ربما تكون واقعة إياد مدني، سببا في تغيير الرؤية السلبية التي تحملها الحكومة المصرية حول مواقع التواصل الاجتماعي، وعاملا يدفعها إلى الحذر والتريث في سن قوانين، تجعل من الرواد الإلكترونيين خصوما دائمين لها. العربمحمد أبو الفضل [نُشرفي2016/10/31، العدد: 10441، ص(9)] كل من شاهد وسمع وقرأ عن مواقف المسؤولين في مصر من مواقع التواصل الاجتماعي، تأكد أنها أصبحت هدفا، لما تمثله من إزعاج للكثيرين، وأصبحت صورتها سيئة، ولو طال أغلبهم المغردين والمعلقين والرواد، لفصلوا رؤوسهم عن أجسادهم.وانتقل الصراع، بين الحكومة المصرية، ومعظم مستخدمي مواقع التواصل، إلى مطاردة يومية، وتحولت التصريحات غير الموفقة من قبل الفريق الأول، إلى مادة للسخرية لدى الفريق الثاني، ووجد فيها جمهور عريض مادة خصبة للانتقام من الحكومة، التي تسببت سياساتها في موجة من الغلاء ألهبت جيوب قطاع كبير من المواطنين. كشفت النقاشات التي دارت في المؤتمر الأول للشباب في مدينة شرم الشيخ الأسبوع الماضي، حجم الاحتقان بين الجانبين، بل وارتفاع درجة التربص، وظهر أن هناك سوء فهم، بلغ حدّ معاقبة من يسيء استغلال مواقع التواصل، الأمر الذي يتسق مع خطوات سابقة اتخذتها وزارتا العدل والداخلية لحض العاملين فيهما على عدم الاقتراب من تويتر وفيسبوك وإنتسغرام، وعدم التعليق على قضايا عامة، ناهيك عن الترتيبات التي تعد حاليا بشأن إصدار تشريع يقنن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي بشكل عام. في كل الأحوال، كان الاتجاه العام الرسمي في مصر معبأ ضدها، لكن ما حدث يوم الجمعة الماضي، قد تنتج عنه تداعيات إيجابية، حيث انهال عدد كبير من رواد التواصل، من مصر والسعودية وتونس، تقريعا للدكتور إياد مدني أمين عام منظمة المؤتمر الإسلامي، بسبب تهكمه غير اللائق على الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، في اجتماع لـ“الإيسيسكو” عُقد في تونس. مع سخونة الحملات التي دشنت، دون تخطيط مسبق، وشارك فيها عدد كبير من معارضي الرئيس السيسي، اضطر مدني بعد ساعات قليلة، وهو سعودي الجنسية، وشغل منصب وزير الحج في بلده، إلى تقديم اعتذار عما بدر منه في تونس، ولم تهدأ العاصفة التي شنت عليه، وجرى تقديم احتجاج من قبل وزارة الخارجية المصرية لدى منظمة المؤتمر الإسلامي. كان من الممكن للحملة أن تأخذ اتجاها أشدّ تصعيدا، انتقاما من مدني، لكن لأسباب دبلوماسية حاولت القاهرة عدم الانسياق وراء دعوات التحريض السياسية، خشية أن تتجدد الأزمة بين القاهرة والرياض، والتي شهدت خلال الأيام الماضية قدرا من الهدوء، وحتى الرد الذي قام به وزير التعليم المصري أمام مؤتمر الإيسيسكو، جاء هادئا دون أن يتطرق إلى شخص أو جنسية مدني بناء على نصيحة صدرت من وزارة الخارجية المصرية. الدروس السياسية والإعلامية التي خلفتها، واقعة الرد على إياد مدني، من جانب رواد مواقع التواصل الاجتماعي، ودفاعهم عن الرئيس المصري، كثيرة ومتنوعة، وقد تستوجب إعادة النظر في الاتجاه نحو التضييق عليهم، ليس لأن هناك صعوبة حقيقية في القيام بهذا الدور، لاعتبارات فنية وإلكترونية، لكن لأن هؤلاء يمكن الاستفادة منهم، كقوة ناعمة جديدة، حتى لو بدا قطاع كبير منفلتا إعلاميا، فمن السهل إصدار إجراءات تقنن التعامل، غير أنه من المستحيل فرض