في مثل هذه الأيام من كل عام، تجد المرأة المصرية نفسها في مواجهة مع جردة سنوية لعام مضى من الإنجازات، وربما الإخفاقات وانطلاقة دورية لعام مقبل من الطموحات وربما الإحباطات. يوم المرأة المصرية الموافق في 16 الجاري، لم يعد يوماً للاحتفال بإنجازات السيدة سوزان مبارك قرينة الرئيس المصري السابق حسني مبارك، أو مناسبة احتفالية تنظّم فيها المهرجانات الراقصة والحفلات الغنائية. لكنه يتأرجح بين وقفات حسابية وأخرى توعوية وتعليمية، وثالثة منشغلة بحياتها اليومية، فلا هي تملك من رفاهية الوقت ما يسمح لها بالوقفات، ولا هي على قناعة بأن التوعية والتعليم سيقدمان لها جديداً أو حتى قديماً. وقديماً قالوا أن «الســـــت المصرية بمئة رجل»، وهي المقولة التــي لا تزال ساريــــة المفعـــــول فعلياً مع وقف التنفيذ نظرياً وثقافياً ومجتمعياً. فما زالت المرأة المعيلة متحملة عبء بيتها وأسرتها الصغــــيرة أو الممتـــدة، هي سيدة الموقف. نسبة تتراوح بين 33 و35 في المـــئة من الأسر المصرية تعيلها نساء، وذلك وفق الجهاز المـــركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ما يعني أن حاضر أكثر من ثلث الأســـر المصرية ومستقبلــــها يعتـــمدان على النساء ويرتبط بهن. وعلى رغم ذلك، فالمرأة تعاني الأمرَين ثقافياً ومجتمعياً. «المجتمع الذي يعتبر عملي من أجل الإنفاق على أبنائي وأمي وزوجي الذي لا يعمل أمراً مسلّماً به وتصرّفاً عادياً لا يستحق الإشارة أو الإشادة، هو نفسه الذي يلومني لو تعرّضت للتحرش أو أصابني مكروه جراء العمل». أم مؤمن، عاملة نظافة في البيوت بنظام اليومية، تنفق على ولديها وزوجها العاطل من العمل ووالدتها المسنة. وعلى رغم قيامها بالمهمة على أكمل وجه، إلا أنها تشعر بأن المجتمع يتعامل معها من منطلق وضعها تحت الضوء بحثاً عن خطأ هنا أو سقطة هناك، حتى يحاسبها على تجرّؤها وخروجها من بيتها، لأن المرأة مكانها البيت. فإن تعرّضت لتحرّش في الشارع أو في بيئة عملها، يُلقى اللوم عليها، ولو بالنظرات، لأن المرأة في عام 2016 بات موطنها الأصلي البيت. وعلى رغم أنها ترتدي خماراً طويلاً لا يظهر منها سوى وجهها، ما يعطيها صك السمعة الطيبة وختم السيرة المحترمة. احترام المرأة في الشارع المصري صار تاريخاً ضارباً في القدم وثقافة طواها الزمان. وهو أضحى مرتبطاً بتفسيرات دينية بعينها، إن لم تتطابق معها، صارت غير أهل للاحترام، وذلك بين فئة كبيرة من المصريين الذين اعتنقوا مبدأ التديّن الشكلي، الذي جاء معه التحرّش اللفظي والجسدي. لذا، لم يكن غريباً أن يقع اختيار جامعة القاهرة على قضية التحرّش بالإناث موضوعاً مهماً لـا»الاحتفاء» بالمرأة المصرية في عيدها. ومن حرم الجامعة إلى حرم البرلمان، وهو الحرم الذي يحق له الاحتفال فعلياً بيوم المرأة المصرية. فللمرة الأولى في تاريخه، يحوي تحت قبته 89 نائباً بين منتخبة ومعينة. وتعقد عليهن الآمال والأحلام بأن يدفعن المرأة المصرية التي طال وقوعها تحت ظلم شــديد وتعرّضها لقهر بالغ تارة بترغيب التكريم والراحة عبر الانزواء والعزل وطوراً بترهيب الابتعاد عن الدين وتحمّل مغبة التحرّش والاعتداء. وعلى رغم أن ملامح النتائج المتوقعة من مجلس النواب ومعالمها لم تتضح بعد، نظراً لانشغال الأعضاء بالجلسات الأولى التمهيدية والتحضيرية والتنظيمية، إلا أن الآمال لا تزال معقودة. التعقيدات العديدة التي تجد المرأة المصرية نفسها ضحية لها، تتبلور وتتضح هذه الأيام. فبعد 21 عاماً من محاربة ختان الإناث، إشارت إحصائية صحية حكومية أجريت قبل نحو عام، إلى أن 92 في المئة من المصريات المتزوجات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 14 و49 سنة مختنات. ويذكر أن التيارات الدينية المتشددة والمتطرّفة ساهمت إلى حد كبير في إعادة ترسيخ هذه العادة التي تعد شكلاً مزرياً من أشكال العنف. وقد أطلق وزير الصحة الدكتور أحمد عماد خطة «طموحة» للقضاء على ختان الإناث مع حلول عام 2030. وحتى هذا الموعد، يجد قطاع عريض من المصريات في إطار جردة العيد أنهن واقعات بين شقي رحا طبقية وثقافية وفكرية. فبنات الطبقة المتوسطة، ممن يعتبرن أنفسهن «واحداً صحيحاً» وليس منتقصاً، لا يكتملن إلا بذكر ممثل في صورة أب أو زوج أو خال أو عم، واللاتي تعلّمن وتربّين في شكل يؤهلهن لتقلّد مناصب والتحكّم في حياتهن الشخصية والعملية، يجدن أنفسهن إما مضطرات لمجاراة الطبقات الدنيا في المظهر والتصرّفات حتى يندمجن في المجتمع، أو يتشبهن بالطبقة العليا أملاً في ألا تنغّص العادات البالية والتقاليد المزرية حياتهن. جردة المرأة المصرية في عيدها تشير إلى انتصارات حيث نسبة لا سابق مسبوقة لها من النساء في البرلمان، وخوض مجالات عمل غير معتادة بدءاً من سائقة الأجرة مروراً بالجزارة وإعالة عائلاتهن على رغم المصاعب والعوائق، في مقابل انكسارات كثيرة بدءاً بتوغّل أفكار متطرفة مروراً باستمرار اعتبارها الحلقة الأضعف حيث ينفس الرجال عن كبتهم وقهرهم وإخفاقاتهم من خلالها، وانتهاء باعتبار نزولها النصف الحلو المرغوب الممنوع ومن ثم الحلال الحرام. في عام 2016، تؤكّد المرأة المصرية أنها بمئة رجل، لكنها لا تزال تبحث عن حقوقها ومكانتها بما يوازي رجلاً واحداً.
مشاركة :