لكل مثقف محطات مهمة في تجربته، وفي الشعر تحديدًا يمر الشاعر بعدد من المحطات والمراحل التي تشكل في مجملها تجربته الشعرية، قد تقوده محطة ما إلى نجاح آخر وتشكل له منعطفًا مهمًا بتأثيرها المعنوي، وربما تزرع فيه نفسيته الإحباط وتخلق له حالة من الملل في مرحلة، ولكنها تبقى بتفاصيلها الصغيرة في الذاكرة تستعيد قراءتها وتفاصيلها في لحظة كتابية فيها من الحميمية الشيء الكثير.. هنا يسرد لكم الشاعر والإعلامي عاطف الحربي بعض محطات تجربته الشعرية والإعلامية أيضًا.. * لا تخلو المحاولات الأولى من التعثر والخجل والسريّة حتى، وكأن الشعر كائن فضّاح لا يجب تبنّيه أو الاقتراب منه، مع أني كبرت وأيقنت من أنه كذلك بالفعل .. ككل الأطفال المولعين بموسيقى اللغة، اختبرت هذا الشعور لأول مرة في حصة المطالعة حين كان الأستاذ بصوته الأجش يقرأ علينا قصيدة لأحمد شوقي لم أحرص حينها على فهم معناها بقدر حرصي على الإمساك بموسيقى كلماتها والتماهي مع طريقة إلقاء الأستاذ لها، منذ تلك الحصة، أحببت الشعر ومارسته سرًا وخبأته في دفاتري وفي الصفحات الأولى والأخيرة من الكتب الدراسية. * في المرحلة الثانوية، كانت مشاركة الأصدقاء لدفتر الكشكول الذي حوى كل محاولاتي وحماقاتي الأولى، أبيات وقصائد خجولة كُتبت واختبأت خلف كلمات الأغاني وقصائد الشعراء الذين أحببتهم آنذاك، أبيات وقصائد لا تخلو من كسور الخواطر والأوزان، أبيات وقصائد لم تبحث عن قارئها بقدر بحثها على الخروج بأي شكل من أشكال الوزن والقافية، أبيات وقصائد تتحدث عن الحبيب الذي لا أعرفه والليل الذي لم أسهره والحزن الذي لم يكن موجودًا من الأساس، أبيات وقصائد كتبتها لكي أتمكن من كتابة الشعر فقط. * دخولي عالم الإنترنت، المحطة الأهم في حياتي والتي بدأت فيها بالنشر والتعرف على قائمة جديدة من القوالب الشعرية والأصدقاء الشعراء، مرحلة ذات طابع متطوّر وسريع ومغاير عن سابقاتها من حيث الرؤية والاهتمام وأدوات الكتابة، أصبحت الكتابة شيئًا فشيئًا تحتلّ المساحة الأكبر في جهدي واهتمامي وتفكيري، أصبح هناك قرّاء ومهتمون ومتابعون، أصبحت كتاباتي تخضع للنقد والتعرّض لشريحة واسعة من الجماهير على اختلاف مستوياتهم الفكرية، وهذا ما ساهم في صقل ـ ما أظنه حتى هذه اللحظة ـ موهبتي الشعرية، ولا أنسى في هذه اللحظات منتدى شظايا الذي كنت وما زلت أدين له بالفضل بعد الله على وصولي لما أنا عليه الآن من المستوى الكتابي والجماهيري. * ليس ببعيد عن ذات الركض الإلكتروني السابق، فقد تطوّر القالب الذي ساهم بوصول الشعر بشكل أسهل وأقرب لمتابعيه، الفيس بوك وتويتر من بعده، مساحة تراها ضيقة في شكلها الخارجي بينما في عمقها تكمن الرحابة والفسحة والحرية، أتخفف من الكتابة في بعض الأحيان وأتأنى حرصًا على القيمة الحقيقية للكتابة، لم يعد الكم يعنيني، الكيف هو الأهم وهو الذي سوف يبقى، حرصت في تويتر أن أغيب حين يكون الحضور شيئًا من الرفاهية، حرصت ألا تأخذني أنانية الأضواء عن الحضور والغياب مع قصيدتي. * بين عام 2006 حتى 2016 وكتبت وشاركت في أمسيات عديدة ونشرت في الصحف والمجلات المحلية والخليجية، كما عملت محررًا في بعضها، ولعلي خرجت بمحصلة معرفية لا بأس بها حملتني على الكتابة والقراءة بشكل أكثر دقة واحترافية.. كان ظهوري في برنامج شاعر المليون للنسخة الخامسة تتويجًا لكل هذه المحطات، لم يحالفني الحظ في عبور المرحلة الأولى من البرنامج ولكن بلا شك حالفني لخوض تجربة جديدة في حياتي وهي الظهور بشكل مباشر على الشاشة التلفزيونية ... تجربتان جديدتان في نفس الوقت، البرنامج والشاشة المباشرة، أضافتا لرصيدي الكثير من الخبرة التي ساعدتني على اكتشاف نفسي وقدرتي على الكتابة تحت الضغوط، كما ساعدتني على تجاوز التفكير بالارتباك والخجل أمام تجاربي في ظهوري اللاحق في التلفزيون والإذاعة. * لم يقف تأثير الحضور الإعلامي على مستوى الحضور بل تجاوزه إلى التأثير بشكل عميق بطريقتي في الكتابة ومنهجي في التفكير، أصبحت على مقربة من فهم الشعر بالشكل الذي يرضيني وأحسبه صحيحًا، الشعر ابن الفن والفلسفة، الشعر الذي أريد أن أكتبه وأن أقرأه كذلك. ولعلي أرى أن السنتين الأخيرتين من حياتي كانت من أكثر سنوات اقترابي للشعر ـ كتابةً وفهمًا ـ وهذا ما يجعلني أقول وأنا مطمئن على أن قصائدي في هاتين السنتين هي من أجود ما كتبت في حياتي. * التجربة المغايرة هي في مشاركتي مع مجموعة من الأصدقاء في صناعة واحد من أهم الأعمال على اليوتيوب وهو مسلسل مسامير الكرتوني، أكتب معهم حين يكون الشعر حاضرًا في الحلقات، أبيات تعبّر عن موضوع الحلقة بطريقة فكاهية محضة، في بداية الأمر وجدت بعض الصعوبة في الخروج من طريقتي المعتادة في الكتابة حيث إن هذا الأمر يحتاج لهذا الخروج والدخول إلى عالم مختلف بالكلية عن الذي عهدته، كانت الصعوبات في البداية تكمن في سهولة الكتابة المطلوبة في بعض الحلقات، خصوصًا بعدما رأيت مدى تأثير وانتشار مشاركاتي الأولى في هذه التجربة، حظيت بعالم مختلف من المتابعين أثناء هذه التجربة التي ما زلت أخوضها حين يُطلب مني المشاركة في صناعة هذا المسلسل الذي أتشرف كثيرًا بمشاركة صانعيه نجاحاته المبهرة.
مشاركة :