إسطنبول / بشار البياتي/ الأناضول مع دخول معركة تحرير الموصل بمحافظة نينوى (شمالي العراق) يومها الثاني عشر، وتحقيق القوات العراقية تقدماً في الجبهات الشرقية والجنوبية والشمالية، تتجهه الأنظار إلى غرب المحافظة، حيث مدينة تلعفر الاستراتيجية الخاضعة لسيطرة تنظيم "داعش" الإرهابي منذ صيف 2014. تتعالى أصوات التحذيرات من أطراف سياسية عراقية وإقليمية من دخول قوات الحشد الشعبي (شيعية) إلى الموصل، وأيضاً إلى مدينة تلعفر، التي شهدت في الماضي اقتتالاً طائفياً بين تنظيم القاعدة والعشائر التركمانية الشيعية بالمدينة بدءًا من 2004، أدى إلى سقوط آلاف الضحايا. وأعلن القيادي بـ"كتائب عصائب أهل الحق"، إحدى فصائل الحشد الشعبي، "جواد الطليباوي"، الإثنين الماضي، أن "مقاتلي الحشد من جميع الفصائل بالآلاف وصلوا إلى محور القتال في غرب الموصل، استعدادا لشن عملية عسكرية واسعة تستهدف تحرير قضاء تلعفر، وقطع الطريق بين الموصل وسوريا". ويخشى الكثيرون من ارتكاب الحشد الشعبي، "تجاوزات" بحق المدنيين من التركمان السُنة، ممن لم يتمكنوا من مغادرة المدينة بسبب منع التنظيم بشكل صارم خروج الأهالي، الأمر الذي ربما سيؤدي إلى اندلاع صراع طائفي جديد لا تُحمد عقباه. وتأتي تلك المخاوف في ظل اتهامات وجهتها منظمة العفو الدولية في تقريرها مؤخراً، ضد مليشيات شبه عسكرية والقوات الحكومية في العراق، بإرتكاب إنتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، بحق المدنيين الفارين من مناطق سيطرة تنظيم داعش. كما يتربص عناصر منظمة "بي كا كا" الإرهابية، وميليشيات يزيدية منتشرة في منطقة سجنار، بالمدنية لمهاجمتها، وتنفيذ مجازر انتقامية فيها على خلفية اتهامات إلى أهالي تلعفر بالمشاركة في قتل "داعش" لليزيديين وخطف نسائهم. واستغلت "بي كا كا" اضطرار البيشمركة للانسحاب من قضاء سنجار (ذي الغالبية اليزيدية) شمال غرب الموصل، بعد هجوم "داعش" على القضاء في 3 أغسطس/ آب 2014، لتعلن عن بدء وجودها في المنطقة بعد إرسال مسلحيها إليها من سوريا وجبال قنديل بشمال العراق. وتسعى "بي كا كا" إلى الإبقاء على سيطرتها الدائمة على المنطقة من خلال إقامة معسكرات في جبل "سنجار" ومحيطه، ونقاط تفتيش منذ أكثر من عامين ونصف العام. وحذرت تركيا مراراً من إشراك الحشد الشعبي، في العملية العسكرية لتحرير الموصل، خشية نشوب حرب طائفية في المنطقة، تؤدي إلى عواقب وخيمة، ونزوح مليون شخص نحو حدودها. ويُصر المسؤولون الأتراك على ضرورة مشاركة بلادهم بقوة وفاعلية في عملية تحرير الموصل من قبضة "داعش"، للحيولة دون وقوع "تجاوزات" بحق المدنيين، على أساس طائفي، ولكبح التهديدات الموجه إليها عبر حدودها مع العراق بطول 350 كم. كما حذر مسؤولون تركمان عراقيين من ارتكاب عناصر منظمة "بي كا كا" المنتشرين في منطقة سنجار جرائم طهير عرقي بحق سكان تلعفر، وخطورة سيطرتهم على المناطق التركمانية. وفي هذا السياق أكد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الإثنين الماضي، أن تركيا لن تسمح لمنظمة "بي كا كا" الإرهابية بجعل منطقة سنجار معقلاً جديداً لها على غرار معقلها في جبال قنديل بشمال العراق، مبيناً أن بلاده اتخذت وستتخذ كافة التدابير لجعل تلك المنطقة آمنة. وقال جاويش أوغلو في تصريح لقناة تركية تعليقاً على عملية الموصل: "في حال نشوء تهديد ضد تركيا سنستخدم جميع إمكاناتنا بما فيها إطلاق عملية برية". وتقع مدينة تلعفر في غرب محافظة نينوى شمالي العراق، وتبعد عن مدينة الموصل نحو 70 كم، وتعتبر من أهم مراكز التركمان في البلاد، يبلغ سكان المدينة حوالي 300 ألف نسمة، بينما يبلغ عدد سكان القضاء نحو نصف مليون. وتعتبر تلعفر أكبر