منفى مالك حدّاد

  • 10/27/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يوسف أبو لوز هل العيش في الجزائر مدة سنة واحدة وأنت في أوّل العشرين من عمرك تكفي لأن لا يغادر ذاكرتك اسم مالك حداد؟ والآن، وبعد أكثر من ثلاثين عاماً أمامك عبير هذا الرجل الذي كان يكتب بالفرنسية لا لأنه شغوف بهذه اللغة، بل لأنه كان لا يعرف العربية، ومع ذلك اعتبر لغة البلاد التي استعمرت وطنه منفى، واللغة تكون منفى عندما تكون لغة مستعمر أو محتل. أقصد بعبير مالك حدّاد كتابه الذي عثر عليه ذلك الشاب العشريني قبل أن يعرف ما هو المنفى. إنه روايته الأخّاذة ليس في رصيف الأزهار من يجيب. وتأمل قليلاً في شعرية هذا العنوان والفيض الحزين الذي يرشح من الكلمات. على أي حال هنا شيء من المنفى. منفى مالك حدّاد.. يقول في رصيف الأزهار: المنفى، إنه عادة سيئة يجب أن نعتادها، والمنفى، مثلاً، هو شارع مدام، والنور الذي ينطفئ، والليل الطويل، وكآبة الفنادق الشاحبة. والمنفى، هو الحرب، حيث تسأم باريس هذا الفالس البنفسجي الزاهي، ورحى الحرب تدور ليلاً. والليل هو الذي يسوي جميع الأمور. وفي مكان آخر يقول ..وباريس، هي عادة سيئة يجب على المرء أن يعتادها. تقرأ، إذاً، كتاباً رأى النور في عام 1961 بترجمة عربية من ذوقان قرقوط.. كانت المنافي أيّامها قليلة إلّا منافي الشعراء وطني المنفى.. منفاي الكلمات يقول عبد الوهاب البياتي، أما منفى علي فودة الذي قتلته قذيفة إسرائيلية في اجتياح 1982 فكان الرصيف، وكيف يكون الرصيف منفى؟ ذلك لا يحدث إلا عند الشعراء. ولكن، حقاً، ما هو المنفى؟ كم من منفيّ أو ممتلئ بالنفي حتى وهو في بلاده. وكم من منفيّ حتى وهو في عائلته، وكم من منفى يحمله الإنسان ويتنقل به كما يحمل حقيبة.لم يُجبر عزرا باوند على الخروج من أمريكا، لكنها كانت منفاه على نحو ما وهي بلاده. وعاش البرتغالي فرناندو بيسوا منفياً في اللاطمأنينة ولكي يحمي نفسه من الانهيار والجنون كتب تحت أربعة أسماء. وعرف محمد الماغوط الجوع والبرد في دمشق ولكي يظل يكتب شعراً له رائحة الكبريت أو لكي يبقى على قيد الحياة بالقرب من بردى راح يجلس في ليالي الشتاء الباردة بالقرب من مدفئة الحزب،لا حبّاً في الحزب، ولكن لأنه بحاجة إلى التدفئة ووجبة عشاء ولو على رغيف خبز وقطعة جبن في بلد بكتب اسمك يا بلادي عَ الشمس المابتغيب. على نحو ما عاش عبدالله البردوني منفياً أو غريباً في اليمن، وعاش الجواهري منفياً في العراق، وكسر البرد عظام صلاح جاهين في القاهرة. المنفى عادة سيئة، ولكن يمكن التخلّص من هذا السوء بالكتابة.. الكتابة، وحدها، عادة سيئة ولكن عندما تكون منفى. y.abulouz@gmail.com

مشاركة :