الإعلام المصري مطية سياسية للسودان بقلم: محمد أبو الفضل

  • 1/8/2018
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

صناعة أزمة كبيرة من خبر نشر في مصر أو كلام سلبي تفوه به إعلامي، من سمات الأنظمة الضعيفة، وتنم عن رغبة جامحة في التغطية على قضايا حيوية، يخشى هذا النظام مواجهتها.العرب محمد أبو الفضل [نُشر في 2018/01/08، العدد: 10863، ص(9)] الأزمات التي تتراكم بين مصر والسودان متشعبة وتشمل مجالات مختلفة، دوافعها وأسبابها متباينة، القاسم المشترك بينها هو الإعلام المصري، فكلما امتعضت أو تذمرت الخرطوم نجد أنها تستند إلى ما يتردد في الإعلام بشأن انتقادها لتبرير مناكفاتها السياسية لمصر. أسماء بعض مقدمي البرامج والصحافيين والكتاب أصبحت محفوظة في السودان، ربما أكثر من مصر، لأن هناك تركيزا على كل ما ينشره أو يبثه هؤلاء، والتعامل معه باعتباره يعبر عن موقف سياسي، ويتم النفخ فيه، والاعتماد عليه لتفسير أي تصعيد سوداني مفتعل. المثير أن هؤلاء تحولوا إلى ذريعة لصب الغضب على الشعب المصري، وتجاهل أنهم يعبرون عن أنفسهم وتوجهاتهم ومحدودية ثقافتهم ووسائل الإعلام الخاصة التي ينطلقون منها، وبعضها يملكها رجال أعمال لا يريدون الهدوء والاستقرار للنظام المصري، كما أن المسؤولين في مصر والإعلام الرسمي بأطيافه لم يتعرضوا (تقريبا) أو يضبطوا بتهمة نقد السودان، حكومة وشعبا. المتابعة الدقيقة لوسائل الإعلام التي تعبر عن موقف الدولة، تؤكد أنها تخلو من توجيه انتقادات للسودان، على العكس هناك تعليمات تصدر لها بتجنب التعرض لما يجري في جنوب الوادي، إلى درجة أن بعض الأصدقاء اشتكوا من تجاهل ذكر بلدهم في بعض الصحف الكبيرة (الرسمية) بمصر. ليس الهدف من هذه الإشارة نفي تهمة التوجيه الرسمي لوسائل الإعلام الخاصة، وأعرف أن ثمة إعلاميين يجتهدون خطأ في قراءة بعض الأحداث، كل حسب مروحته الثقافية، ربما يكون بعضها عبر تلقي تعليمات مباشرة من مسؤول صغير، لكن في النهاية تحرص القاهرة على عدم الدخول في مهاترات ومنح بعض قوى المعارضة الإسلامية حجة لإشعال فتيل النيران في العمود الفقري للعلاقة مع السودان. معروف أن الحكومة المصرية تملك معلومات وفيرة عن علاقات سرية تربط النظام السوداني بقيادات إسلامية متهمة بارتكاب جرائم عنف والتحريض عليها، ولم يتم الحديث عنها في العلن، مع ذلك أصبح الإعلام المصري أداة لتحميل الحكومة أعباء سياسية. الحاصل أن الكثير من المواد التي تذاع وتبث وتنشر من خلال الإعلام، تحولت إلى مادة دسمة للكثير من القوى المعادية لمصر، ويتم توظيفها في غير سياقها الأصلي، لتحقيق أهداف سياسية، وبرعت جماعة الإخوان المسلمين في هذه المسألة. الإعلام المؤيد للجماعة، في تركيا وقطر والسودان، يكاد يقوم بالمهمة، ومن يراقب العلاقة يجد بسهولة أن بعض البرامج تعتمد على ما يدور في الإعلام المصري، بلا تفرقة بين الجاد والهزلي فيه، أو الرسمي والشعبي، وأدى الخلط إلى أزمات سياسية كثيرة. أعلم أن خريطة الإعلام في مصر معقدة، وقد يستعصي فهمها على البعض، بسبب التداخل بين المستويات الرسمية والشخصية، والعام والخاص، والمهني والساذج، والمؤيدين والمعارضين ونفوذ هؤلاء وحدود هؤلاء، وما إلى ذلك من تشابكات صعبة. هناك قراءات متعسفة تقوم بها بعض الدوائر