من أوراق محمد صلاح: عاطف الحربي،الشعر والشاعر والإنسان فيه

  • 10/30/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

رسـائل إليـه شعر- عاطف الحربي افتـح الباب واسمع للعصـافير صوت واحضن الفجْـر في صدري واسمي عليـه وآتباشر صباحك صاحبي قبل افوت عبْـر بــاب ٍ نسـانـي ماعطـاني يديـه وآتسـاءل ـ وانا الغارق فـ بحر السكوت: من ذكر وجهـك الغايب ومنهو نسيـه؟! هو انا بس !! من يقلق عليك ويموت بين ورد ابتسـام امـه ومابين اخيــه؟! مابقا بي مع الايـام للصبْـر قوت واسمعك بي تردد:صاااحبي ماعليه ياسفـرنا..تطول وتبلع العمر حوت كم عشـانك نبيـع اللي نبي نشتـريه من صحينا على (كانوا)وهذي البيوت مابقت مثل ماهي..حزننـا تحتـويـه عن شتـا الحـال تكفينـا هالاشعـار كوت نعـْـرف الشعر..والشاعر والانسان فيه مانسـاوم بـيــــاضـه في سواد البشوت نرتقي لـه ونرقـا به..ولانعتـلـيـه آآآآه كم صـارت القلوب الآوادم خبوت لاعشب روح,لا رحمـه ولا حب..ليـه ؟! وآتساءل ـ وانا الغارق فـ بحر السكوت والوطن يزرع الاحـلام بـ يدين تـيــه..: كيف ابحيـا وانا اللي عارف ٍ كيف اموت ؟! وانت غـايب وحـاضر في جميـع الوجيـه!؟ رؤية محمد صلاح (1) لم يكن عاطف الحربي يعلم بأنه كان رفيق سفري حيث طبعت قصيدته هذه ووضعت الورقة في حقيبتي قبل أن أسافر بقليل..وهو أمر حدث عدة مرات،أن أطبع قصيدة لأقرأها في الطريق،أو في مكتب العمل،أو في السماء..لكن الاختلاف مع قصيدة عاطف أنها بقيت عصية على طبعي مع القراءة،فتنازلت عنه لطبيعتها مع الشعر.. (2) يبدأ عاطف شعره الموجع حد المتعة بـ فعل(أفتح الباب) فصعب علي أن أغلق الباب الذي أتاني منه شعره لأستريح لأن الراحة من ذلك الوجع الذي يمطره هكذا شعر هي التبلد بعينه،إذن فالباب الذي يأتيك منه مثل هذا الشعر لا (تسده) بل إجعله مفتوحاً على مصراعيه،شرط أن ينفذ إليك منه بكامله بمعنى أن تقرأه كما يليق به،شعراً يتضمن طاقة إنسانية مدهشة حيث تضامنت معها طاقة شعرية مدهشة هي الأخرى. (3) بعد فعل(أفتح الباب) نجدنا،وبدون توقف،أمام فعل آخر،فعل شاعري،هو الإنصات لمخلوقات تظل مبرأة من كل مساوئ البشر،إنها العصافير ذات الغناء المبرأ أيضاً من مساوئ لغتنا المترهلة بالغبار والموبوءة بأدران الزيف..وتبعاً لسياق الفعل في مطلع القصيدة فإن سماع غناء العصافير بعد فتح الباب هو تسلسل مخاتل قد يوقع كثير ممن يقرأون القصيدة في أمر واقعية الأشياء،لكن يجب ان نفطن هنا إلى أننا إزاء شعر وليس فيلما تسجيليا،ذلك أن ما يجيء بعد كل من الفعلين هو بمثابة فعل الشاعر لوحده-الشاعر بمعنى الفنان بروحه- فمن هو ذلك الذي يغريه الفجر الشفيف إلى حد إحتضانه حباً والتسمية عليه حرصاً ضد الوقوع في عطب النهار،غير إنسان فائق الفنية الشاعرية في تعاملاته مع الحياة؟. (4) وإن كان المساء هو الوقت الذي كثيراً ما يفتح البال نحو تطويحات الشجن،فإن الصباح هو أكثر الأوقات التي تصطحب ذوي الشفافية الروحية نحو أحبتهم،حيث إشارته إلى أن في دواخلهم شيئاً من نوره.. والصباح هناك ذلك الذي تمت ملامسته إثر إحتضان الفجر- ليس أي صباح لكل الناس،وكان من الممكن أن يكون كذلك لولا أن هناك ما جعله مغايراً لدى الشاعر،وليس صوت العصافير فقط هو من جعله كذلك،لكنها طيور الحب الشجية في روح الشاعر،تلك التي جعلته مهيأ للخروج،ومن ثم للقابلية لأن يستبشر بأشياء الفجر فالصباح، ولهذا كان الشجن حاضراً ليُعمل الشاعر إلتفاتة نحو الباب، فيجد بأنه كأي باب يفتح على هوّة الفقد التي تظل مشرعة نحو فضاءات التساؤلات والهواجس والذكريات.. (5) (بحر السكوت)عبارة كانت قد وردت في غحدى قصائدي وأذكر ذلك هنا متعمداً وراجياً ألا يفهم من ذلك ما لا أقصده، فعاطف الحربي شاعر مبدع،والتطابق في بعض الإستخدامات أمر وارد ما بين الشعراء،والعبرة في عدم تطابق المعاني..