ما بين الاحترام والإهانة شعرة واحدة، وبين الاهتمام والتدخل السافر الجالب للمشكلات شعرة دقيقة، وكذلك بين الحب والحرب حرف واحد على الزوجين الواعيين حذفه من حياتهما. العربرابعة الختام [نُشرفي2016/11/07، العدد: 10448، ص(21)] ذهبت إلى النادي الرياضي يوم عطلتي لأغسل عقلي المشحون، وأعيد شحن بطاريتي الداخلية استعدادا لأسبوع آخر من العمل، كانت روحي المجهدة تتوق إلى جلسة استجمام استمتاعا بشمس الشتاء المتدللة علينا في مثل هذه الأيام، واقتربت من مجموعة نساء تجمعني بهن صداقة محايدة، وبعض المجاملات، فإذا بهن يجلسن في إنصات شديد لفتاة عشرينية تتحدث بانفعال متقمصة دور الضحية كما يجب أن تكون، وفي شبه حلقة لا تسمح باختراقها أفسحن لي مكانا يغلقها تماما ومقعدا صغيرا، قائلات “اجلسي، سارة لديها مشكلة مع خطيبها”، وإذا بالفتاة تقص أسرارا لا يجوز الخوض فيها وتعمد إلى تجريح الشاب وأهله وخاصة والديه اللذين ما انفكت تذكرهما في كل جملة مفيدة، وتنعتهما بأبشع الألفاظ وأسوأ التوصيفات، والنسوة يشجعنها على التمادي في الحكي. شعرت بشيء من الخجل إذ كيف لي السماح لنفسي بسماع خصوصيات أسرة كل ذنبها أنها دخلت إلى بيت هذه الفتاة الرعناء طالبة يدها للزواج بابنهما المفترى عليه، حقيقة هي من فرضت أسرارها علي واقتحمتني، وحقيقة أنني أستمع للكثير من المشكلات النسائية، لكنني لم أستسغ مشهد جلسة المحاكمة العلنية، ولا لعب الفتاة لدور الضحية، ولا التجمع النسوي الباهت هذا، فربما كان أفضل لو قصت الفتاة مشكلتها على أذن إحداهن فقط وطلبت منها المشورة. أما أن تقص قصة وهمية مفعمة بالتفاصيل التي لا يجوز الخوض فيها، وتكذب لتجمل نفسها ثم تعيد الكذب لتشويه صورة من سيكون زوجها وأهله فهذا ما أرفضه بشدة، إذ كيف لها أن تلوث الشاب بهذه الطريقة القبيحة حتى لو لم تكتمل الزيجة، كما أن لكل امرأة من الجالسات رؤية مستقلة ووجهة نظر تجذب الفتاة للأخذ بها والعمل عليها كوصفة طبيب، والعجب كل العجب أن كل واحدة منهن حياتها مدمرة ولديها من المشكلات ما يحتاج إلى جلسات إرشاد نفسي. الغريب أن جميع النسوة الجالسات على مقاعد النصيحة مزقن الشاب ونصحن الفتاة بعدم الاستسلام لأفكاره، ومعاملة أهله بدونية وفوقية حتى لا تبدو لهم “لقمة سائغة”، بعد عشرة أيام التقيت الفتاة صدفة وقد فسخت خطبتها بعد خلاف مع الشاب وأهله وصل إلى التشابك بالأيدي وتبادل الإهانات. التدخل الخارجي من قبل الأهل والأصدقاء في حياة الخطيبين أو الزوجين من شأنه أن يحوّل الخلاف العادي والمشكلة الهامشية إلى صراع ومسألة كرامة قد تهدد الاستقرار الأسري في حد ذاته. والحل بسيط، فعلى عاتق الاثنين معا تقع مسؤولية الحفاظ على أسرار البيت وعدم البوح بها للقريب وبالأحرى للغرباء، حتى لا يصبون الزيت على النار ويؤججون الخلاف فتزداد الهوة وتقع الفرقة في البيت الواحد، فلهما وحدهما القدرة على حل الخلافات داخل جدران المنزل ولا تخرج عنه إلا إذا فشلا في الحل، ويجب أن ينتقيا الشخص المناسب القادر على تخطي المشكلة بعقلانية ونضج وعدم هدم البيت لأي سبب مهما كان، مع الحفاظ على كرامة الطرفين. وحسب نظري إن تدخل الغير في المشكلات لا يحلها في الكثير من الأحيان وإنما يفاقمها لأن كل طرف يعمل على تجميل صورته أمام الآخرين مستخدما أساليب متعددة منها؛ لعب دور الضحية وإظهار الطرف الآخر بصورة قد تكون أقرب إلى الحقيقة أحيانا، ولكنها كثيرا ما تكون مبالغا فيها لكسب تعاطف الآخرين، كما تزيد البعض من المشكلات الفرعية القابلة للحل بالقبلة والابتسامة، ولكن التدخل يسلط عليها الضوء ويبرزها فيزداد الموقف سخونة وتتحول المشكلة البسيطة إلى قضية، ويجب كذلك عدم مناقشة المشاكل أثناء الغضب حتى لا يخطئ أي من الطرفين في حق الآخر. ما بين الاحترام والإهانة شعرة واحدة، وبين الاهتمام والتدخل السافر الجالب للمشكلات شعرة دقيقة، وكذلك بين الحب والحرب حرف واحد على الزوجين الواعيين حذفه من حياتهما. كاتبة من مصر رابعة الختام :: مقالات أخرى لـ رابعة الختام للبيوت أسرار, 2016/11/07 أموت وأعرف, 2016/10/31 طلاق في الخريف, 2016/10/24 من هو كاتبك المفضل, 2016/10/17 أحب زوجة أبي, 2016/10/10 أرشيف الكاتب
مشاركة :