أموت وأعرف بقلم: رابعة الختام

  • 10/31/2016
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

البعض ممن يبدون استعدادهم للموت -فقط- من أجل معرفة ما لا يعنيهم، هم أنفسهم لا يتحملون فضول وتطفل غيرهم على حياتهم. العربرابعة الختام [نُشرفي2016/10/31، العدد: 10441، ص(21)] أموت وأعرف، مقولة عفوية نرددها واصفين حالة الفضول القصوى التي تعترينا وترفع درجة الاستعداد والتأهب لسماع أخبار ربما تكون معادة أكثر من مرة، وربما يكون لها من الخصوصية والذاتوية ما يجعلها ملكا لأصحابها دون غيرهم، وتعدّ كهفا لا يمكن الدخول إليه، نتوق إلى معرفة أخبار العالم؛ سياسة، اقتصاد، فن، رياضة وأحوال البشر من فنانين ورياضيين، الخلاصة أن الفضول الذي يقتلنا لا يترك لنا خيارا، فإما المعرفة وإما لا شيء. ولكن لماذا نبالغ في الأمر قائلين “أموت وأعرف” وهل المعرفة تساوي الحياة وتستحق أن نموت من أجلها، ثم ما جدواها إذا متنا وأغلقت الحياة أبوابها في وجوهنا، وهل الحياة ذاتها تصلح ثمنا لشيء أو مهرا له حتى وإن كان له من الوجاهة والتقدير ما له، في نظري إن المعرفة والتعلم هما أصل الحياة ولا حياة من دونهما، ولكنها المعرفة التي تستحق أن نبذل فيها العمر أو نموت من أجلها، المعرفة التي نغامر لأجل عيونها ونمهرها العمر ولا نبخل، تلك المعرفة التي سافرت خلفها أول عالمة ذرة مصرية الآنسة، سميرة موسى والتي لقبت بميس كوري الشرق، ودفعت حياتها ثمنا للمعرفة والعلم اللذين حصلت عليهما، وليس الفضول القاتل والتدخل في خصوصيات الغير واللهث وراء تفاصيل لا تعني غير صاحبها، ودسّ الأنف في حياة الآخرين سواء كانوا شخصيات عامة أو بالأحرى كانوا بشرا عاديين لا ذنب لهم، سوى أن أقدارهم ألقت بهم في حياة هؤلاء المتطفلين، أعتبر هذا التطفل نوعا جديدا من اللصوصية وهي لصوصية التقاط أخبار حياة الناس. ومن الأمثلة التي يسوقها من ضاق ذرعا بالمتطفلين في محاولة يائسة لصدّ تطفلهم “الفضول قتل القطة”، ويعتقد البعض أن القطة دفعت عمرها ثمنا لفضولها ومحاولتها للمعرفة، ولكن الواقع أن العالم الفيزيائي شرودنغر الذي وضع قطته في صندوق به عبوة متفجرات كافية لقتل القطة، هو من يملك هذا الفضول للمعرفة؛ فقد وضع قطته في هذا الموقف، وظل الصندوق مغلقا، وكان هناك احتمالان حسب نظرية شرودنغر إن لم يفتح الصندوق؛ فالأول أن تموت القطة عن طريق المتفجرات أو الغاز السام بنسبة 50 بالمئة، والثاني وهو بنفس النسبة، أن تظل القطة حية. وهذا الفضول بالطبع لم يكن فضول القطة بل كان فضول الباحث ذاته وبشكل أشمل هو فضول الجنس البشري عموما والذي يدفع البعض إلى المخاطرة بحياته، ولحسن الحظ أنه لم يدفع شرودنغر إلا إلى المخاطرة بقطته فقط. بداية ظهر المثل “القلق سيقتل القطة” في مسرحية إنكليزية للكاتب البريطاني بن جونسون، وشارك بالتمثيل فيها شكسبير، والمثل بألفاظه الحالية لم يكن معروفا إلا حين استخدمته صحيفة الواشنطن بوست عام 1916. الفضول أصبح آفة الكثير من البيوت، وللأسف بعض الأسر تساعد أبناءها عليه وتنميه في عقولهم بالسماح لهم بالتدخل السافر في الخصوصيات والإغراق في التفاصيل، لا أتفق مع الرأي الذي يتهم النساء بالفضول والتطفل على حياة الغير، فالجميع متهم بالفضول، ولا أبرّئ أحدا، نحن بحاجة ماسة إلى ثورة أخلاقية تعيد ترتيب مفاهيمنا. خلاصة الأمر أن البعض ممن يبدون استعدادهم للموت -فقط- من أجل معرفة ما لا يعنيهم، هم أنفسهم لا يتحملون فضول وتطفل غيرهم على حياتهم، إنهم يحافظون على خصوصياتهم ويفترشون خصوصيات الغير على قارعة الطريق. كاتبة من مصر رابعة الختام :: مقالات أخرى لـ رابعة الختام أموت وأعرف, 2016/10/31 طلاق في الخريف, 2016/10/24 من هو كاتبك المفضل, 2016/10/17 أحب زوجة أبي, 2016/10/10 في بيتنا مطلقة, 2016/10/03 أرشيف الكاتب

مشاركة :