دخل البطل، فجثت على ركبتيها، وأذرفت دمعتين، ونهنهت نهنهتين، ثم أخذت كفه بين كفيها، وقبلته، فصفح عنها. وفي مشهد ثانٍ أكثر حداثة ومعاصرة، يفقد هو كل ثروته في البورصة. تدخل هي مطالبة إياه بأن يرتدي ملابسه ليتوجها إلى حفلة «ناني هانم»، وحين يعتذر تتهمه بإهمالها، وتعيد وتزيد، فيصفعها صفعتين قويتين تترك على إثرهما بيت الزوجية. محاولات المصالحة بين الزوجين تدور كلها في فلكين لا ثالث لهما «لا تحاسبيه على لحظة غضب» و «لا كرامة بين الرجل وزوجته». المشهد الثالث لفتاة محجّبة في باص مزدحم. يتناوب على لمس جسدها الطالع والنازل. كظمت غيظها وجمحت غضبها لأن «البنت المحترمة لا تجاهر بمثل هذه الفضائح». وحين فاض بها الكيل وطلبت من المتناوب الأحدث الكف عما يفعله، اتهمها بالفجور، وتدخّل الركاب لوأد الفضيحة ودفن المهزلة مطالبين إياها بالترجّل من الباص. أربعة مشاهد في أربعة أعمال درامية عرضتها ضمن مئات غيرها الشاشات المصرية في آذار (مارس) الجاري الملقّب بـ «شهر المرأة»، حيث عيدها العالمي يوم 8 منه والمصري في 16 منه. شاهدها كثيرون لكنها لم تستوقف إلا قلة قليلة. فالمرأة المصرية لا تزال تدور في دوائر نضال من أجل الكرامة لا ينتهي، وصراع من أجل الحقوق ما يلبث أن يتحسّن حتى يعاود الانتكاس، تارة باسم الدين، وتارة تحت وطأة رياح ثورية. ثورتان في ثلاثة أعوام، واستحقاقات انتخابية، ونضالات يومية خاضتها نساء مصر الحائرات بين كونهن قوة ضاربة في الاقتصاد والسياسة والمجتمع وبين تصنيفهن كـ «حرام»، والمشتتات بين مطالبات موسمية لهن بالنزول إلى الشارع لتغيير الأنظمة واستعادة الحقوق وترسيخ الدعائم، وبين الانقشاع عن المجال العام المخصص للرجل ولا مكان فيه للمرأة. ويحل يوم المرأة المصرية يوم الأحد المقبل والمسكينة لا تزال تدور في دوائر الحيرة المغلقة. جمعيات حقوقية ومنظمات أهلية ومجالس قومية أدركت هذا العام توثيقاً وكتابة وقولاً إنه منذ ثورة يناير 2011 والمرأة المصرية هي الأكثر عرضة للانتهاكات والاضطهاد والتهميش والإقصاء، على رغم أنها الأعلى مشاركة والأكثر مثابرة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً. وفي عيدها، يرى عدد من المنظمات المصرية العاملة في مجال حقوق المرأة - أبرزها «برلمان النساء» و «مركز وسائل الاتصال الملائمة من أجل التنمية» ومبادرتا «فؤادة ووتش» و «شفت تحرّش»- أن المرأة المصرية مستهدفة في مشاهد ثورية عدة، وفي تظاهرات مختلفة بغية إرهابها وإجبارها على عدم المشاركة في الحراك الثوري، مرة بالقول بإن ليس لديها الحق إلا في القيام بما تيسّر من أعمال البيت، ومرة بالتأكيد على أنها كائن رقيق لا يقوى على فعاليات الثورة وأعمال التغيير، وذلك من بابي «الحرام» أو «الرفق». وعلى رغم أن الجميع تخلّى عن هذين البابين لدواعي الضرورة، حيث تمّ حشد المرأة هنا للجهاد في سبيل الله وهناك لإنقاذ الوطن من براثن الإخوان، وعلى رغم اعتراف الكل بأنها صاحبة التأثير الأقوى والأوضح، إلا أن هذا الاعتراف تعثّر على أبواب التفعيل والترجمة على أرض الواقع. فلا قرارات صدرت ولا تدابير اتخذت. مركز القاهرة للتنمية وحقوق الإنسان يشير إلى أنه تم إغفال حق المرأة بدءاً من الصعيد السياسي وتجاهلها في البرلمان بعد إلغاء «الكوتة» في التعديلات الدستورية، ومروراً برفض تعيين القاضيات في مجلس الدولة