في الشارقة... الأطفال ليسوا جمهوراً للسينما فقط، بل هم أيضاً صنّاع لها! هذا ما يشهد به كل المتابعين لمهرجان «الشارقة السينمائي الدولي للطفل»، الذي يرون سلسلة فعالياته على أنها تظاهرة احتفاء بالطفولة من خلال السينما! فهذا هو الهدف الكبير الذي تتنوع مظاهره في كل الفعاليات التي يحتضنها «مهرجان الشارقة السينمائي الدولي للطفل»، فالأطفال هم البطل الرئيسي للمهرجان الذي أخذ على عاتقه مخاطبتهم، ليس فقط من خلال القضايا التي تطرحها الأفلام المعروضة، والتي تلامس همومهم وتتقاطع مع طموحاتهم ومخاوفهم، بل يحرص المهرجان على توسيع دائرة الأفلام بحيث تمثل شعوباً ودولاً متباينة، ليغدو منصة لدعوة الطفولة العربية إلى تعلم ثقافة «الاختلاف»، والتعايش مع الآخر المغاير، بدلاً من التصادم معه. وفي سياق الثقافة الشاملة التي يطمح المهرجان إلى إرسائها، حرص على اختيار فئات مختلفة من الأطفال، وتسليط الضوء على قضاياها الاستثنائية، وقد رأى القيمون على المهرجان أنه ليس هناك أكثر استثنائية من شريحة الأطفال اللاجئين المعذبين خلف أسوار المخيمات ومواقع الإيواء البائسة، أو حتى في بلدان أخرى لا تربطهم بها إلا علاقة هشة ومتوترة وطافحة بالارتياب! وها هي النسخة الرابعة من مهرجان الشارقة السينمائي للطفل، تحتفي بنوعية الأطفال اللاجئين، مواصلة الاهتمام الذي كانت بدأته إدارة المهرجان في الدورة السابقة، وإن كانت العناية هذه المرة اتخذت منحى أكثر بعداً وعمقاً وتعاطفاً، حيث صار اللاجئون الصغار هم من يصنعون أفلامهم بأنفسهم، كي يرووا على الشاشة بأنفسهم مأساتهم للعالم. وتعليقاً على الاحتفاء بسينما الأطفال اللاجئين، قالت مديرة مؤسسة «فن» ومديرة مهرجان «الشارقة السينمائي الدولي للطفل» الشيخة جواهر بنت عبدالله القاسمي «إن المهرجان ركز في الدورة الحالية بشكل خاص على مجموعة الأفلام التي صُنعت بأيدي عدد من الأطفال اللاجئين السوريين الموزعين في مخيمات اللجوء»، مردفةً: «هذه الأفلام جاءت ثمرة لورش عمل كثيرة شارك فيها الأطفال اللاجئون، الذين عبروا عن واقعم وأحلامهم من خلال 11 فيلماً صنعوها كاملة بأيديهم»، ومواصلةً «أن هذه الأفلام متوائمة مع طبيعة أهداف المهرجان الذي دأب منذ انطلاقته حتى الآن، على إتاحة الفرصة أمام الأطفال للتعبير عن أحلامهم، وذلك من خلال تعليمهم أساسيات صناعة السينما والإخراج، وكل ما يتعلق بهذا المجال، الأمر الذي جعله متفرداً في هذا السياق، لأنه يعد المهرجان الوحيد في المنطقة العربية الذي يهتم بعرض أفلام موجهة للأطفال أو صنعت بأيديهم». وعن الدافع وراء تركيز المهرجان على أفلام اللاجئين، قالت القاسمي: «لا شك أن دعم المواهب الصغيرة يُعد واحداً من أبرز أهداف مهرجان الشارقة السينمائي الدولي للطفل، ولذلك آثرنا في المهرجان إطلاق مبادرة (أفلام من صنع الأطفال اللاجئين) لإتاحة الفرصة أمام الأطفال اللاجئين للتعبير عن واقعهم اليومي