قيود صارمة، تُلغي الحرية المتاحة حاليا. ولأن ميزة مواقع التواصل تكمن في تلقائيتها، ويتوقف ارتفاع وانخفاض الاقتراب من المحرمات على درجة الثقافة والتعليم والتحضر، فلم نسمع عن دولة متقدمة حظرتها، لكن هناك دولا أصدرت تشريعات، ساهمت في ضبط ما يتصور البعض أنه انفلات إعلامي، وجميع الدول التي فرضت قيودا مجحفة، ذات تاريخ عميق في التضييق على الحريات، ولم تسلم من الانتقادات المحلية والخارجية. ربما تكون واقعة إياد مدني، سببا في تغيير الرؤية السلبية التي تحملها الحكومة المصرية حول مواقع التواصل الاجتماعي، وعاملا يدفعها إلى الحذر والتريث في سن قوانين، تجعل من الرواد الإلكترونيين خصوما دائمين لها، فالتجربة أثبتت أن هناك إمكانية لتوظيفهم بصورة إيجابية، وأنهم سلاح له وجه آخر غير تقليدي، أو عكس ما يحاول البعض الترويج له، من أن الجميع منفلت وغوغائي، ويتصرف بلا ضوابط. إذا كانت توجد شريحة ليست هينة، تستغل مواقع التواصل كمنصة للتشهير وإثارة البلبلة واللغط والابتزاز وتوسيع حجم الارتباك والأزمات، هناك شريحة أخرى، يمكن أن تلعب دورا مؤثرا، يتناسب مع مقتضيات العصر، فالحكومة المصرية التي فشلت في الرد على الانتقادات التي تتعرض لها من وسائل إعلام كبيرة، يستطيع المغردون أن ينقلوا رؤية مناهضة للتقارير السلبية التي تبثها أو تنشرها هذه الوسائل، شريطة أن تستند إلى حقائق وأسس علمية صحيحة، وتنشئ الحكومة جهازا مهمته المتابعة الدقيقة لما يتردد على مواقع التواصل، ومحاولة تقديم رؤى موضوعية، تعكس الواقع الفعلي، وليس الخيالي. العملية ليست سهلة بالطبع، لأنها تتطلب انفتاحا، وقدرة على استيعاب الدور الذي تقوم به التكنولوجيا الحديثة، وإيمانا بصعوبة الحجب والمنع، ومهما كانت القوة البشرية والإلكترونية، فالعالم أصبح مفتوحا على مصراعيه، يصعب أن تضع قيودا أو حواجز على المنخرطين في طقوسه الدقيقة، وقد تتمكن من السيطرة نسبيا على روادك المحليين، لكنك سوف تسهم عن غير قصد، في زيادة الرواج للأساليب غير التقليدية من الداخل، ناهيك عن الذين يعيشون بعيدا عنك، وبالتالي تفتح مجالا للتحايل، يكون مقدمة لمضايقات أشدّ وطأة. المفردات التي تتعامل بها الحكومة المصرية مع مواقع التواصل، بحاجة إلى تغيير يتناسب مع القواعد المعمول بها في هذا الفضاء، فلا يمكن أن تخضعه لمقاييسك الجامدة التي عفا عليها الزمن، لكن بسهولة تستطيع أن تتعامل معه وفقا لمقاييس العصر، فهل يمكن أن تُخضع جيلا بأكمله، درج على التمرد ورفض الانصياع للأوامر، ولمعايير أضحت بعيدة عنه؟ مهما كانت النتائج السياسية التي خلّفها تجاوز إياد مدني، فهي في النهاية، ألقت الضوء على وجه كان غائبا عن ذهن الحكومة المصرية، إذا انتبهت إليه جيدا يمكن أن تتحول مواقع التوصل من عدوّ إلى صديق، وتجعل منها سكينا تواجه به خصومها، الذين نجحوا في جرّها إلى مربع، فرض عليها التفكير في أساليب لا تتواءم مع مقتضيات العصر الراهن. كاتب مصري محمد أبو الفضل :: مقالات أخرى لـ محمد أبو الفضل مواقع التواصل والنظام المصري, 2016/10/31 أزمة فتح مع مصر, 2016/10/24 الحوار المطلوب بين مصر والسعودية, 2016/10/17 البشير.. قدم مع الحوار وأخرى في الحرب, 2016/10/10 خطة تمويه شاملة لإعادة تسويق الإخوان سياسيا , 2016/10/03 أرشيف الكاتب
مشاركة :