الجزيرة.. منبر إعلامي حر يخيف أنظمة الاستبداد

  • 11/1/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

بقلم : صالح بن عفصان العفصان الكواري(رئيس التحرير) .. كان يوم الثاني من شهر نوفمبر عام 1996، تاريخاً فاصلاً في مسيرة الإعلام بالوطن العربي وعلى المستوى الدولي عامة، ذلك هو اليوم الذي انطلقت فيه قناة الجزيرة الفضائية من قطر، مؤرخة لمرحلة جديدة عنوانها "الإعلام الحر والمسؤول والجاد" بعيداً عن إعلام النفاق والسلطة والتدليس والأجندات الخاصة الذي كان سمة بارزة لمعظم الأجهزة الإعلامية الرسمية وغير الرسمية في وطننا العربي الكبير. عشرون عاماً مضت منذ ذلك الوقت ولاتزال "الجزيرة" في أوج شبابها وعنفوانها، تمضي غير آبهة بما يقوله عنها أعداء النجاح، تسير بثقة وبثبات دون التفات، على طريق الريادة والمجد، بنجاحات مشهودة لم تحققها أي وسيلة إعلامية على وجه الأرض، بشهادة أعدائها قبل محبيها. نجحت "الجزيرة" لأنها كانت منذ ولادتها وستظل كذلك، صوت من لا صوت له ومنبر من لا منبر له، لا تحيد عن رسالتها ومبادئها وخطها المهني الذي رسمته لمسيرها منذ انطلاقتها الأولى. نجحت "الجزيرة" لأنها مثلت صوت الشعوب المقهورة والمغلوبة على أمرها، تدافع بكل قوة وصلابة عن البسطاء، تنتصر للضعيف والمظلوم، وللحق، وتقف ضد الأنظمة السلطوية والدكتاتورية التي تمتص دماء شعوبها وهي تتربع على جثثهم، وتحكم من على أشلائهم. نجحت "الجزيرة" بفضل مهنيتها والثقة التي اكتسبتها من جمهور المشاهدين، فدخلت البيوت والقلوب من دون إكراه، فكان أن تعلق بها الكبير والصغير، لمصداقيتها ولتعدد برامجها وغزارة إنتاجها، فتوسعت، لتصبح شبكة إعلامية متكاملة تستجيب لشتى الأذواق، وهي تواكب كل حديث وجديد في عالم التقنية والاتصال، ترقية لخدماتها وإرضاء لجمهورها العريض الذي جعلته في قلب الأحداث. نجحت "الجزيرة" كقناة فضائية عالمية، لأن المواطن العربي والمشاهد في أي مكان، وجد فيها ضالته بالصورة والصوت، ولكن أيضاً بالصدق وبالمهنية، فكانت "الجزيرة" حضوراً بالميدان في أي حدث، لا تصنعه، ولكنها تغطيه وتنقله للمشاهد بنزاهة وموضوعية وبالسرعة المطلوبة. كم هائل من الأحداث التي انفردت "الجزيرة" بتغطيتها وأصبحت المصدر الأول والرئيس لأخبارها، سواء في أفغانسان أومصر أو اليمن وفي العراق وسوريا وفي أفريقيا وأحداث الربيع العربي بكل تفاصيلها، وغيرها من مستجدات الأحداث العالمية، فانتشارها الواسع، دفاعاً عن الإنسان بحكم إنسانيته، هو أيضاً من أسباب الريادة والسمعة الطيبة التي اكتسبتها، ما أسهم أيضاً في فوزها وحصدها لعدد وافر من الجوائز الدولية المرموقة تقديراً واعترافاً بدورها ورسالتها التي تؤديها بمهنية وموضوعية. كثيرة هي القنوات الفضائية التي تتزاحم في السماوات المفتوحة، لكن "الجزيرة" تختلف عنها، رسالة ومحتوى، لأنها قناة جادة، صادقة وغير منحازة، ذات برامج هادفة، غير دعائية وغير سطحية، فأحدثت بالتالي هذا التحول الكبير لدى المواطن العربي من حيث وعيه الفكري والسياسي والاجتماعي والثقافي والحضاري، وبالأحرى مثلت "الجزيرة" ثورة غير مسبوقة في الفضاء الإعلامي بكل مسمياته، وتخطت بكل نجاح رسالتها الإعلامية لتصبح أداة تثقيف وتعليم وحوار ومرجعية للكثير من أحداث التاريخ المهمة في الوطن العربي والعالم، بل نستطيع وبكل ثقة أن نقول أن " الجزيرة من خلال برامجها التخصصية، ومن خلال إتاحتها لحرية التعبير وللرأي والرأي الآخر، قد أسهمت بفعالية في بناء إرادة الإصلاح وتنمية الممارسة الديمقراطية في المنطقة العربية. عشرون عاماً و"الجزيرة تسير من نجاح لآخر، رائدة وقائدة للإعلام الحر والمسؤول والجاد، وهو ما لم تعرفه وتتعود عليه أبواق الأنظمة المستبدة الفارغة، من إعلام الظلام والتخوين والخداع والارتزاق