لدواعٍ سياسية، فما يقوم به مسؤولون في السودان ووسائل إعلام تابعة للنظام يشبه، إلى حد كبير، المنهج الذي تتبعه جماعة الإخوان لمعارضة النظام المصري، تضخيم وتسليط أضواء على قضايا وملفات وأشخاص، بعضها حقيقي وأغلبها مزيف. الهدف هو الاستفادة مما يتطرق إليه الإعلام بشأن السودان، وتنتشر كتائب إلكترونية عديدة تلتقط طرف الخيط في حدث ما، ثم تقوم بالترويج له، وتتناقله وسائل أخرى وتتعامل معه على أنه حقيقة كاملة، وعندما ينكشف الخطأ لا يتم التصحيح، وتترسخ الصورة أو الكلمة الأولى في وجدان الشعب، وتتكرس عقدة تاريخية مُتخيلة راجت حيال نظرة مصرية فوقية للسودانيين. الأزمات التقليدية التي تثار من حين لآخر بين البلدين، بحاجة إلى مبرر لتفجيرها عندما تريد الخرطوم توصيل رسالة للقاهرة، سواء من نفسها أو بتحريض من آخرين. في الحالتين يكون الإعلام رأس الحربة، لأنه موثق ومعلوم، ولا يتم الاهتمام بقيمة المصدر المنقول عنه، المهم يكون مصريا، بعدها تتوالى الشوشرة والصياح. في معظم المواقف التي جرى فيها التصعيد لم تتكفل الحكومة المصرية بالرد، وتكتفي برسائل توجه، بشكل مباشر أو غير مباشر من قبلها، والحقيقة أنها لم تبادر بتوجيه انتقادات للسودان، وإذا حصل، وهذا من النادر، يكنْ ضمن سياسة رد الفعل. لدى قطاع كبير من المهتمين بالشأن السوداني قناعة تزايدت بمرور السنوات، أن النظام الحاكم في الخرطوم منذ حوالي 30 عاما يتسم بانتهازية عالية، وهي سمة الأنظمة ذات التوجهات العقائدية، لذلك يرتبط التوتر مع القاهرة باللحظة السياسية، بمعنى يحرص الرئيس عمر حسن البشير على الاقتراب من مصر عندما يكون ضعيفا ومساحة المناورة أمامه ضيقة، والعكس صحيح. التصعيد اللافت مؤخرا ارتبط بارتفاع التعاون بين الخرطوم وكل من أنقرة والدوحة، وزيادة الهوة بين العاصمتين الأخيرتين والقاهرة، وهو مفهوم في سياق الخلافات التي تجذرت معالمها في السنوات الماضية. في الوقت نفسه لا يتوانى النظام السوداني عن مضايقة مصر سياسيا، كلما اشتدت أزماته الداخلية، لتوجيه الأنظار عن الرئيس البشير، ولن يجد ميراثا يساعده أفضل من الميراث السوداني القاتم مع مصر، ومحاولة إقناع المواطنين بوجود استهداف لبلدهم، وتحويل غضبهم إلى زاوية مختلفة، فالخرطوم بحاجة دائمة إلى عدو خارجي. وبالتالي هناك حاجة ماسة إلى ما تروجه بعض وسائل الإعلام المصرية من تخرصات وانتقادات، ولو صمتت تماما لقلق النظام السوداني، وبحث عنها جديا، فقد دأب على وضع يده على أدوات يسوّق بها هجومه ضد القاهرة، ويجد في عدم مهنية وغطرسة بعض الإعلاميين منفذا لتفريغ طاقة سياسية مكبوتة، يرى أنها كفيلة بالإيحاء بأنه قوي، وتمنع تفجير مشكلات تحرجه. صناعة أزمة كبيرة من خبر نشر في مصر أو كلام سلبي تفوه به إعلامي، من سمات الأنظمة الضعيفة، وتنم عن رغبة جامحة في التغطية على قضايا حيوية، يخشى هذا النظام مواجهتها. ولأن النظام السوداني يمتنع عن الحديث صراحة عن علاقته بجماعات إسلامية متهمة بالإرهاب، يجري خلف ما يروجه إعلامي مصري غير مسؤول، ولأن الخرطوم لا تريد البحث جديا في ما يدور عمليا في منطقة حلايب تلجأ إلى الضوضاء، ووضع القضية في خندق المؤامرة، لذلك من مصلحة السودان أن يظل الإعلام المصري مطية سياسية. كاتب مصريمحمد أبو الفضل

مشاركة :