محمد ولد محمد سالم اختارت الشارقة أن تكون عاصمة للثقافة العربية، وأن تكون إمارة ثقافية يفوح كل ما فيها بعطر الثقافة، وعملت على مدى العقود الأربعة الماضية على ترسيخ ذلك الاختيار بشتى الوسائل، فأقامت المؤسسات الثقافية الكثيرة التي ترعى الأنشطة المختلفة، ونظمت مهرجانات بدأ معظمها في تلك الفترة ولا يزال مستمراً إلى اليوم، مثل معرض الشارقة للكتاب وأيام الشارقة المسرحية وأيام الشارقة التراثية، وملتقى الخط ومهرجان الشارقة للفنون الإسلامية وبينالي الشارقة، ومهرجان المسرح العربي، ومهرجان الشعر العربي وملتقى السرد، وغيرها من الأنشطة السنوية والموسمية التي لا يمكن حصرها، ولا تتوقف على مدار العام، مما يجعل الشارقة ورشة ثقافية مستمرة، ومواكبة مع هذا النشاط هناك نشاط آخر لا يقل عنه أهمية، وهو نشر الكتب والمجلات، حيث تعمل مراكز النشر في الإمارات، خاصة إدارة النشر والبحوث في دائرة الثقافة والإعلام، ومنشورات القاسمي، وقطاعات النشر في هيئة الشارقة للكتاب ومعهد الشارقة للتراث، والهيئة العربية للمسرح، ومؤسسات أخرى عديدة، على نشر الكتب العربية بكافة أشكالها، الأدبية والفكرية والعلمية، وكل ما يصب في الثقافة، ولإكمال حلقات المشهد بادرت الشارقة إلى تخصيص الجوائز السنوية الكثيرة والكبيرة التي تصاحب تلك الأنشطة، وتدعمها لكي تكون حافزاً لرفع أداء المثقفين والمبدعين، حتى يرتقوا بفنهم وثقافتهم، ويقدموا ما فيه الخير للثقافة العربية. جوائز الشارقة تغطي حقول الثقافة كافة، منها ما يخصص للتأليف والكتاب، ومنها ما يخصص للمسرح، ومنها للشعر والأدب، ومنها للخط والفنون، ومنها للنقد والتشكيل، وتتسم جوائز الشارقة مثلها مثل أنشطتها الثقافية الأخرى بالاستمرارية، فهي عندما تنطلق لا تتوقف، فجوائز معرض الشارقة للكتاب مثلاً ظلت مستمرة مع المعرض منذ نشأته وإلى اليوم، أي أن عمرها خمس وثلاثون سنة، وجائزة الشارقة للإبداع العربي - تصل اليوم إلى عشرين سنة من العطاء المستمر، وجائزة الشارقة- اليونيسكو للثقافة العربية مستمرة منذ 1998 إلى اليوم، ما يعني أن خيارها خيار استراتيجي نابع من قناعة بأن الجائزة حافز على الإبداع، واستمرارها هو استمرار للحافز وتجدد له، وهي لا تقل أهمية عن الأنشطة الثقافية الأخرى. تأتي على رأس الجوائز جائزة الشارقة للإبداع العربي- الإصدار الأول، هذه الجائزة التي تنظمها دائرة الثقافة والإعلام على مدى عقدين، رسخت فيها قدمها، وخصوصيتها، كجائزة لدعم الكتاب العرب الشباب الذين تقل أعمارهم عن الأربعين، والذين لم ينشروا أي كتاب من إبداعهم، فكانت الجائزة فاتحة أمل للمتميزين منهم، تنشر لهم كتبهم، وذلك في مجالات: القصة القصيرة، الشعر، الرواية، أدب الطفل، ويفوز في كل مجال ثلاثة أشخاص ما يجعل عدد الفائزين سنوياً 18 مبدعاً عربياً شاباً، يجدون من خلال الجائزة الطريق إلى القراء، ويعني أيضاً أن ما يقارب 380 كاتباً عربياً من كافة البلدان العربية قد فازوا بهذه الجائزة حتى الآن، وهو إنجاز كبير لها، بدعم أولئك الكتاب في بداية حياتهم، وترسيخ مسيرتهم نحو الإبداع. من الجوائز ذات الأهمية الكبرى أيضاً جائزة الشارقة اليونيسكو للثقافة العربية، انطلقت أثناء الاحتفال بالشارقة عاصمة الثقافة العربية عام 1998، وتقام بالتعاون بين الشارقة وبين منظمة اليونيسكو، وهي جائزة سخية، تهدف إلى تعزيز حضور الثقافة العربية عالمياً، وتشجيع الإسهامات الأجنبية في نشر الثقافة العربية، وتعطى سنوياً لشخصيتين قدمتا إنجازاً مهماً لدعم الثقافة العربية، سواء أكانت هاتان الشخصيتان من الأفراد أم من المؤسسات، وتكافئ في العادة شخصية عربية وأخرى أجنبية، وتقام احتفاليتها السنوية في المقر الرئيسي للمنظمة في باريس، وقد اكتسبت سمعة دولية كبيرة، ونالت اهتمام شخصيات ومؤسسات دولية. من الجوائز