والبضاعة المزجاة الرديئة، فكالوا لها الاتهامات بالتخوين مرة، وبالتبعية للغرب وأعداء الأمة مرة أخرى، بل زادوا، فنعتوها بمحاباة عدو الأمة إسرائيل وغيرها من الأنظمة والجماعات والمنظمات!! واسترسل أعداء النجاح وأعداء الكلمة الصادقة والإعلام الحر، في محاربتهم لـ "الجزيرة"، فأوعزوا بل أغلقوا مكاتبها، واعتقلوا صحفييها وقصفوا وحرقوا ممتلكاتها، وامتد الغدر والخيانة لتصفية بعض مراسليها للأسف، لكن كل ذلك لم يفت في عضدها ولم يرهبها أو يدفعها للتراجع عن خطها المهني، لأنها صاحبة رسالة إعلامية مسؤولة، تؤديها بحيادية وبصدق ونزاهة، فتداعت وتساقطت كل تلك المزاعم والدعاوى الواهية كأوراق الشجر، لأن الشمس لا يحجبها غربال ولأن أصابع اليد لا تخفي وجه الحقيقة. قد يرى البعض أن الحرية نسبية وعلم افتراضي، وبالتالي لا ممارسة حقيقية لها في أي وسيلة إعلامية رسمية أو خاصة، لكننا نقولها بملء الفم إن " الجزيرة " وبشهادة معجبيها ومتابعيها وبقيمها الصحفية والتزامها الأخلاقي، تؤدي رسالتها بأمانة وبحرية تامة بعيداً عن أي ميول سياسية أو انتماءات فكرية، وهي بذلك تحترم ولأبعد الحدود رسالتها ورؤيتها وكذلك مشاهديها ممن رأوا فيها مصدراً مهماً وملهماً للمعلومات الصحيحة والأخبار الموثوقة. "الجزيرة" رائدة وقائدة ومدرسة إعلامية من طراز فريد، هي "محامي" المظلومين والمقهورين، صاحبة مبادرات عديدة في مجال عملها، تنتصر للخير في وجه الشر وللمظلوم ضد الطاغية، لم يعرف عنها البتة مجاملة هذا على حساب ذاك، أو التطرق لقضية من خلال رؤية منفردة وطرف واحد، عكس من يتاجرون بضمائرهم، فيحيلون الباطل حقاً والبريء مجرماً، من غير أن يدركوا أن الشعوب تقرأ وتميز بين الغث والسمين، وأن العالم أصبح كما يقولون قرية صغيرة مكشوفة، يستحيل فيها إخفاء الأحداث وإن صغرت أو حتى تجميلها. إن النجاحات التي حققتها الجزيرة ولا حصر لها، والحراك الواسع الذي أحدثته في بركة الإعلام العربي الراكدة خصوصاً، تجعلها أمام تحديات جسيمة وهي على أعتاب عامها الحادي والعشرين، لكننا على ثقة تامة أن "الجزيرة" بشرف المهنة وبميثاقها الصحفي، ستكون على قدر التحدي والطموح وعلى قدر ما ينتظره منها مشاهدوها المنتشرون في مختلف أرجاء المعمورة. وصدق المتنبي عندما قال في إحدى قصائده : على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم وكما هو معروف فإن "الجزيرة" قد انطلقت في عهد صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني "حفظه الله ورعاه" وفق رؤية سموه الحكيمة المتمثلة في إنشاء قناة تلفزيونية فضائية تكون بمثابة منصة إعلامية جادة ومؤثرة، صادقة ومسؤولة، في ظل الانفجار المعلوماتي في هذا العصر، وتسهم في تشكيل اتجاهات الرأي العام بكل إيجابية. وفي مناسبة احتفال "الجزيرة" بعيدها العشرين، لابد من الإشادة والتنويه بإنشاء دولة قطر لهذا المشروع الإعلامي العملاق الذي ولد عملاقاً وقوياً "الجزيرة" ومنحها الحرية والاستقلالية التامة لتتنفس هواء حراً نقياً، أصبح سمة مميزة لرؤيتها ومجسداً بكل صدق وموضوعية للأهداف النبيلة التي انطلقت من أجلها، وهو ما أهلها لتتبوأ هذه المكانة المرموقة واحتلال الصدارة في قائمة الإعلام الحر والمسؤول في العالم. والتحية خالصة نسوغها لسعادة الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني رئيس مجلس إدارة شبكة الجزيرة الذي أعطاها الكثير من وقته وجهده وفكره، ولقيادته ودعمه وتوجيهاته ومتابعته لعمل "الجزيرة" طيلة مدة العشرين سنة الماضية، لتصبح بما تقدمه منسجمة مع رسالتها ورؤيتها، سيدة القنوات الفضائية، علامة فارقة، وشمعة مضيئة في سماء الإعلام الحر والمسؤول، ومصدر خوف لأنظمة الاستبداد والتسلط. وكل عام "والجزيرة" والعاملون فيها بألف خير editor@raya.com

مشاركة :