نظمت لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة، أمسية حاشدة بعنوان "ليلة في حب فاروق شوشة" الذى رحل عن عالمنا يوم 14 أكتوبر/تشرين الأول الجارى عن عمر يناهز ثمانين عامًا. بدأت الأمسية بالوقوف دقيقة حدادًا على روح الشاعر، وأكدت د. أمل الصبان الأمين العام للمجلس أن الشاعر الكبير فاروق شوشة عاش عمره مدافعًا عن لغتنا الجميلة، وكان بمثابة مدرسة تعلمنا فيها كيف نتذوق اللغة العربية، حيث استطاع تقريب اللغة وتبسيطها للجمهور، وهو ما أسهم في تحسين ذائقة اللغة العربية الفصحى لديهم. وأوضحت أنه عشق اللغة فبادلته عشقًا بعشق، وكانت خير ما عبر عن واقعنا المصري والعربي، ، كما أنه يُعد أحد أهم شعراء جيل الستينيات، وأن ما كان يميزه بين أقرانه هو لغته الشعرية ذات البصمة الفريدة. أنتج العديد من الدواوين وأشعاره كانت مواكبة للأحداث الدائرة في مصر والعالم العربي, كما أنه كان على المستوى الإنساني بشوشًا واسع الصدر، يرحب بالمواهب الشعرية الشابة ويدعمها. وقال الناقدد د. صلاح فضل كلما فجعنا بفقد حبيب من الأحباب خاصة بموت الفجأة، تلونا أبيات الخيام هذه: وإنما نحن رخاخ القضاء ** ينقلنا فى اللوح أنى يشاء وأكد أنه كان صديقًا حميمًا لشوشة، وقد جمعته به أصبوحات كثيرة طيلة حوالي خمسة عشر عامًا بمجمع اللغة العربية، تبادل معه في أثنائها الحديث والمراوغة، وكان يفيض بذكرياته العذبة معه خلالها. وأوضح أنه حينما أطلق عباس محمود العقاد كتابه عن اللغة الشاعرة، لمح شوشة بوعي كبير هذه البادرة حول اللغة ثم صاغ منها عبارته التي باتت خالدة في أسماع كل المصريين، طيلة ما يقترب من نصف قرن ببرنامجه الإذاعي الشهير "لغتنا الجميلة"، حيث أخذ صفة الشعرية وهي الجمال وجعل منها خصيصة للغة وأسندها إلى الذات الجماعية، واختار بعين الصقر وحس الفنان وموهبة المبدع وعقل المثقف، عيون الشعر العربى في مختلف العصور لكي يصبها رائقة جميلة لآذان العامة حتى تنفذ إلى قلوب الكبار والصغار، مستثمرًا عصر الإذاعة المسموعة ليعرض خلاصة تجاربه. وأكد فضل أن هدى عبدالناصر كريمة الزعيم الخالد جمال عبدالناصر، كانت قد أخبرته أن والدها كان شغوفا بسماع برنامج فاروق شوشة "لغتنا الجميلة" كل مساء، وكان يتذوق ما يقدمه من عيون الأدب والشعر والفكر، فقد استطاع أن يجعل اللغة الشعرية العربية حية في الأسماع. وتابع فضل حديثه قائلًا: كنت من أبناء هذا الجيل المحظوظ، الذي إذا رن هاتفه وسمع على الطرف الآخر صوت فاروق شوشة قفز قلبه فرحًا، لأنه بمثابة جرس يدق لميعاد أن تطفو على سطح الساحة الثقافية وأن يتم تخليدك في ذاكرة الثقافة العربية، فقد كان شوشة صاحب برنامج "أمسية ثقافية" صانعًا للنجوم. وكانت نجوميته كبيرة لدرجة أنها طغت على نجومية الشاعر الكبير عبدالوهاب البياتى عندما التقيناه بمهرجان جرش في التسعينيات، كما أن تجربته الإعلامية علمته أن يقول بدون أن يجرح، فقد كان محكومًا بقوانين الإعلام حتى وهو ينظم شعره، وأذكر حينما كتب قصيدته حول "القردة" فسألته من تقصد؟ فقال ألا تعرف؟ هم منافقو نظام مبارك وكبيرهم الذي يقبع فى ماسبيرو. وأوضح د. محمد عبدالمطلب مقرر لجنة لشعر، أن تلك الأمسية تعبر عن مدى الحب والعرفان لأحد أعظم مثقفينا، وعن بداية معرفته بشوشة, وأن هذا بدأ منذ الدراسة الجامعية بكلية دار العلوم، فكان شوشة من خريجيها وكنت أنا مازلت طالبًا بها، وكنت أشاهد هذا الاحتفاء الكبير به من قبل الطلاب. وأضاف عبدالمطلب أن له ثلاثة عشر كتابًا في النقد الشعري، لا يخلو أحدها من دراسة عن أشعار شوشة، فقد استطاع شوشة أن يضيف للشعرية العربية ما يختص به وحده من الرومانسية الواقعية، وأرثيه بما رثى به أمير الشعراء الزعيم مصطفى كامل: يا صَبَّ مِصْرَ، ويا شهيدَ غرامِها, هذا ثرى مصرٍ، فنمْ بأمان. واختتم عبدالمطلب حديثه منوهًا إلى ديوان الشاعر فاروق شوشة الأخير؛ وهو الآن في المطبعة، وسيصدر قريبًا. وأشار الإذاعي الكبير فهمي عمر الى أنه قبل شهور قليلة بالأخص في مناسبة فوز الشاعر الراحل فاروق شوشة بجائزة النيل التي جاءت تهفو إليه، هاتفه مباركًا له، كما هاتفه قبل أيام من رحيله، مستنجدًا به كعادته كلما توقف أمام إعراب كلمة، أو نطقها الصحيح، أو لأي استشارة لُغوية، ولم يدر في ذهنه أنه بعد هذه الأيام القليلة سيأتي راثيًا لشوشة معلم الأجيال الإذاعية، الذي جعل الشعر محبوبًا بطلته الإذاعية المميزة مساء كل اليوم. وفي نهاية حديثه طالب الإذاعى فهمى عمر أن لا يتوقف برنامج "لغتنا الجميلة" بعد رحيل شوشة، وأن يتم إعادة إذاعة حلقاته المسجلة، في نفس الموعد على إذاعة البرنامج العام. كما أكد الشاعر محمد إبراهيم أبو سنة أن كل الكلمات تعجز في تقديم العزاء، لكن ما يحز في النفس حقًا هو فاروق شوشة بصوته أمام المذياع، وصورته البهية في الشاشة الصغيرة، كنت أرى فيه نعم الرفيق، بصحبته تذوب كل الصعوبات وتذلل، كان يقدم برنامجًا في إذاعة البرنامج الثاني أو البرنامج الثقافي تطوعًا بدون تقاضي أجر، لم أره مرة واحدة خلال خمسين عامًا ينفعل أو يثور أو حتى يعلو صوته، واختتم حديثه بهذا البيت المعروف: قد كنت أوثر أن تقول رثائي *** يا منصف الموتى من الأحياء لكنك سبقت، وأنت دائمًا سبّاق. وقال د. أحمد درويش إن فاروق شوشة وُجد في عصر به الكثير من الشعراء المتميزين، وعاصر ميلاد قصيدة التفعيلة، ونشأة قصيدة النثر، والشعر العربي كثيرًا ما انصرف عنه العامة، خاصة وإن كان مقروءًا، فاستطاع فاروق أن يقدم صوت الشعر المسموع، فيردده كل محب للفن. وتحدث الشاعر حسن طلب؛ الذي توقف عند مختارات فاروق شوشة من التراث في كتابيه عن "أحلى عشرين قصيدة حب في الشعر العربي"، ثم "أحلى عشرين قصيدة في الحب الإلهي"؛ فلفت الأنظار إلى قيمة هذين الكتابين في نشر الوعي بالتراث الشعري لدى قطاع واسع من القراء. وأوضح طلب كيف أن الشعراء الكبار يقدمون دائما على اختيار أفضل ما يجدونه في تراثهم الشعري من وجهة نظرهم، على نحو ما فعل محمود سامي البارودي في مختاراته؛ ومن بعده أدونيس؛ وقديما أبو تمام والبحتري؛ كما أوضح كيف أننا قد نفتقد وجود الكثير من الشعراء الأعلام في تلك المختارات؛ وهذا أمر طبيعي كان يتوقعه فاروق شوشة؛ بدليل أنه لم يعتبر مختاراته سوى مجرد حافز لسائر الشعراء الملمين بالتراث إلى تقديم مختاراتهم لتتعدد الرؤى والأذواق. كما تم عرض مقطع من برامج شوشة الإذاعية والتلفزيونية، ثم قام الشعراء أحمد سويلم وأشرف عامر وشيرين العدوي وعزت سعد الدين، بإلقاء بعض قصائد للراحل فاروق شوشة، الذي سيبقى أيقونة حية ورمزًا للإبداع والعطاء. وقد شهد الحفل حضور أسرة الشاعر الراحل فاروق شوشة: الإذاعية الكبيرة هالة الحديدى وابنتاه يارا ورنا.
مشاركة :