تتالت الحوادث الجماعية والفردية التي تكتب تدريجيا شهادة وفاة لهيبة الدولة التونسية وفقا لخبراء. ويشدد خبراء في المجال السياسي على ضرورة اعادة الاعتبار لهيبة الدولة التونسية مع الاحتفاظ بحقوق المواطن وحمايته حرياته الشخصية التي يكفلها القانون. وهناك ارتباط وثيق بين هيبة الدولة واحترام المواطن لمؤسساتها وأجهزتها. وتتجلى سيادة الدولة في حسن تطبيق القانون بحزم ونجاعة وخدمة المواطن عبر توفير الحياة الكريمة والآمنة له. ويؤكد مراقبون على ضرورة ان يشعر المواطن انه لا يمكن له أن ينتهك القانون والا فالعقاب الرادع سيكون في انتظاره. وهيبة الدولة، كلمة قد يمر عليها البعض مرور الكرام وقد لا يعيرونها الاهتمام.. ولكنها ثقيلة في الميزان ومحددة بمقياس رقي الشعوب وانضباطها وبقاء الدول واستمرارها... هيبة الدولة هي عنوان لعلوية القانون والمؤسسات.. وعنوان النظام والانضباط.. وهي عنوان ذوبان الفرد والجماعة في نواميس المؤسسات العليا للدولة بما هي أرقى تصور وضعه الانسان لتنظيم الحياة داخل المجموعات البشرية. بالنتيجة فإذا كرست هيبة الدولة ورضخ الجميع لعلويتها وعمل الكل على تجسيدها والانصياع لنواميسها ولضوابط مؤسساتها تنتظم حياة البشر... واذا غنى كل طرف على ليلاه وتمرّغت هيبة الدولة وانتهكت علويتها وتغوّل المواطن او الحزب او الجماعة عليها حلت الفوضى وغاب النظام. وتفقد الدولة هيبتها حين يتم الاعتداء على مؤسساتها كحرق المراكز الامنية واستهداف الامنيين وغلق الطرقات والتعدي على حرمة المؤسسات الادارية ورموزها والاعتداء على الاطارات الادارية وانزال العلم الوطني. وعادت الى الاذهان بقوة أحداث عنف في المشهد السياسي التونسي، وظهور أحداث عنف وكر وفر وتشابك بالايادي وحمل العصي بين ابناء حزب نداء تونس الحاكم مما مثل حلقة جديدة وخطيرة من حلقات العنف السياسي. وتشهد حركة "نداء تونس" صراعات داخلية. وبحسب محللين تونسيين لا تبدو الأزمة الداخلية في النداء عابرة، بل أعمق من مجرد اختلافات في وجهات النظر، ما ينذر بتفكك حزب نداء تونس على ضوء انقسامه الى شقين. واعتبر البعض ان العنف السياسي يمثل خطرا على هيبة الدولة باعتبار انه من المفترض ان تكون النخب السياسية سباقة في احترام القانون وتطبيقه. وقال النائب التونسي محمد القوماني ان ما حصل في اجتماع حركة نداء تونس في محافظة جربة هو حلقة أخرى في سلسلة من أعمال العنف اللفظي والمادي المرفوض. وقال بان هذا خطر حقيقي يتنافى مع حرية التعبير التي جاءت بها الثورة بل انه يشكل تهديدا للاستقرار ولسلطة الدولة. كما تعاني الحكومة التونسية من ظاهرة الانتصاب الفوضوي الذي تغول وزحف على مناطق حيوية في البلاد وشوه جمالية العاصمة التونسية وحولها الى اماكن تتكدس فيها البضائع التجارية المهربة وحتى الملابس المستعملة وصولا الى اقامات ساحات مخصصة لوضع الحناء والحرقوس للنساء، وهو ما يمثل انتهاكا صارخا لهيبة الدولة التونسية. وصدر بلاغ من وزارة الداخلية التونسية في وقت سابق يقضي بتحجير التجارة الموازية، ولكن لا اذان صاغية له. ورغم وجود حملات امنية مكثفة للقضاء على الانتصاب الفوضوي، يعود التجار بعد ساعات قليلة الى مزاولة نشاطهم غير مبالين بتخريبه للاقتصاد وتشويهه لملامح المدينة واضراره بصحة المواطن. ورزحت الدولة التونسية لفترة طويلة ومازالت مستمرة ولكن بوتيرة اخف الى الاحتجاجات والإضرابات المتكررة والتي وان كان تتخذ في احيان كثيرة اشكالا قانونية الا انها تتحول في احيان اخرى الى تحد وصدام مع الدولة في ظل الاصرار على قطع الطرقات واعتماد العنف وسيلة للتظاهر. وادت احتجاجات منظمة ويكفلها القانون واخرى عشوائية الى تقهقر الاقتصاد وهروب شركات عملاقة اخرى الى دول مجاورة. واكد خبراء اقتصاد أن مصادقة البرلمان التونسي على قانون الاستثمار مؤخرا يعد خطوة مهمة في طريق إنقاذ الاقتصاد الذي يعاني من هشاشة وتراجع لافتين خلال السنوات الخمس الأخيرة، لكنها غير كافية. اختارت الشركات الأجنبية الاستثمار في تونس بعد تشجيع كبير قدمته لها حكومات ما قبل الثورة وكذلك لقرب