إنهم لا يريدون أن يسمعوا إلا ما يحبون..!

  • 10/31/2016
  • 00:00
  • 94
  • 0
  • 0
news-picture

هل نحن أمام حالة اجتماعية نفسيه ذهنية، تغيب عنها المحددات الرئيسية لقراءة العلة وأسبابها ودواعيها وعواملها لتضع حداً لكل هذا.. بينما تغرق في الإنكار كنوع من تدريع الذات بالأوهام.. لا محاولة للاكتشاف ووضع اليد على مكمن عقدة التوقف والتراجع والإخفاق؟! في التكوين البشري ثمة نزعة للتمسك بالأمل وانتظار القادم الأفضل.. مهما كانت الظروف حالكة والأوضاع صعبة والمؤشرات محبطة. إلا أن تلك النزعة قد تكون ضارة إذا ما سيطرت أوهام الأمل دون تبين مؤشرات الوهن والتراجع مع العجز عن المبادرة في إصلاح ما يمكن إصلاحه. جربوا أن تختبروا تلك النزعة، والتي لا يمكن فصلها بحال عن التكوين الذهني للمتلقي، والتي تبدو أحيانا ذات شيوع يشكل جزءا لا يستهان به من العقل الجمعي... جربوا أن تختبروها في جمع صغير أو كبير.. فرادى أو مجتمعين.. لتروا كيف تبدو ملامح الانصراف والامتعاض والإشاحة عندما يكون حديث نذر وترقب للاسوأ.. وجربوها عندما يكون حديث بشائر واستسهال وإغراق بالأماني التي تتساقط من الأفواه بلا حساب. بين التشاؤم والتفاؤل مسافة لا تستغرق من كثيرين محاولة الفحص أو الاكتشاف. بين التحسب للقادم الأصعب والتحديات الكبيرة، وبين استرخاص الأحلام لتجري سراعاً على ألسنة المستغرقين بالأوهام حينا، والمتفائلين بلا حساب أحيانا أخرى.. الشخصية المتشائمة، أمر آخر.. ربما كان هاجسا طاغيا وقد يكون مرضا متأصلا في طبيعتها وتكوينها وتجاربها المريرة.. أما عندما تكون ملامح النذر أمام العيون لا تتوراى، ومخاطر التحديات أمام العقول النابضة بالحياة لا تتخفى ولا تتجمل.. فمن يراه تشاؤما انما يخدع نفسه باجترار الأوهام. وكذلك الشخصية المتفائلة بلا حدود.. وإن كان التفاؤل بالخير سمة المؤمنين، إنما فهم البشر لهذه المسألة يطاله تعويم كبير واستسهال واسع.. فالتفاؤل سمة خير مناطها العمل أيضا والاكتشاف والبحث والتدبر والسعي.. ليأتي التفاؤل بالخير بعد بذل الجهد وإتقان العمل.. لا أن يكون مجرد أوهام يسوقها البعض باسم التفاؤل، دون إدراك لسنة الله في كونه وخلقه التي لن تتبدل لخاطر العاجزين والقاعدين والمسترخين تحت أبواب أو أوهام التفاؤل.. وهم يرون المخاطر تحدق بهم. ومن قرأ وتابع وراقب آثار عاصفة الثامنة.. ربما يتلمس معنى عابرا كهذا وربما يطوي ذلك الملمح الغبار الكثيف. وسأتوقف عند مسألة محددة أثارت سجالا تويتريا عارما، وذلك حول ما قيل عن حالة الإفلاس بعد عدة سنوات إذا استمر الإنفاق بذات المستويات السابقة.. للمراقب ان يكتشف ردود الأفعال الطاغية. لقد كانت حالة إنكار، ورفض واسع.. والركض الطويل باتجاه السخرية.. ألا تعبر ردود الفعل تلك عن عقل لا يتصور ولا يتخيل أنه أمام تحديات كبرى تصل إلى مستوى العجز.. إذا استمر الوضع كما هو عليه لبضع سنوات؟! لم تكن هناك محاولة جادة لقراءة المشهد بحسبة العارفين بأوضاع الاقتصاد ومستويات الإنفاق والهدر والاستنزاف.. الجملة الغالبة في ردود الأفعال تهوين واستغراق في أحلام الوفرة التي ستعود!!.. دون محاولة فهم واكتشاف ومساءلة الإخفاق ذاته، والدواعي والأسباب والممارسات التي قادت إلى وضع مثل هذا..!! حالة الإنكار كانت أوسع من حالات قليلة تتساءل لماذا وصلنا إلى هذا الوضع؟ من خلف تلك الحالة التي يمكن أن تقود بلدا يملك كل مقومات الوفرة الى حافة البحث عن الوسائل المناسبة وغير المناسبة من أجل تجاوز أزمته المالية.. لم يتساءل المتندرون والمكذبون عن الأسباب التي تدفع مسؤولا لمثل هذا التصريح الخطير.. لم يطلب أحدهم استعادة هذا المسؤول لمزيد من التواصل مع جمهور متعطش للاكتشاف.. لم يتوقف الكثيرون عند ملامح تلك الأزمة المالية.. وارتموا في أحضان أمنيات الاحتياطات المالية والبترول الكامن في باطن الأرض.. لم ير أحدهم ان ثمة خللا كبيرا ومرضا مزمنا أوصلنا إلى هذا المستوى، ولابد أن الوقت قد حان لوضعه على بساط البحث والتقدير والتقويم بديلا عن محاولة الإنكار والاستغراق في أوهام الوفرة. المنطق كان يحتم أن يقدم هذا المسؤول دفوعاته عما قاله، لا أن يتراجع عما قال إرضاء لسخط شارع يحب أن يعيش في غيبوبة الأحلام الوردية وحديث الأزمة العابرة!! والحق كان يستدعي أن تدرس وتبحث هذه الحالة التي لا تعبر عن موقف ظرفي سيمضي لنعاود تلقى الدروس القاسية دون تصحيح حقيقي لمسار الثروة والإنفاق والمساءلة والمحاسبة والشفافية الغائبة. إذن هم لا يحبون أن يسمعوا إلا ما يريدون.. وتلك معضلة نفسية/ذهنية إذا لم يتم التخلص منها لصالح وضع الحقائق تحت الأضواء الكاشفة، سنظل ندور في حلقات مفرغة بين الغموض والتشكيك. بينما الاعتراف بالخلل سيكون أول خطوة نخطوها لإصلاح ما يمكن إصلاحه. ومن يتولى المسؤولية يجب أن يخرج للناس ليكشف لهم الحقائق، لا أن تكون مجرد رسائل في ظروف صعبة. أليس الإنكار نوعاً من الهروب الجماعي من مواجهة الأزمات؟ وبغض النظر عن نوع الإفلاس أو درجته أو مفاهيمه.. فهناك مشكلة رئيسية في تدبير الاقتصاد الوطني لابد من العمل على مواجهة آثارها أولاً، وثانياً، اعتماد بناء جديد يرسم ملامح للمستقبل لا أن تكون المسألة مجرد تسكين أزمات.. ربما تضع الجميع يوما في مهب الريح. هل نحن أمام حالة اجتماعية نفسيه ذهنية، تغيب عنها المحددات الرئيسية لقراءة العلة وأسبابها ودواعيها وعواملها لتضع حداً لكل هذا.. بينما تغرق في الإنكار كنوع من تدريع الذات بالأوهام.. لا محاولة للاكتشاف ووضع اليد على مكمن عقدة التوقف والتراجع والإخفاق؟!

مشاركة :