عبر هذا الموقف، حين كان يحاصر بيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال له أحد المشركين: ندخل عليه بيته ونقتله وهو نائم في فراشه، فقال أبو جهل وقد هاله الرأي: ثكلتك أمك هل تريد أن يتحدث العرب ويقولون إن أبا الحكم يروع بنات محمد؟ فقد منعته أخلاقه التي استمدها من قومه العرب أن يقتحم البيت، وهي ذات الأخلاق التي منعته مع عصبته الباغية عن قتل الفتى علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، في ذلك الموقف الأليم بالنسبة لهم حين رأوه نائماً في فراش رسولنا الكريم. وها هو موقف أبي سفيان، رضي الله عنه، قبل إسلامه، عندما قابل قيصر الروم وسأله عن محمد (صلى الله عليه وسلم) وصفاته ونسبه فيهم، وعن عدد أتباعه وهل يزيدون أو ينقصون، فكانت إجاباته كلها صادقة منصفة، لا تحيد عن الحق وتحترم الغائب، على الرغم من كونه عدواً له ولأتباعه، ليس هذا فقط بل إنه وقف وقفة الصادق مع ذاته نادماً ومحاسباً نفسه ومعاتبها، في إجابة ظن أنه تجاوز فيها الأخلاق والقيم، وذلك حين سأله هرقل عن آخر ما بين محمد وقريش، فقال أبو سفيان مجيباً: بيننا وبينه معاهدة، يعني صلح الحديبية، وما ندري ما هو فاعل فيها. هذه هي العبارة التي عاتب أبو سفيان نفسه عليها، ورأى أنه كان من الأولى به ألا يقولها، حتى لا تؤثر في تكوين رأي هرقل عن محمد ودعوته. فلله در هذه الأخلاق النبيلة التي تقر بالحق ولا تبخس حقوق الناس، حتى وإن كانوا من الخصوم، فأين هي الآن ومثلها من القيم عن المذاهب الحاقدة والجماعات الضالة والزمر الهمجية والفرق التكفيرية، التي تتسمى باسم الإسلام ولا تراعي في سلوكياتها وأقوالها شرعه ومنهجه ومبادئه وتعليماته السامية، فتقولب الأحداث حسبما تشتهي عبر قنواتها الفضائية، وتزيف الحقائق مثلما تريد عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتقلب الأمور رأساً على عقب من أجل مصالحها في بياناتها، وتنشر الزور والبهتان والإفك في شائعاتها المغرضة، وتشوه الدين الحنيف بفكرها، وتدعي مع كل هذا أنها تحسن صنعاً، وهي تدرك في عمق ذاتها أنها بلا أخلاق، وأنها تكذب على الله ورسوله والمسلمين والعالمين؟ فلا هي بأخلاقها السيئة الضالة والمضلة من الإسلام في شيء، وليس لها من أخلاق العرب النبيلة عبر العصور نصيب. aaa_alhadiya@hotmail.com
مشاركة :