البلد من الأسواق الأوروبية وتوفر اليد العاملة بكلفة محدودة والمهارات التي تتميز بها، فضلا عن الاستقرار السياسي والأمني، لكن الوضع اختلف الآن. ومنذ يناير 2011 علّقت أكثر من 2.5 ألف شركة نشاطها واتجه معظمها إلى المغرب، وفقا لأرقام غير رسمية، ما زاد من معاناة الدولة. وشدد خبراء في المجال الاقتصادي على أن الخروج بتونس إلى "بر الأمان" يتطلب عودة الاستثمارات المحلية والأجنبية بعد أن "هربت لأسباب معروفة"، في إشارة إلى تفاقم الاحتجاجات والهجمات المسلحة التي استهدفت عدة مناطق تونسية في السنوات القليلة الماضية. وألقى كثيرون باللائمة على حكومات متعاقبة ولا سيما حكم النهضة في عهد الترويكا بسبب التردد والعجز عن فرض الأمن. وطفت على السطح بعد الثورة التونسية ظاهرة البناء العشوائي والفوضوي او التغول العقاري كما يحلو للبعض تسميته والذي تلاعب بدوره بهيبة الدولة التونسية. وافادت احصائيات سابقة ان هناك حوالي 29 ألف مسكن من إجمال 79 ألف مسكن يتم بناؤها سنويا تنجز بشكل عشوائي. وكشف كاتب الدولة السابق المكلف باملاك الدولة والشؤون العقارية مبروك كورشيد خلال إحدى مداخلاته الاعلامية أن مجموعة من أملاك الدولة العقارية والفلاحية وأملاك عمومية أخرى متنوعة بعد الثورة لم تعد بحوزة الدولة التونسية بعد أن تم وضع اليد عليها من قبل جزء من الشعب التونسي. وأضاف كورشيد بأنه سيتم حصر هذه الأملاك والتصريح بها خلال مؤتمر صحفي مشيرا إلى أن قيمة أملاك الدولة التي تم الإستيلاء عليها بعد الثورة تفوق قيمة الأملاك المصادرة والأموال المنهوبة وشدد كاتب الدولة المكلف بأملاك الدولة والشؤون العقارية على أن هيبة الدولة تقتضي استرجاعها لأن الدولة التونسية في حاجة إلى أملاكها. والمساس بهيبة الدولة التونسية يقترن ايضا بأحداث فردية صدمت الرأي العام التونسي، واثارت موجة من الاستنكاروالغضب. وادى على سبيل الذكر لا الحصر انتشار فيديو لموظفة تقوم بضرب معتمد منطقة سيدي حسين بالنعال بعد أن أكدت أنه تحرش بها جنسيا الى ظهور حالة من الذهول والصدمة لدى التونسيين. واعتبر اغلبهم انها حادثة فردية ولكنها تحمل ابعادا خطيرة، فالاعتداء على معتمد جهة تونسية يمثل اعتداء على هيبة الدولة التونسية. وكان معتمد سيدي حسين قد نفى في عدة تصريحات صحفية أن يكون قد تحرش جنسيا بالمرأة، مؤكدا انها عمدت الى فكّ حزامه امام مرأى من الجميع وحاولت تمزيق ملابسها، متهمة اياه بمحاولة التحرش بها. كما انشغلت في الاسابيع القليلة الماضية مواقع التواصل الاجتماعي بتصريحات نارية اطلقها رفيق جراية رجل الاعمال التونسي المثير للجدل والمتهم بالفساد المالي ومساندته للارهاب . وهاجم رجل الاعمال التونسي وهو من كبار الاثرياء في البلاد بنبرة ساخرة وتهكمية الحكومة التونسية ونداء تونس، ووصف قيادي فيها بـ"الخروف"، كما نعت الحكومة الجديدة بالجبن وتحدى بطريقة استفزازية حكومة يوسف الشاهد والرئيس التونسي الباجي قايد السبسي واعتبرا ان الجميع يعجز عن ادخاله السجن. ودق خبراء ناقوس الخطر من فسح الاعلام في تونس لاشخاص يمرغون هيبة الدولة ويسمحون لهم بالتطاول على سيادتها والعبث بها. وتحولت منابر اعلامية بعد الثورة التونسية الى ساحات لتصفية الحسابات ولتبادل القذف والشتم والتطاول على القانون. ويطالب مراقبون بضرورة الحزم ومحاسبة الخارجين عن القانون، ويعبرون ان هيبة الدولة تتمثل في قوة مؤسساتها وخاصة المؤسستين العسكرية والأمنية وتوفير كل الإمكانيات التجهيزية واللوجستية لهما لتطبيق القانون والحفاظ على هيبة الدولة وتكريس منظومة الأمن الجمهوري حتى يكون الأمني في خدمة المواطن وليس في خدمة النظام. وصرح مصدر قضائي ان وجود سلطة قضائية مستقلة يعني وجود ضمانة قوية لحسن تطبيق القانون بكل نزاهة وحياد ولا يجوز اذا لاي جهة في الدولة ان تتدخل في القضاء وان تصدر تعليماتها في قضية معينة ولايمكن استرجاع هيبة القضاء في غياب هيبة الدولة. ويعتبر بعضهم ان هناك خيطا رفيعا بين التسلط وهيبة الدولة فلا حديث عن هيبة الدولة بعيدا عن الردع عبر قوانين صارمة.
مشاركة :