باريس: «الشرق الأوسط» وصل تلوث الهواء في باريس ومناطق فرنسية عدة إلى مستويات قياسية جديدة، إذ لاحظ سكان العاصمة الفرنسية وزوارها غبارا صفراويا يلف المدينة، ما دفع إلى اتخاذ إجراءات لمحاولة الحد من هذا التلوث. وبعد باريس ومنطقتها، أعلنت مدن فرنسية عدة إتاحة وسائل النقل المشترك بالمجان حتى مساء اليوم. والسبت، لليوم الخامس على التوالي، تم أيضا تجاوز المستوى الأقصى المسموح به لكميات الجسيمات في كل متر مكعب من الهواء في منطقة «ايل دو فرانس» التي تضم باريس ومقاطعات متاخمة لها. كذلك الأمر بالنسبة لمناطق شمال وشمال شرقي البلاد وفي منطقة «رون ألب» حيث أوضحت السلطات أنه «لتقليص مستويات الانبعاثات، ثمة حاجة للريح والمطر، لكن هذا الأمر ليس متوقعا قبل الخميس المقبل». مع ذلك، من المتوقع أن يشهد الوضع تحسنا طفيفا خلال الساعات المقبلة، مع تدن في درجات الحرارة على مناطق غرب فرنسا، وتوقع تحويل الرياح البحرية التي تهب حاليا مسارها لتهب من المحيط. وهذا المسلسل من التلوث بالجسيمات 10 - وهي نوع من الغبار مصدره خصوصا المركبات العاملة بالديزل والسخانات العاملة على المازوت والخشب إضافة إلى المصانع - يصيب فرنسا منذ أيام عدة. وتعتبر الظروف المرتبطة بالضغط الجوي المرتفع وتتالي فترات الليل البارد والنهار الساخن من العوامل المساهمة في هذا الوضع نظرا لأنها تمنع تفتت العناصر المسببة للتلوث. وأشارت الوكالة الأوروبية للبيئة الجمعة إلى أن هذا التلوث طال أجزاء واسعة من غرب أوروبا خصوصا في ألمانيا وبلجيكا. وأفادت الوكالة في بيان أن «المستوى الحالي من التلوث بالجسيمات 10 يمكن تصنيفه كأحد فصول التلوث في المدن الآسيوية مثل بكين التي تصل مستويات تلوث الهواء فيها إلى معدلات توازي أربعة أو خمسة أضعاف تلك المسجلة في أوروبا». وفي فرنسا، أصدرت السلطات إنذارا من تخطي المستوى المسموح به للجسيمات في الهواء والمحدد عند 80 ميكروغراما بالمتر المكعب الواحد، في حوالي ثلاثين مقاطعة. وتم اتخاذ تدابير طارئة لدفع سائقي السيارات إلى التخلي عن قيادة مركباتهم في هذه الفترة. من هذا المنطلق، صدر قرار بإتاحة استخدام وسائل النقل المشترك مجانا من الجمعة إلى الأحد في منطقة «ايل دو فرانس» (التي تضم باريس)، للمرة الأولى بسبب التلوث. كذلك تم اتخاذ تدابير مشابهة في أكثر من عشر مدن كبيرة بينها ليون (وسط شرق) وبوردو (جنوب غرب). كما تم الإعلان عن تدابير أخرى مثل تحديد ضوابط للسرعة على بعض المحاور المرورية وتحويل مسار المركبات الثقيلة والحد من الأنشطة الصناعية ومنع إشعال النار للسخانات. وفي مقابلة مع صحيفة ليبراسيون أول من أمس، أعلن وزير البيئة الفرنسي فيليب مارتان العمل على تدابير ذات طابع مستدام مع الهيئات المحلية في البلاد لمكافحة التلوث، وسيترجم ذلك من خلال الإعلان بحلول الصيف عن خطة لحماية الغلاف الجوي في المناطق الأكثر تضررا. والخميس، أعلنت بلجيكا وضع حدود لمستويات السرعة المسموح بها على أبرز المحاور المرورية في البلاد. وشجعت السلطات السائقين على عدم التنقل بمركباتهم واستخدام وسائل النقل المشترك التي أتيحت أيضا بالمجان في منطقة والونيا خلال فترة التلوث القياسي الحالية. ويمكن للجسيمات أن تسبب أمراضا كالربو والحساسية وأمراضا تنفسية أو قلبية - وعائية، حتى إن الجسيمات الأصغر (أقل من 2,5 ميكرومتر) والتي تخرق الشعب الأعمق في المجاري التنفسية والدم، تم تصنيف بعضها على أنها «مسببة للسرطان» من جانب منظمة الصحة العالمية. وقبل أيام ألغيت رسوم على مشروعين لتقاسم الدراجات الهوائية والسيارات الكهربائية في الوقت الذي يخيم فيه ضباب على شوارع العاصمة الفرنسية. وأظهرت بيانات وكالة البيئة الأوروبية وجود 147 ميكروغراما من الجسيمات في كل متر مكعب من الهواء في باريس بينما يسجل القياس 114 في بروكسل و104 في أمستردام و81 في برلين و79.7 في لندن. وباريس أكثر تأثرا بتلوث الهواء عن غيرها من العواصم بغرب أوروبا بينما تسجل أثينا أسوأ سجل وفقا لتقديرات منظمة الصحة العالمية في 2008. ومن أبرز أسباب تلوث الهواء في باريس دعم استخدام الديزل بدلا من البنزين كوقود وانتشار استخدام المركبات الخاصة. وقالت بيانات هيئة الأرصاد الجوية الفرنسية إن ضعف الرياح وارتفاع درجة الحرارة بعشر درجات فوق معدلاتها الطبيعية في هذا الوقت من العام ساهما في انتشار الظاهرة. وقال مسؤولون في مجلس مدينة باريس إن الموقف كان مرشحا للتفاقم لو لم تطبق الحكومة المشاركة في الدراجات الهوائية والسيارات الكهربائية. وقالت صوفي بويسو (29 عاما) في أحد المقاهي في قلب باريس «أنا مدخنة وتعاني الرئتان من التلوث بسبب السجائر لذلك لا يهمني الأمر». وأثرت ظاهرة تلوث الهواء بباريس على الرؤية بشكل كبير لا سيما على المعالم السياحية كبرج إيفل الذي بات غير مرئي بسبب الضباب الأبيض المائل للون الأصفر، الذي يغطي العاصمة الفرنسية. وطالبت السلطات الفرنسية أصحاب السيارات بعدم استخدامها، محذرة من أن مستوى التلوث الذي تشهده باريس يشكل خطرا على الصحة، كما نصحت السلطات المعنية بإبقاء الأطفال والمسنين الذين يعانون من أمراض الربو في منازلهم حتى يتجنبوا مواجهة صعوبة التنفس. والتزاما بتوصيات المجلس الأعلى للصحة العامة، أصدرت وزارة التربية الوطنية (التعليم) قرارا للمدارس لتجنب الرياضة الشاقة والأنشطة في الهواء الطلق بالنسبة للأطفال لا سيما الأصغر سنا. وأعلنت السلطات حالة استنفار في أكثر من نصف مساحة فرنسا تشمل باريس وضواحيها و30 إقليما من بينها بريتاني، ونور با دو كاليه، ورون - ألب، ونورماندي، بعدما حذرت وكالة البيئة الأوروبية مما وصفتها بأنها «أسوأ موجة تلوث للهواء منذ عام 2007».
مشاركة :