زراعة الكمأ في ايطاليا تقليد متجذر مرشح لدخول قائمة اليونسكو للتراث

  • 10/28/2016
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

البا (إيطاليا) (أ ف ب) - تمثل زراعة الكمأ في ايطاليا تقليدا مهما متوارثا عبر الاجيال يدر ايرادات طائلة على هذا البلد الاوروبي الذي يستحوذ على اجود انواع هذه النباتات في العالم، حتى ان روما تسعى لادراج هذا النشاط على قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي. يواظب جوفاني ساكيتو ليليا طيلة ايام فصل الخريف على البحث مع كلبته "دورا" عن كمأ البا الابيض في منطقة بييمونتي الايطالية، في مسعى لايجاد نوع من الفطر يعرف برائحة مميزة لا مثيل لها ويباع باسعار باهظة. ويوضح جوفاني خلال مشاركته في عملية بحث على ضوء القمر خلال ساعات الصباح الاولى "هذا ليس عملا بل هو شغف ومرض حقيقي. يحصل احيانا ان اخلد للنوم عند الحادية عشرة ليلا واستيقظ عند الثالثة فجرا لانطلق في عملية البحث. لا اقوم بذلك بدافع المال بل لرغبة في داخلي". ويضيف "جمال الكمأ يكمن في طابعه الغامض. لا يمكن البتة معرفة مكان وجودها. ابدا". وترافقه في هذه المهمة الكلبة "دورا" البالغة تسع سنوات وهي من فصيلة معروفة بحاسة الشم القوية لديها. ويقول جوفاني مبتسما "بالنسبة للباحث عن الكمأ، الكلب يرتدي اهمية لا توصف". وفي الامكان تنمية حاسة الشم لدى الكلب خلال الصغر عبر اخفاء قطع من جبن الغورنغونزولا تحت الارض قبل وضع كمأة حقيقية. وعند رصد رائحة الفطر، يضع الكلب "علامة" على الموقع وتتسارع حركة ذيله. ويتعين عندها على الباحث عن الكمأ الحفر في التراب للعثور على نبتته الثمينة التي عادة ما تكون مخبأة تحت طبقة من التراب بسماكة عشرة الى ثلاثين سنتيمترا. وبالنسبة للكلب، الامر اشبه بـ"لعبة" تستدعي منحه مكافأة هي عبارة عن حبة بسكويت او كتلة لحم او قطعة خبز. - نظام بيئي فريد - وانطلق جوفاني في هذا النشاط مع جده حين كان في سن الرابعة عشرة بدافع "الجوع" اولا اي بهدف الكسب المادي نظرا الى ان "المناطق الريفية لم تكن تحوي اي شيء"، قبل ان يصبح شغوفا بهذه الهواية. ويقول هذا الايطالي الستيني "امارس البحث عن الكمأ منذ خمسين عاما، اعرف كل النباتات ومواضعها"، مفضلا التكتم بشدة عن "المواقع السرية" التي يعرفها. ويضيف "قبلا كان ثمة كميات اكبر بكثير" من الكمأ لكن بعض النباتات قطعت كما أن اخرى لم تعد تثمر بسبب التلوث. وفي مواجهة هذا الوضع، اطلقت حملة تمويل تشاركي بقيمة خمسين الف يورو للحفاظ على النظام البيئي الفريد للأراضي الغنية بالكمأ في المنطقة. ويوضح رئيس المركز الوطني للبحوث بشأن الكمأ انطونيو ديجاكومي أن حقول هذه النباتات "باتت مهملة" بعدما كانت مصانة على نحو جيد في الماضي. ويضيف "ثمة الكثير من النباتات الزاحفة التي تدخل في منافسة" مع نباتات الكمأ. ويشير الى "عدم وجود تهديد داهم لكن (...) يجب العمل بشكل استباقي" مشددا على اهمية "تنظيف الاراضي وزرع نباتات جديدة" على رغم أن صائدي الكمأ ليسوا في احيان كثيرة مالكي الاراضي ما يعقد المهمة. وفي المحصلة، تضم ايطاليا مئتي الف اختصاصي في البحث عن نباتات الفطر بكل انواعها، بينهم اربعة الاف في منطقة بييمونتي التي تقع فيها البا. ومنذ 86 سنة، تستقبل هذه المدينة البالغ عدد سكانها 30 الف نسمة سنويا على مدى حوالى شهرين "مهرجانا كبيرا للكمأ الابيض" يجذب الاف الزوار من ايطاليا والخارج. - "نكهة لا تضاهى" - هذه السنة، يراوح سعر كمأ البا الابيض بين ثلاثة واربعة الاف يورو للكيلوغرام الواحد في هذا المهرجان الذي يستمر حتى 27 تشرين الثاني/نوفمبر. ويشير الطاهي في مطعم "ديل كامبيو" في تورينو ماتيو بارونيتو الى ان خصوصية هذا الكمأ "في نكهته السلسة التي لا تضاهى واناقته". وفي بييمونتي، يستمر موسم الكمأ الابيض من 21 ايلول/سبتمبر الى 31 كانون الثاني/يناير. هذا النوع من الفطر المؤلف بنسبة 82 % من الماء يحتاج للمطر والبرد. ويقول الاخصائي في نباتات الفطر إن "نوعية الكمأ تتحسن كلما كان الطقس اكثر برودة". وتضم ايطاليا 25 نوعا من الكمأ تدر ايرادات سنوية تقدر بحوالى اربعمئة مليون يورو. كذلك فإن هذا البلد ينتج 99 % من الكمأ الابيض الفاخر المباع في العالم. ويمثل الكمأ وحصاده تقليدا متوارثا عبر الاجيال حتى ضمن العائلات، لدرجة ان ايطاليا طلبت ادراج هذه الزراعة على قائمة التراث غير المادي للبشرية في منظمة اليونسكو. فأبعد من "قيمته التي لا تقدر بثمن"، يمثل الكمأ "رمزا للعلاقات بين البشر والطبيعة والحيوانات والتقاليد".

مشاركة :