وقضاياهم وأحلامهم وطموحاتهم، بعدما أُلحِق هؤلاء الأطفال بورش العمل ليكتسبوا أصول العمل السينمائي»، ولافتةً إلى «أن السينما إحدى أهم الوسائل التي يمكن أن تمكن الإنسان من التعبير، إذ تتميز بأنها تجمع بين الصوت والصورة والمؤثرات». وختمت القاسمي حديثها بأن الغاية البعيدة للمهرجان هي الوصول إلى أكبر شريحة ممكنة من الأطفال، بحيث يساهم ذلك في تثقيفهم وتعريفهم على الآخر وحضهم على التعايش معه، فضلاً عن تشجيعهم على دخول المجال السينمائي، والابتكار في مجالاته المختلفة. يُذكر أن جهود الأطفال اللاجئين أسفرت عن 11 فيلماً عُرضت على شاشات المهرجات، وهي: «بين الخيمة والزريبة» لمحمد رامي علي، «أحمد» إخراج راما شربجي، «أصدقاء إلى الأبد» لمجموعة من الناشئة، «الزيز» ليوسف الشمالي، «ع الموضة» لبشرى دياتي، «فرصة جبرية» لآية العواد، «جبل محسن وباب التبانة» لنادي، «نتعاون كي ننجح» لمجموعة من الناشئين، «المرجلة ع التنين» لمحمد السعيد، «الاعتراف» لمحمد شربجي و«الشحاطة السورية» لمحمد صياح هيلم. المهرجان يحفّز الصغار على الابتكار السينمائي في سياق أنشطة المهرجان، عُقدت أخيراً ورش «تصميم الشخصيات ورحلة التشويق لصناعة الأفلام والألعاب» و«صناعة المؤثرات الخاصة»، و«الضوء»، و«التكوين»، و«العدسات»، حيث سعى المهرجان من خلالها إلى تحفيز الأطفال على الابتكار السينمائي. ومثلت الورش فرصة جيدة أمام الأطفال للتعرف على أهم المفاهيم والتقنيات الخاصة بصناعة السينما، ففي ورشة «تصميم الشخصيات ورحلة التشويق لصناعة الأفلام والألعاب» التي قدمتها شركة بيكسل هانتررز، تعرف المشاركون على طرق تصميم الشخصيات في الأفلام وألعاب الفيديو، كما اطلعوا على الطرق المستخدمة في عملية التقاط حركة الشخصيات بحيث تكون قادرة على التواصل مع الجمهور. ووفقاً للرئيس التنفيذي لشركة بيكسل هانتررز الدكتور آني أتاناسوفا، «تفرض طبيعة المحتوى الذي تتطلبه الأفلام تعلم تقنيات تصميم الشخصيات، وتحديد حركتها بحيث تكون قادرة على التعبير عن المحتوى المطلوب في الفيلم، الأمر الذي يساعد على تحديد التقاط الحركة لهذه الشخصيات خلال عملية مونتاج الأفلام». أما ورشة «صناعة المؤثرات الخاصة» التي قدمها فاروق حسن علي، فركزت على تقديم تجربة مختلفة، نالت إعجاب المشاركين بها، إذ تمحورت حول طرق تصميم الأزياء والماكياج التي أصبحت جزءاً مهماً في صناعة الأفلام، بحيث تسهم في تقديم صورة واضحة عن طبيعة الشخصيات المطلوبة في الفيلم، سواءً كانت جميلة وديعة أو عنيفة مرعبة. في هذا السياق التثقيفي، تعاون المهرجان مع شركة «نيكون» لتنظيم ورش عمل تتعلق بصناعة الكاميرات، وإيضاح الفرق بين العدسات وأحجامها وكذلك حجم الصور التي تلتقطها باستخدام وحدة «البكسيل»، بالإضافة إلى تقديم شرح متكامل حول تكوين الكاميرات وطرق عملها، إذ تشكل الركيزة الأولى التي تستخدمها الأفلام في أعمال التصوير.
مشاركة :