أيضاً جائزة الشارقة للشعر العربي فبعد النجاح الذي حققه مهرجان الشارقة للشعر العربي، انطلقت في عام 2011 جائزة لتكريم رواد الشعر العربي، وأعلامه الكبار الذين أنجزوا إنجازات متميزة يستحقون بها التكريم، وكرمت الدورة الأولى الشاعر المصري محمد التهامي، وفي الدورات اللاحقة أصبحت الجائزة تخصص لشاعرين أحدهما من الإمارات، وهكذا فاز بها في الدورة الثانية كل من محمد بن حاضر من الإمارات، محمد نجيب المراد من سوريا، وفي الدورة الثالثة عبد العزيز إسماعيل من الإمارات، وخليفة الوقيان من الكويت، وفي الدورة الرابعة سالم الزمر من الإمارات، وهارون هاشم رشيد من فلسطين، وفي الدورة الخامسة عبدالله الهدية من الإمارات، ومحمد علي شمس الدين من لبنان، وفي الدورة السادسة أحمد محمد عبيد من الإمارات، وراشد عيسى من الأردن. ومن جوائز الشارقة أيضاً جائزة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي لأفضل عرض مسرحي عربي، وهي الجائزة التي تقدم للمسرحية الفائزة بأفضل عرض متكامل في نهاية مهرجان المسرح العربي، الذي تنظمه الهيئة العربية للمسرح سنوياً في إحدى الدول العربية، وتشارك فيه عروض مسرحية مختارة من بين أفضل ما قدم على المسارح العربية خلال العام السابق، وقد أصحبت هذه الجائزة خلال عمره القصير واحدة من أهم الجوائز العربية في مجال المسرح، وتلقى إقبالاً وتنافساً كبيراً، ومثلها أيضاً جائزة الشارقة لأفضل عرض مسرحي خليجي التي تقدم في نهاية مهرجان المسرح الخليجي الذي تنظمه وزارات الثقافة في دول مجلس التعاون الخليجي. أما جائزة الشارقة للإبداع المسرحي فهي الأخرى من تلك الجوائز التقديرية الكبيرة التي تعطى لأحد المسرحيين الرواد الذين قدموا إنجازاً مسرحياً كبيراً على الساحة العربية، ولا تتوقف جوائز المسرح عند هذا الحد، فهناك جوائز التأليف المسرحي التي ينظمها كل من الهيئة العربية للمسرح ودائرة الثقافة والإعلام، وتصرف كل من الجائزتين سنوياً لعدد من الكتاب الإماراتيين والعرب، وهناك أيضاً جوائز المسرح التي تعطى للفائزين عقب كل مهرجان من المهرجانات المسرحية في الإمارة، وهي كثيرة جداً ومتنوعة بين التمثيل والإخراج والتأليف والسينوغرافيا، وتغطي كل جوانب العرض المسرحي. هناك أيضاً جائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي وتهدف إلى تشجيع الدراسات التشكيلية التي تُقيم المنجز الفني، ويقدم فيه الدراسات ضمن مقاربات وتحليلات موضوعية من زوايا واتجاهات متعددة، ويضع العمل الإبداعي في سياقه التاريخي والفكري، وهي جائزة فريدة من نوعها، وقد أصبحت تتمتع باهتمام الأوساط الثقافية العربية، وقد انطلقت عام 2008، وتهدف إلى إقامة تواصل مع الباحثين العرب في مجال التشكيل، والتعريف بأعمالهم البحثية، وتوسيع دائرة الاهتمام بالتجارب التشكيلية العربية وتوثيقها ورصد مساراتها، وتشجيع المواهب النقدية الشابة والتعريف بها، لإشاعة ثقافة نقدية تشكيلية. كذلك توجد جائزة الشارقة للأدب المكتبي التي تترافق مع اليوم العالمي للكتاب، وتعنى بتعميم الاهتمام بالكتاب، وتأخذ بعين الاعتبار المستجدات في عالم التأليف والمعلوماتية مما يوفر قاعدة مناسبة لثقافة مكتبية متجددة. يشكل المعرض مناسبة لتوزيع عدد من الجوائز التي تدور حول الكتاب، تأتي على رأسها جائزة اتصالات لكتاب الطفل، وهي جائزة يفوز بها أهم كتاب قدم خلال العام السابق في مجال الكتابة للطفل، ويراعى فيها جودة النص وجودة الإخراج معاً، وتعتبر أكبر جائزة عربية لأدب الطفل، حيث تبلغ مليون درهم، أما جوائز المعرض الأخرى مثل جوائز أفضل كتاب عربي وأفضل كتاب إماراتي لأبناء الإمارات، وجائزة أفضل كتاب عن الإمارات، وجائزة أفضل دار نشر محلية، وجائزة أفضل دار نشر عربية، وجائزة أفضل دار نشر أجنبية، وجائزة أفضل كتاب أجنبي.
مشاركة :