خيري منصور في حمى السجال الأيديولوجي الدائر الآن في عالمنا العربي يبدو المستقبل وكأنه سقط سهواً، لهذا تصبح مرافعة المفكر العربي والأكاديمي د. فهمي جدعان عن المستقبلات الممكنة تغريداً خارج السرب. فالرجل قرر أن يحاور حتى اليأس الذي سعت أطراف عديدة وبمختلف النوايا إلى بثه في عقولنا، ويستكمل جدعان في كتابه الذي حمل عنواناً مشحوناً بالأمل بعد أن عز الرجاء هو مرافعة للمستقبلات العربية الممكنة مشروعاً بدأ منذ عقود، وهو مشروع نهضوي بامتياز لكنه لا يندرج في خانة التوقعات والنبوءات بقدر ما يتعامل مع المستقبل باعتباره حصيلة لممكنات الراهن، والبحث عن الممكنات الهاجعة في أي مجتمع مهمة عسيرة، لأنها تبحث عن وميض في كومة من الرماد أو عن كوة في أفق مسدود! وكان د. جدعان قد أصدر كتاباً بعنوان تحرير الإسلام بعد أن أعاد المتأسلمون والمارقون إنتاج الدين بمعزل عن جوهره ورسالته. وعنوان تحرير الإسلام يليق بهذه المستوطنات التي تسللت إلى النصوص والمرجعيات، بحيث يتحول الدين إلى ذريعة ملفقة من فقه التنكيل والشهوات السادية التي استباحت دماء المسلمين أنفسهم! وأطروحات من هذا الطراز تتطلب قدراً من التأمل والاستقراء وليس القراءة الأفقية فقط، لأن السائد المعرفي الذي تتولى الميديا تسطيحه لا يرى أكثر من نتوء جبل الجليد الغارق، في محيط من الدم وليس الماء! إن محاورة اليأس هي بمثابة عصيان بل إعلان حرب على من يرون بأن ما انتهى إليه المشهد العربي هو نهاية المطاف، وليس بالإمكان أفضل مما كان أو ما هو كائن الآن! والعربي الملقى في اليم والمطلوب منه أن لا يبتل بالماء أو الدم هو في أشد الحاجة إلى مرافعات فكرية تنطلق من جدلية التاريخ، ومن ثنائية السقوط والنهوض المحكومة بما هو أبعد وأعمق من الرجاء واليأس، وما نرجوه لكي لا تذهب هذه الصيحات سدى أن تتم قراءتها بشروطها وليس بشروط إعلام أوشك أن يصبح إعلانياً، بحيث تبدو الأبقار كلها سوداء في الظلام كما يقول هيغل!
مشاركة :