في حين نفت روسيا على لسان الناطقة باسم وزارة الخارجية ماريا زاخاروفا أن يكون طيرانها مسؤولا عن قصف مدرسة في قرية حاس الواقعة في ريف إدلب الجنوبي، أول من أمس، الذي أوقع 26 قتيلا بينهم 20 تلميذا و6 مدرسين، وجه وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت أصابع الاتهام إلى النظام السوري وإلى روسيا وحملهما مسؤولية القصف. وقال إيرولت أمس لـ«الشرق الأوسط» في المؤتمر الصحافي الذي أعقب انتهاء أعمال اجتماع خصص لعمليات حفظ السلام في الفضاء الفرنكوفوني: «من المسؤول (عن عملية القصف)؟ الثابت أنها ليست المعارضة (المسلحة) لأن القصف (الجوي) يحتاج لامتلاك طائرات. إذن (المسؤول) هو إما النظام السوري، أو الروس». واستطرد الوزير الفرنسي قائلا إن ما حصل في قرية حاس «يبين مجددا فظاعة الحرب التي هي حرب ضد الشعب السوري، ونحن لا يمكن أن نقبلها، ولن نستسلم لها». أما الدعوة التي وجهتها روسيا إلى «كل الهيئات الدولية» من أجل الانضمام فورا للتحقيق، فقد عدتها مصادر رسمية فرنسية «وسيلة لكسب الوقت ورفع المسؤولية» أكثر مما هي طريقا للتعرف على المسؤوليات. وتأتي هذه العملية لتزيد من منسوب التوتر بين الدول الغربية وروسيا التي تتواجه ميدانيا بالواسطة وبشكل مباشر على الصعيد الدبلوماسي، خصوصا في مجلس الأمن الدولي. وبعد إجهاض مشروع القرار الذي طرحته نيوزيلندا للمناقشة بسبب تضارب المواقف بين المعسكرين، وفق ما أعلنه مندوبها في الأمم المتحدة، فإن المواجهة ستتركز في الأيام المقبلة على خلاصات تقرير اللجنة المشتركة المشكلة للنظر في استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا في عامي 2014 و2015. ويخلص التقرير، الذي أعده خبراء الأمم المتحدة ومنظمة تحريم استخدام الأسلحة الكيماوية، إلى أن النظام استخدمها 3 مرات، فيما استخدمها «داعش» مرة واحدة، وبقيت 5 حالات «من أصل 9» من غير حسم بسبب غياب الأدلة الدامغة التي تثبت مسؤولية هذا الطرف أو ذاك. حتى الآن، تبدو باريس مصرة على طرح مشروع قرار في مجلس الأمن تحت الفصل السابع يدين استخدام الكيماوي ويفرض عقوبات على المسؤولين عن استخدامه. وقال الوزير إيرولت لـ«الشرق الأوسط» التي سألته عن هذا الموضوع، إن بلاده «ستقوم بمبادرات جديدة» في مجلس الأمن الذي دعاه لكي يتحمل كل مسؤولياته. وبالنظر إلى حق النقض (الفيتو) الذي استخدمته روسيا لإجهاض مشروع قرار فرنسي - إسباني قبل 3 أسابيع، فإن إيرولت وجه تحذيرا لموسكو من اللجوء إلى هذا الحق لنسف مشروع القرار الفرنسي الجديد. وقال إيرولت إن «كل ما يتمناه أنه عندما ينظر مجلس الأمن بمشروع القرار الفرنسي هو ألا يستخدم أي بلد حق النقض، لأنه إذا فعل، فسيكون لغرض رفع المسؤولية عمن لجأ إلى السلاح الكيماوي أي نظام بشار الأسد. لذا يتعين علينا أن نكون واضحين بهذا الخصوص». ولرفع أي شكوك بشأن عزم بلاده على التحرك مجددا في مجلس الأمن الدولي، شدد الرئيس الفرنسي على أن باريس «مصرة على ما تقوم به، وهي تؤكده مجددا». وفي السياق عينه، ساند إيرولت طلب الولايات المتحدة الأميركية بتمديد مهمة اللجنة المشتركة لعام إضافي، وهو ما سارعت موسكو إلى التعبير عن تحفظها إزاءه في جلسة مجلس الأمن ليوم الخميس. وبحسب الوزير الفرنسي، فإن تمديد انتداب اللجنة سيكون مفيدا للنظر في اللجوء إلى السلاح الكيماوي في عام 2016، لأن بحوث اللجنة توقفت عند عام 2015. في أي حال، وبسبب غياب وسائل الضغط الفعالة على الطرف الروسي لدفعه نحو التعاون في ملف حلب وبشأن الوضع السوري بشكل عام، فإن باريس تريد استخدام موضوع السلاح الكيماوي لـ«حشر» روسيا سياسيا ودبلوماسيا. فلجنة التحقيق المشتركة أنشئت قبل 13 شهرا بناء على قرار من مجلس الأمن الدولي صوت عليه بالإجماع ومن غير اعتراض روسي. كذلك سيكون من الصعب على موسكو التشكيك في نزاهة وحيادية اللجنة رغم أن موسكو حاولت منذ الصيف الماضي، أي منذ نشر التقرير الأولي للجنة، التشكيك بحياديتها وبالبراهين التي اعتمدت عليها. ولعل أبرز دليل على «ضيق» موسكو من عمل اللجنة أنها ترفض تمديد انتدابها لعام إضافي، بحسب ما أدلى به المندوب الروسي سيرغي تشوركين في مجلس الأمن أول من أمس، ردا على الطلب الأميركي. كذلك، فإن زاخاروفا اتهمت الغربيين بـ«استغلال الاستنتاجات» التي جاءت في التقرير النهائي للجنة، لتحقيق «أغراض سياسية»، مشددة على أن استنتاجات اللجنة «لا تتمتع بقوة قانونية» كما أنها «لا يمكن استخدامها على أنها لائحة اتهام ضد أحد، أو تبرير لاتخاذ قرارات ملزمة قانونيا». من هذه الزاوية، يبدو أن مجلس الأمن سيكون في الأيام المقبلة مسرحا لعملية لي ذراع روسية - غربية. ويريد الغربيون الاستفادة من موقعهم «القوي» إزاء موسكو بالنظر إلى أن الأخيرة هي صاحبة مبادرة نزع سلاح النظام الكيماوي في عام 2013 مقابل امتناع الغربيين عن استخدام القوة لمعاقبته بسبب تخطيه «الخطوط الحمراء» التي حددها الرئيس الأميركي باراك أوباما. ولذلك، فإن موسكو، سياسيا ومعنويا، تتحمل مسؤولية أداء النظام وانتهاكاته الكيماوية، وبالتالي، فإن لجوءها إلى «الفيتو» سيكون بمثابة تخل عن مسؤولياتها وممالأة للنظام؛ لا بل موافقة على أفعاله. وليس سرا أن باريس استاءت للغاية من نسف موسكو مشروع القرار الذي قدمته بداية هذا الشهر والداعي لوقف عمليات القصف على أحياء حلب وترميم الهدنة وإيصال المساعدات الإنسانية وإعادة إحياء المسار السياسي المتوقف منذ أشهر. واستبق إيرولت مناقشة مجلس الأمن للمشروع الفرنسي بأن زار موسكو وتحادث مع نظيره لافروف. لكن ذلك كله لم يثن موسكو عن اللجوء للمرة الخامسة إلى استخدام «الفيتو» لنسف قرار دولي وتوفير مظلة الحماية للنظام السوري.
مشاركة :