وإغفالها في المناصب القيادية وانتهاء بتمادي السكوت على التحرّش والمهانة والجهالة. ولأن مصر على مفترق طرق، وعلى أعتاب المحطة الثانية من خريطة الطريق، وفي قلب مرحلة انتقالية تتجاذبها أطراف عدة، تبقى مطالبات حقوق المرأة ومناشدات احترامها وأنسنتها بديلاً عن تشييئها حبيسة البيانات ومقتصرة على الأمنيات، مع استثناء ما تمكّنت المرأة من انتزاعه بجهادها ونضالها منذ نزلت إلى الميادين في كانون الثاني (يناير) 2011. مناشدات المراكز الحقوقية للدولة تطال بسرعة إدماج معايير المساواة بين الجنسين في مراكز اتخاذ القرار والمناصب العليا، أعمالاً لمجمل الحقوق الواردة في دستور 2013، والساري العمل به منذ كانون الثاني الماضي. لكن الدولة ليست وحدها المسؤولة عن تحقيق المساواة في الحقوق والواجبات، فالأحزاب السياسية، والقوى الديموقراطية مطالبة بالعمل كذلك من أجل ضمان تمثل عادل للمرأة داخل كياناتها، وكذلك دعمها لخوض الانتخابات التشريعية والنقابية. أما الإعلام فمطالب بتبنّي رؤية إعلامية واضحة خاصة بالمساواة بين الجنسين تكون قادرة على إحداث التغيير الجذري المطلوب في الصورة والمضامين والرسائل التي تتناول المرأة. وبعد عقود من التلاعب بالدين لأهداف سياسية، وذلك استغلالاً لغيبوبة المؤسسات الدينية الرسمية جاء دورها في إعادة طرح مكانة المرأة وأدوارها المختلفة وليس فقط دورها في الأسرة، مع إبراز دورها كمشاركة في الحكم والحرب وشتى مناحي الحياة. «قوة ضاربة» مُعطلة وتلقي خريطة الطريق المصرية بمحطاتها وظلالها على المرأة، إذ تطالب الجمعيات من يرغب في الترشّح للرئاسة أن يشتمل برنامجه الانتخابي على آليات وتدابير واضحة مزودة بتوقيتات زمنية من أجل العمل على تعزيز المساواة في الحقوق، وضمان تمتّع النساء والفتيات بالأمن والسلم في المجتمع، مع ضرورة قيام المجلس التشريعي المقبل بسرعة البتّ في إصدار قانون يجرّم العنف ضد النساء والفتيات بمختلف أشكاله. أيجب على رئاسة الجمهورية، ومجلس رئاسة الوزراء إعادة النظر في موقف «الدولة المصرية» في شأن التحفظات الواردة على توقيعها على الاتفاقات والمعاهدات الدولية المتعلّقة بحقوق المرأة خصوصاً وحقوق الإنسان عموماً. الطريف هو إن احتفال المرأة المصرية بعيدها هذا العام يعكس قدراً لا سابق له من المكاشفة والمصارحة، فقد حذّر «مركز القاهرة للتنمية وحقوق الإنسان» من استمرار التجاهل المتعمد لدور المرأة المصرية التي رفعت رايات الثورة على عاتقها وشاركت في المدّ الثوري والحراك السياسي والمراحل الانتقالية، لافتاً إلى أن ما يجري حالياً هو استخدام المرأة كوسيلة يصل بها الرجال إلى المناصب العليا أو البرلمان أو من أجل حصولهم على حقوقهم السياسية، فإن تحققت يعاود الرجال مطالبتهم للمرأة بالعودة إلى جحورها ومخابئها، وذلك لحين حدوث كارثة أو وقوع مصيبة تستدعي القوة الضاربة، قوة النساء والفتيات ليعاودن الكرّة. يتمنى كثر ألا يكون احتفال هذا العام، شأنه شأن الأعوام السابقة، احتفالاً صورياً تعقد فيه المؤتمرات وتصدر البيانات وتقام الحفلات، ليعود بعدها كل إلى مكانه، الرجال إلى مناصبهم القيادية ومكتسباتها والنساء إلى مخابئهن القتالية وانتكاساتها. ويعود البطل إلى سطوته وجاهه، وتعود هي إلى الركوع والاستجداء وقبول الصفعة بصدر رحب، لأنها ملكة متوّجة مع وقف التنفيذ. محلق مجتمع
مشاركة :