إبراهيم الملا (الشارقة) ضمن الفعاليات الثقافية لمعرض الشارقة الدولي للكتاب الخامس والثلاثين، استضافت قاعة ملتقى الأدب بمركز إكسبو الشارقة مساء أمس الأول، ثلاثة روائيين ذوي تجارب فنية متمايزة وتقنيات أسلوبية مستقلة، وهم علي أبو الريش من الإمارات، وطارق بكّاري من المغرب، وأبوبكر آدم إبراهيم من نيجيريا، وقدم ضيوف الندوة الإعلامي محمد ولد السالم. ارتكزت الندوة على عنون لافت هو:«خرائط الكتابة بين الذهن والروح» من أجل تداول الأفكار المختلفة ووجهات النظر النقدية المتعارضة أحياناً في توصيف العلاقة بين العقل والخيال، وبين الذهن والروح عند إنتاج الأعمال الأدبية، وخصوصاً الروائية منها، على اعتبار أن هناك كتابات تستهدف مخاطبة العقل من خلال الرؤى القائمة على المنطق والنهج العقلي، بينما تأتي كتابات أخرى تهتم بالعاطفة والشعور وما يرتبط بعوالم الروح، وبين هذين العالمين تسطع كتابات جديدة قادرة على المزج وإنتاج نمط جامع للكتابة الذهنية والروحية معاً. في بداية مداخلته وفي لفتة مقدّرة تنمّ عن الوفاء والعرفان، أوضح أبو الريش أن يوم إقامة الندوة، وهو الثاني من نوفمبر، يصادف رحيل المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، ودعا الحضور لتذكر قيمة وإنجازات هذه الشخصية الاستثنائية النادرة والملهمة، التي أسست لدولة ناهضة باتت تسابق الزمن بخطى هائلة نحو التطور والإبداع والتنمية الثقافية المستدامة. وقال أبو الريش، الذي قدم للساحة الثقافية الإماراتية 15 رواية، إن باب الرواية مشرع دائماً على جماليات الكتابة، مشيراً إلى أن ما لحق بالنفس البشرية من شرور ومصائب وخرائب يجعل من الكاتب الروائي حليفا للروح، ومشتغلًا بصبر وطول بال ضد الفلسفة المادية التي أقحمت نفسها في الأدب، وحاولت أن تشيّء الإنسان وتنزع عنه هذه الإشراقة الروحية التأملية. وشبه أبو الريش الرواية بالساحة الخضراء المفتوحة على اللاوعي، حيث إن نفي الكتابة من هذه الساحة، يضعها مباشرة في قلب الزيف، مضيفاً أن الرواية تعتني بالجمال غير الخاضع للتفسير الذهني. أما الروائي المغربي طارق بكاّري صاحب رواية «نوميديا»، وكانت ضمن القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية لسنة 2015، فوصف مصطلح «الكتابة الروحية» بأنه موغل في التعقيد، مشيراً إلى أن مصطلح «اللاوعي» هو الأقرب هنا لتوصيف هذه النوعية من الكتابات. ودلّل بكاّري على ذلك بطريقة كتابته لرواية «نوميديا»، التي اعتمد فيها على أسلوبين، أولهما الأسلوب العلمي أو العقلي المعتمد علي البعد المنطقي وعلى مجموعة من المعارف ذات السياق التاريخي والسياسي، بينما استخدم جانب اللاوعي عند الغوص في شخصيات البطل والشخصيات الأخرى في الرواية. الروائي أبوبكر آدم إبراهيم، الذي سطع نجمه مؤخراً في بلده نيجيريا بعد طباعة رواياته «موسم الأزهار القرمزية»، أشار إلى أن العقل بالنسبة للكاتب هو منفذ للاختيار والتصنيف بين عدة مواضيع وقصص يمكن التقاط أحدها، والعمل عليها بآليات روحية وعاطفية ترتبط بذاكرة الراوي وخبرته الحياتية. وقال إن هذه الفلترة الذهنية تسمح للكاتب بعد ذلك أن يسترسل في الخيال، ويحوّل العادي إلى استثنائي، والمنطقي إلى إعجازي، وهكذا يمكن المزج بين الذهن والروح، أو العقل والخيال، من دون وضع حواجز نقدية متكلفة وصلبة بينهما.
مشاركة :