قضاء في العراق، وكانت الحكومات العراقية السابقة قد درست مسألة تحويلها إلى محافظة مستقلة، وذلك لامتلاكها كافة المقومات لجعلها محافظة، حيث تم إرجاء تنفيذ تلك الخطوات لأسباب سياسية. وتُعرف تلعفر بطبيعتها العشائرية، حيث يقطنها عشائر تركمانية كبيرة، ينتمي سكان المدينة وأحياناً حتى أبناء العشيرة الواحدة إلى المذهبين السُني والشيعي. ولا توجد إحصائية دقيقة في المدينة كما في عموم العراق حول الانتماء المذهبي للسكان، إلا أن تقارير إعلامية تشير إلى أن المنتمين إلى المذهبين متقاربين في ناحية العدد داخل المدينة وزيادة طفيفة في عدد السُنة فيما لو تم احتساب سكان القضاء بالكامل. بعد سيطرة "داعش" على الموصل في 10 حزيران/يونيو 2014، دخل التنظيم إلى تلعفر، حيث فر سكانها الشيعة في ليلة واحدة نحو سنجار والمناطق المجاورة، دون أن يأخذوا معهم أي شيء، وذلك خوفاً على حياتهم. كما نزح قسم من السُنة أيضاً إلا أن التنظيم دعاهم إلى العودة للمدينة متعهداً لهم بالأمان، وعقب عودة النازحين السُنة طلب التنظيم ممن كان يعمل منهم في سلك الأمن والشرطة والدوائر الحكومية الأخرى إعلان التوبة، ليقوم التنظيم فيما بعد بتنفيذ الإعدامات بحق الكثيرين منهم، وإلقاء جثثهم في بئر "علو عنتر" بشمال المدينة. وعانى النازحون الشيعة من المدينة من ظروف صعبة للغاية، بقوا في العراء لأيام، ومن ثم توجهوا إلى بغداد، وكربلاء، والنجف، وأقدم التنظيم على تفجير العديد من المساجد والمزارات الشيعية بالمدينة، وتجريف قلعة تلعفر التاريخية، ماحياً بذلك أبرز المعالم الحضارية للمدينة. وعقب تشديد "داعش" إجراءاته على سكان المدينة، وتنفيذه العديد من الإعدامات بحق السُنة من سكانها بدأوا بالفرار من ظلم التنظيم والتوجه إلى أي مكان يتمكنون الهروب إليه، في ظل تشديد "داعش" إجراءاته على أطراف المدينة لمنع المغادرين. ورغم تلك التشديدات تمكنت آلاف الأسر التلعفرية من الفرار نحو سوريا الوجهة الوحيدة التي يتمكن مهربو البشر نقلهم إليها، آخذين بعين الاعتبار السير في طرق وعرة ولأيام للوصول إلى الحدود التركية من داخل سوريا، في رحلة محفوفة بالعديد من المخاطر منها الوقوع بيد عناصر التنظيم واكتشاف أمرهم، حيث سيزجونهم في السجون وربما يتم إعدامهم. أما المدنيين الذين بقوا في المدينة رغماً عنهم فهم يعيشون في أسر، حيث لا يتمكنون من الخروج من المدينة، ولا يستطيعون حتى السؤال عن مصير أشخاص من التركمان السُنة يعتقلهم التنظيم بتهمة "الخيانة" و بعد فترة يُعلن أنه قد أعدمهم. ويعتقد أن آلاف المدنيين، خصوصاً الذين لا يملكون المال لدفعه للمهربين لإخراجهم من المدينة، وذوي المرضى، لا زالوا في تلعفر، التي يتحصن فيها المئات من عناصر التنظيم المحليين والأجانب، بحسب مصادر من المدينة، حيث يبقى المدنيون الخاسر الأكبر بين سندان التنظيم ومطرقة الحشد ومنظمة "بي كا كا" الإرهابية. وانطلقت، في 17 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، معركة استعادة مدينة الموصل من "داعش"، بمشاركة 45 ألفاً من القوات التابعة لحكومة بغداد، سواء من الجيش، أو الشرطة، أو البيشمركة (قوات الإقليم الكردي) أو قوات الحشد الشعبي، أو قوات حرس نينوى (سنية) إلى جانب دعم التحالف الدولي. وبدأت القوات الزحف نحو الموصل من محاورها الجنوبية والشمالية والشرقية، من أجل استعادتها من قبضة "داعش"، الذي يسيطر عليها منذ 10 يونيو/حزيران 2014. وأعلن الجيش العراقي، الإثنين الماضي، أن معارك الموصل في أسبوعها الأول أسفرت عن تحرير 74 قرية وبلدة ومنطقة في محيط المدينة، ومقتل 772 مسلحا من تنظيم "داعش". الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
مشاركة :