بعد ألم فقد، وبكاء مستمر، وبين مرحلة فاصلة بين إستيعاب وعدمه بأننا فقدنا جزءاً منا كنا نمسك به فرحل - نتصبر ويقتلنا التفكير - كيف لنا أن ننسى الغائب الذي رحل إلى السماء إلى من هو أحق به . كيف لنا أن ننسى أيامه وكيف وكيف وكيف ؟ مع كل هذا الوجع الذي لاينفك - والذي أجزم بأن كل بيت قد خاض تلك التجربة، تجربة فقد وسقوط أحد أعمدته من قريب أو بعيد - وقبر حبيبنا الذي لم يجف لابد أن نفتح باب العزاء وتجبرنا ترتيباته على التأهب ونشكك بأمرنا هل هو عرس أم عزاء أم عرس يكتسي عباءة السواد. لا لابد أنه يختلف عن العرس فلا وجود لفرقة غناء وأن أهل الميت المقربين والمقربين فقط هم من يتضح عليهم الحزن والبكاء ونرجع للشك بأننا في عزاء فيفترض أن يتم تقديم مالذ وطاب وإحضار عمال مختصين بالضيافة وتنظيم( بوفيه) يليق بضيوف العزاء ويصل بها الحال الى اننا قد نجلب مهندس إضاءة وكراسي حفلات محايدة الألوان وفرش جديد وهدايا للمعزين تشمل كتاب أذكار ثري بالزخارف مغلف بأجمل الألوان. أهل المتوفي هنا هم من تحيطهم هالة التعب والإعياء وأثر البكاء الذي أنقض الظهر أهل المتوفي المشدوهين من عظم الفقد هم أيضاً مضطرون لسماع قرع الكعوب ومشاهدة آخر صيحات الموضة والتجميل قرع كعوب تدق قلوبهم وتزعجهم قبل أن يروا الفتاة الجميلة التي حضرت للتعزية التي تجملت بالمكياج الحزين الذي صار من قائمة صالونات التجميل لما لديه من طلب ورواج كبير ، وهناك يأتي المعزي الذي أكتفى أن يقف بجانب الباب يرمق من بعيد يحاول جاهدا البحث عن الشخص الذي يعرفه حتى يسلم عليه بسرعه البرق ولكي يحسب له درجة واجب الحضور الاجتماعي فهو لا وقت لديه بأن يصافح ويقول نفس الجملة لكل الحضور ، يجب عليهم أيضاً أن يفتحوا بيتهم حتى آخر شخص وحتى لو انتصف بهم الليل لأن المعزي اللطيف لديه قائمة مطوله مليئة بانشغالات الحياة لذلك لا وقت لديه ، أهل المتوفي المنشغلون بمصابهم إلا أنهم لابد وأن يتحملوا وجود أناس قد لا يعرفونهم حق المعرفة وإنما قدموا للبحث عن فتاة مناسبة لابنهم الذي يرغب بالزواج ،أهل المتوفي لابد أن يشهدوا مهرجان التنافس بالولائم ومن أحضر أفضل وأطول مأدبة عشاء أو غداء او كلاهما وكأنه يغدو الى ان يشابه مراسم عزاء اليابان عندما يحل وقت العشاء على شرف الأموات ،متناسين المائدة المختصرة البسيطة التي تنحصر على أهل الميت وتجميعهم عليها دون تكلفة أو إسراف الذي نهانا عنه ديننا و منهجنا. أهل المتوفي لابد وان يعتادوا سماع نغمات وأغاني الهاتف النقال وسماع آخر أخبار المجتمع والمناقشات الجانبية. واستمرار العزاء لأكثر من ثلاث أيام لانه يتوجب عليهم الاستقبال والتواجد الى مالا نهاية مما ذكرني بطقوس العزاء في السودان إذا طال الجلوس من المعزين فإن المعزي لا بد وإن يعرب عن تقديره وشكره للمعزي ويرجوه أن ينصرف لشئونه الخاصة أهل المتوفي لابد وان يغمضوا اعينهم من ما قد يخطف أبصارهم من اكتساء لألوان فاقعه لاتسر الناضرين من قبل معزين مبررين بذلك بأنه لم يوجب علينا الحداد بالسواد وقد تناسوا مبدأ الاعتدال والاحساس بالآخر نلمح أحيانا وأحينا كثيرة عدم الاكتراث من قبل المعزين وتقليل من شأن المصاب وكثرة القيل والقال وكثرة السؤال (وكيف توفي وعن تقسيم الميراث وأمور خارجه عن ترك المرء ما لا يعنيه) غافلين عن خلق رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم الذي كان يجلس بوقار جلسة خفيفة وتظهر عليه معالم الحزن. أهل المتوفي ... أهل المتوفي ... يتحملوا ولابد أن يتحملوا ذللك بالاضافة مابهم من غصة الفقد وألم الشوق والحنين .. كل ذلك وأكثر وقبر حبيبنا لم يجف بعد.
مشاركة :