وإن أذكر إستخدامي ذاك فلكي أشير إلى أنني مررت بذلك الشعور أعني أن نجد أنفسنا برغم كثافة الصمت بحالة كثافات من تساؤلات صاخبة،قد تجعل شعورنا بالوحدة يتزايد،حين نشعر بأن لا أحد ممن يمكننا الحديث معهم على استعداد لأن يفكر معنا كما نحتاج لأنه غير قادر على ذلك،وهناك هواجس وأفكار عبر الصمت لا تفرض نفسها على الشاعر إلا حينما يشعر بأنه المواطن الوحيد في العالم بدون ذلك(الصاحب)الذي يعني له تمام الصحبة في الحياة.. (6) وذلك (الصاحب)في القصيدة أيضاً ليس أي صاحب،- كما هي العصافير ليست أي عصافير ولا الفجر أي فجر -ولعل لنا من التساؤل حول أحقية ذلك الصاحب بأن يذكر كما يستحق،وكذا من ذلك(القلق) حياله إلى حد التداعي وكأنما الأمر موتاً في محاولات إخفاء هواجس الفقد عن من تربطهم أكثر علاقات القربي،حباً وحناناً وتواصلاً،بالشاعر،ما يؤكد بأن ذلك الصاحب هو بمثابة شخص الشاعر نفسه، ولعل لي من عبارة(واسمعك بي تردد) ما يعزز هذا التفكير الإستقرائي لدي،فإن يسمعه(به) يعني أن هناك إلتقاء روحياً لا يفصله أي فقد أو فراق.. (7) وإن تجيء عبارة(صاحبي ما عليه) كإشارة إلى حنو ذلك الصاحب وحرصه على صاحبه من متاعب تقاذفات متاهات الحياة، فإن هواجس الشاعر وهو يتأمل مسيرة الحياة في ذاكرته جاءت كما لو أنها تتقصد إبعاد عبارة العزاء تلك عن ذهنه..وإذ يظل العمر سفراً إلى المجهول،فإنه في كل ما يمضي منه سفر إلى معلوم،وهو عملية التذكر إسترجاعاً لما مضى، وفرزاً لفداحات،قد يكون الإنشغال في فرزها محاولة لصد المزيد منها ولذلك فإن المعنى المجازي لتلك العبارة الشعرية المدهشة:(نبيـع اللي نبي نشتـريه) يذهب بنا مباشرة في تصوري – إلى العمر الذي يعتبر الرصيد الوحيد الذي لا يعوض ما نخسره منه،إنه يظل في تناقض دائم عبر كل يوم يمضي منه، فإذا ما جاء ذلك النقص متلازما لخسائر روحية،فإن الأمر يحدث كما لو بعنا اشياء كنا نريد إمتلاكها ولم يحدث ذلك،وذهاب العمر بفداحات هو تنازل إجباري عما يماثل العمر قيمة. (8) والبيوت قد تعني القلوب،أو الصدور،وقد تعني الإنسان الحق فإن البيوت لم تعد هي البيوت في ظل قشرة حضارية مزيفة يتراكم تحتها كثير مما يمكن ان يدخل في قائمة (التخلف)الوجداني. وبما أن(كانوا) هي عبارة عن تصفح لكتاب حياة قديمة مغايرة فإن عملية تصفحه تظل تجعلنا نزداد إدراكاً بأن البيوت العصرية ليست فقط كتل الإسمنت وأكوام الحديد المفتوحة دائماً للمزيد من الوحدة،ولكنها أيضاً البشر أنفسهم،بتماثلهم للبيوت الخاوية،وهم في تحركهم يشيعون الشعور بالفرق الكبير بين ما يوجد في ذلك الكتاب وبين بيوت الخواء الآدمية حتى وهي تسير في الشوارع..ولهذا صار الهرب الى البيوت الحقيقية لا يجدي نفعاً عن أثر البيوت المجازية حيث سنجد بيوتاً داخل البيوت،كظلمات داخل ظلمات!وقد إلتقت آهة الشاعر مع آهتي التلقائية وأنا أرى صورة ذلك جلية هنا: (آه كم صـارت القلوب الآوادم خبوت لا عشب روح , لا رحمـه ولا حب..ليـه؟!) (9) عن شتـا الحـال تكفينـا هالاشعـار كوت نعـْـرف الشعر والشاعر والانسان فيه مانسـاوم بـيــــاضـه في سواد البشوت نرتقي لـه ونرقـا به.. ولانعتـلـيـه سأختتم بالتأكيد على أنني وجدت في هذين البيتين أروع ما قرأته من إنصاف للشعر منذ مدة طويلة وقراءات كثيرة..وبهما يتأكد لي أن الشعر سيظل بخير بمثل هذا الفهم الرفيع لماهيته،والشاعر هنا يتعامل معه كملاذ روحي مواز للحياة النبيلة إن لم توجد،وهو لا يساوم بياضه لأنه يدرك بأن أي مساومة في حقه يعني مساومة في حق النقاء من حيث كونه إبداعاً إنسانياً..والشعر هو الحب،هو النقاء،هو معادل لكل قيمة إنسانية رفيعة تلك التي يرتقى إليها ليرتقى بها،لكن التصور بإعتلائها هو السقوط الشنيع الذي لن يتبعه إي إرتقاء،لأنه تصور يؤكد الجهل الوجداني المطبق وهو أشد أنواع الجهل بلاء مستطيراً. (10) عاطف الحربي..ألف شكر من القلب لقلبك وفكرك وشعرك فقد كان سفري مع شعرك سفراً رائعاً أخذني عالياً وسيظل.

مشاركة :