بعد بيروت في الدورة الافتتاحية، القاهرة هي «المدينة الأيقونية» لـ»أسبوع دبي للتصميم» في دورته الثانية. هذا المعرض الفني المرافق للحدث، يُعنى باستكشاف مشهدي الثقافة والتصميم في إحدى مدن الشرق الأوسط سنوياً. ويُقدّم المعرض فرصة للمبدعين الشباب، في عرض مدينتهم كما يرونها، بعيداً من الخطوط الحمر أو الرقابة. المتنقّل بين الأعمال، يلاحظ مدينة لا نراها في الأفلام أو الدراما، مدينة حيوية ومعاصرة، فيها كثير من الحب والإبداع. أكثر من 65 مهندساً معمارياً ومصمماً ورائد أعمال وفناناً مصريّاً، شاركوا في مشهد بصري جديد للمدينة، كل وفق رؤيته وأولوياته الفنية. أعادوا رسم القاهرة كما يحلو لهم، أو كما يحلمون بها ويتخيّلونها. «هم الذين يتقبلون عيوب القاهرة ويجعلون منها مصدر إمتاع وإلهام لإبداعاتهم، لتجسّد روح المدينة في مقارباتهم الساخرة لتلك العبثية التي تشكّل القاهرة المعاصرة»، كما يقول قيّم المعرض محمد الشاهد، وهو معماري وكاتب وباحث مقيم في القاهرة. ويعتبر المعرض في مثابة فعل تنشيطي يهدف الى تسجيل مشهد التصميم القاهري المعاصر، والى صوغ شبكة اتصال بين مبدعيها، لإدراك إمكانات هذه المدينة كمركز تصميمي على الخريطة العالمية للتصميم. واستلهم عنوان المعرض من التعبير البصري لمساكن الطوب الأحمر التي تتفاوت مراحل اكتمالها. وتعكس فكرة عدم الاكتمال التي يطرحها المعرض، الحالة الراهنة للمدينة: نظام مواصلات غير مترابط، أبنية تاريخية قيد الترميم، التوسع نحو الصحراء على شاكلة مدن موقتة غير منجزة، مدينيّة تخيّلية تترك فيها المباني غير منجزة لتجنب الضرائب، وتوجّه واضح لجعل دعامات الأبنية بارزة عند السطح أملاً بإضافة طبقات أخرى في المستقبل. وتقدّم مجموعة الأثاث التي اختيرت للمشاركة في المعرض، كل الحقب في التاريخ المصري. فـ»كرسي مصر الجديدة» لإيمان شريف من «استديو نوس للتصميم» مستوحى من جدارية فرعونية قديمة، ويوائم بين الحِرف المحليّة والأحجام المعاصرة. أما المرمر الموجود بكثرة في الكنوز الفرعونية، والذي بات مرتبطاً في أيامنا بالحلي المبتذلة التي يجمعها السيّاح، فقد صيغ بحرفية غاية في الأناقة ليشكل «طاولات قهوة» من إبداع لينا العرابي. وتجسد «دراجات العين» الابتكار والعطاء المصريين في أقصى حدودهما، فهي دراجات هوائية ذات ألوان زاهية وبناقل حركة أحادي يتمّ تصنيعها وفق الطلب في ورشة خاصة حيث تزوَّد هياكل من السوق المحلية ومقاعد من جلد الجمل من إحدى ورشات الصياغة قرب الأهرام. وتتعدد وحدات الإنارة التي يقدمها معرض «القاهرة الآن! مدينة غير مكتملة» بين الأنيق، كما في مجموعة «خام» لسلسبيل أمين التي توظّف الرخام والنحاس ووحدة «الضوء ثلاثي الأبعاد» لـ«استديو ألترا ديزاين»، والغريب كما في «الدولاب المضيء» لمحمد نبيل لبيب المصنوع من قطع الدراجات الهوائية المرمية، وقطع ديانا نجيب المصنوعة من الأنابيب المعادة التدوير وآلات فرم اللحم. أما في الملبوسات، فيقدم المعرض موضة الشارع من خلال القمصان المزركشة بعبارات من اللهجة العاميّة والأمثال والإشارات الطرقية من إبداع «استديو زفير»، إضافةً إلى الأكسسوارات التي يقدمها «استديو صدفة» عبر منتجاته من حقائب اليد المصنوعة من صناديق الصدف التقليدية أو حقائب اليد الصغيرة التي زيّنت مشابكها بالأحجار. تصميم الغرافيك ويعيد الفنان ابراهيم أحمد النظر في الطوب الأحمر، إحدى أكثر مواد البناء استخداماً وأوسعها انتشاراً في مصر، كعمل نحتي خالص، لتتبدى كل طوبة على حدة بالقساوة الظاهرية نفسها للطوب الأصلي مع فرق بسيط هو أن كلاً منها صُنِع باستخدام ما يقارب المئة طبقة من الأقمشة العالمية الموجودة في السوق المحليّة. ثمة نقص حاد في الخطوط العربية الأصيلة المتقنة والمثيرة للاهتمام، فعلى سبيل المثل، حمّل ١٤ مليون مستخدم خطّ «القاهرة» (عربي/ لاتيني) الذي أطلقه محمد جابر، مؤسس خطّ «كيف»، في ربيع عام ٢٠١٦. وعليه، عيّن محمد الشاهد القيّم الفني للمعرض المصمم أحمد حمود الذي يتولى تصميم مجلة «مشاهد القاهرة»، بغية إنجاز مطبوعات المعرض. أما الخرائط التي تقدمها «مواصلة القاهرة» وفاليري عارف وغادة والي، فتشرح بوضوح كيف يمكن تصميماً غرافيكياً محكماً أن يعقلن شبكة الطرق الفوضوية في مدينة ما، وينظم نظام النقل العمومي المعقد. وتُستكمل الخرائط بمجموعة من الملصقات البصرية التي تقدم توليفة فريدة عن كل الأشياء التي يمكن مصادفتها بدءاً بالتعليقات السياسية والمعارض الفنية وصولاً إلى الحفاظ على الخطوط التي استخدمتها المحلات القديمة لكتابة لافتاتها في وسط مدينة القاهرة. أما الوسم الدعائي فممثَّل بسلسلة من الشعارات التي أبدعها إسلام حسن لمتجر «كوتون بول» الإلكتروني، وهابي جرجس لـ «شركة النيل»، وسلمى شامل لمركز السينما البديلة «سينماتيك» في وسط مدينة القاهرة. جمع محمد الشاهد توليفة كبيرة من المعماريين والمصورين والمخططين المدينيّين والأكاديميين الذين يعملون في القاهرة على توثيق تاريخ التصميم والعمارة في البيئة المدينيّة وتطورهما. وتتضمن المجلدات الفوتوغرافية المشاركة كتاباً بعنوان «خط موجود» لنهى زايد وبسمة حمدي، اللتين عملتا على تسجيل الخطوط المستخدمة في واجهات المحال والمنازل والشاحنات والقوارب والمدارس.
مشاركة :