تعتبر كنيسة القيامة، الواقعة بمدينة القدس القديمة، أكثر أضرحة المسيحية قدسيةً. ويُعتقد أن جثمان المسيح كان يرقد ذات يوم داخل المقبرة المنحوتة وسط الصخور في قلب الكنيسة. وخلال الأسبوع الماضي وللمرة الأولى منذ قرون طويلة، قام فريق من مسؤولي الحفاظ على البيئة والباحثين، برفع لوح من الرخام من داخل إحدى القاعات المستديرة، المعروفة باسم الضريح، في مركز المجمع. ويروي الصحفي عن زميله وليام بوث، في وقت سابق من هذا العام، حينما بدأ مشروع التجديدات للمرة الأولى، أن هذا هو المكان "الذي كان يركع به ويصلي ملايين الحجاج، حيث أدت الأملاح الناجمة عن الدموع التي يذرفها المصلون ورطوبة عرقهم إلى صقل أشد الحجارة خشونةً". وبعد ساعات من الفحص الدقيق، وجد الفريق ما يعتقدون أنه مضجع الحجر الجيري الذي يمكن أن يكون المسيح قد دُفن به. وقد حصلت قناة "ناشيونال جيوغرافيك" حصرياً على صلاحية تصوير المشروع، وقامت بنشر صور ومقاطع مصورة لتلك المجهودات التي يبذلها الفريق. ونقل موقع المطبوعة عن فريدريك هيبرت، عالم الآثار بالقناة التلفزيونية قوله: "أشعر بالذهول الشديد. ركبتاي ترتجفان قليلاً لأنني لم أكن أتوقع ذلك، لا يمكننا تأكيد ذلك بنسبة 100%، ولكن يبدو أنه دليل مرئي على أن موقع المقبرة لم يتغير عبر الزمان، وهو الأمر الذي حيَّر العلماء والمؤرخين على مدار عقود من الزمان". وقام الفريق حالياً بإعادة إغلاق المقبرة بغطائها الرخامي الأصلي. سوف يستمر الجدل حول ما إذا كان هذا هو الموقع الحقيقي لصلب المسيح ودفنه وإعادة بعثه من جديد. ومهما كان أصل القصة -التي أدت في النهاية إلى تشييد الكنيسة منذ نحو 1600 عام- فقد أصبحت الآن، وبعد قرون طويلة جزءاً من التاريخ الفعلي. وفيما يلي ملخص سريع لما ذكره بوث: اليوم يعزف الموقع على نفس وتيرة التقوى، ولكن التاريخ يعلم أن ذات الموقع غارق ومشبع بالدماء. وقد تم إنشاء أربع كنائس صغيرة على الأقل في نفس المكان. أنشأ الأولى الإمبراطور قسطنطين خلال القرن الرابع، بعد أن أزال معبداً وثنياً كان قد أقيم للإله أفروديت. وربما أن روما قامت بتلك الخطوة كي تمنع المسيحيين الأوائل من أداء الحج. وقام الفاتح الإسلامي عمر بإنقاذ كنيسة القيامة عام 638، ودمرها الخليفة المصري الحاكم بأمر الله عام 1009، وأعاد الصليبيون بناءها بعد أن قاموا بقتل نصف سكان المدينة، التي قام بحمايتها مرة أخرى القائد الإسلامي صلاح الدين، ثم أطاح بها الأتراك الخوارزميون المهيبون الذين اقتحموا الكنيسة بجيادهم وقطعوا رؤوس الرهبان المصلين. وحينما كان العالم المحيط بالمجمع الديني غير منغمس في الفوضى، كان هناك توتر داخلي بين الرهبان المخلصين داخل الكنيسة. وتقاسمت 6 طوائف مسيحية الكنيسة على مدار قرون. الكنيسة اللاتينية (الرومان الكاثوليك)، والكنيسة الأرثوذكسية اليونانية، والكنيسة الرسولية الأرمينية، والكنيسة الأرثوذكسية السورية، والكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية، والكنيسة القبطية المصرية. وأثارت النزاعات بين هذه الطوائف حول تقاسم الكنيسة بعض المناوشات وأعمال الشغب بالشارع، وتصارع رجال الدين من مختلف الطوائف على مر العصور بشأن أداء طقوس كنس الدرج ووضع السجاجيد أمام المذبح، بل الحق في السير في الموكب المؤدي إلى الضريح. وكتب المؤرخ أورلاندو فيجز، في إشارة إلى معركة نشبت بين رجال الدين الكاثوليكيين والأرثوذكسيين عام 1846 "كانت الطوائف المتنافسة من المصلين تجارب بالأيدي والصلبان والشموع والمصابيح ومحارق البخور، بل بقطع من الأخشاب التي كانوا يزيلونها من الأضرحة المقدسة. واستمر القتال، حيث كان يتم تهريب المدي والمسدسات إلى كنيسة القيامة على يد المصلين من كلا الجانبين". وتستمر تلك العداوة حتى يومنا هذا، وقد أدت إلى الحيلولة دون إجراء الإصلاحات اللازمة والتحسينات الهيكلية بالموقع. وفي عام 2009 اندلع شجار دموي بين القساوسة الأرمن والأرثوذكسيين اليونانيين، وأدى ذلك إلى دخول شرطة مكافحة الشغب الإسرائيلية إلى الكنيسة. وقد تم تلخيص الأحداث الأخيرة من خلال مدونة ظهرت في ذلك الوقت: في عام 2002، قام راهب قبطي تتمثل وظيفته في الجلوس على السطح للتعبير عن مطالبات الأقباط بحقهم في الجزء الإثيوبي من السطح، بنقل مقعده إلى الظل، واعترض الإثيوبيون على ذلك، ونشب شجار أدى إلى إصابة 11 راهباً ونقلهم إلى المستشفى. في عام 2004، ترك أحد الرهبان الأرثوذكيين باب الكنيسة الفرنسيسكانية مفتوحاً في أعقاب انتهاء مرور أحد المواكب. واعتبر الرهبان الفرنسيسكان أن هذا الأمر دلالة على عدم الاحترام، وتم القبض على العديد من الطرفين بعد نشوب شجار دموي. وفي أبريل/نيسان 2008، نشب صراع آخر يوم أحد السعف، بعد طرد راهب أرثوذكسي من المبنى. وحينما وصلت قوات الشرطة لمنع الشجار، طاردهم الرهبان أيضاً. وفي هذا العام، شهدت صحيفة "واشنطن بوست" الشجار الذي نشب بين الرهبان والمشاهدين الذين وقفوا ليشهدوا معجزة النار المقدسة. أدت الطبيعة الشرسة لهذه المنافسات إلى اتخاذ إجراء فريد يرجع إلى القرن الثاني عشر، حيث عهد أمر الملوك العرب لعائلتين مسلمتين بحراسة الكنيسة. وتحتفظ عائلة جودة بالمفتاح، بينما تفتح عائلة نسبية باب الكنيسة كل صباح وتغلقه في المساء. وفي لقاء مع قناة "CNN" في وقت سابق من هذا العام، ذكر أديب جودة، حارس المفتاح الحالي –المصنوع من الحديد الذي يصل طوله إلى نحو قدم- أن المهمة التي تتوارثها عائلته تدل على مدى التسامح الديني. وقال: "أرى أن كنيسة القيامة هي مصدر التعايش بين الديانتين الإسلامية والمسيحية". ووصف وجيه نسيبة الدور الحيوي الذي تضطلع به هاتان العائلتان في القدس لصحيفة "سان فرانسيسكو كرونكل" عام 2005. وقال: "على غرار كافة الأشقاء الذين تحدث المشكلات فيما بينهم"، مشيراً إلى الطوائف المسيحية المتنازعة. وأضاف: "إننا نساعدهم على تسوية نزاعاتهم، إننا محايدون في الكنيسة، ونقوم بدور على غرار دور الأمم المتحدة، ونساعد في الحفاظ على السلام في هذا المكان المقدس". هذا الموضوع مترجم بتصرف عن صحيفة "The Washington Post" الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط .
مشاركة :