قضى تعويم الجنيه على آمال المصريين. فمَن كان يجاهد للعيش في مستوى متوسط أصبح يتمنى أن يستطيع العيش فقط، ومَن كان ينوي الزواج في وقت قريب أجّل موعد زفافه لأن مدّخراته لم تعد كافية. ووضع المواطنون في "أم الدنيا" شعار "طريقك مسدود" نصب أعينهم، منتظرين ما ستكشفه "الأيام السوداء" القادمة، وفقاً لتعبيرهم. اسيقظ المصريون في 4 أكتوبر على ما أسمته الحكومة بـ"بشرى تعويم الجنيه"، إذ قرر البنك المركزي المصري، صباح الخميس، تحرير سعر صرف العملة المحلية. وفي أولى تبعات هذا القرار، تقرّر رسمياً تخفيض قيمته بنسبة 48% أمام الدولار ليسجّل الدولار نحو 14 جنيهاً، مقارنةً بـ8.88 جنيهات في نهاية تعاملات الأربعاء. ونزل الخبر كالصاعقة على المواطنين، وتوقفت حركة البيع والشراء داخل المراكز التجارية الكبرى لحين فهم التجار ما يدور في سوق العملة. ولم يتخيّل المواطنون أن قرار التعويم سيأتي بعد أقل من 24 ساعة على قرارات اتحاد الغرف التجارية وقف التعاملات بالعملة الخضراء لمدة أسبوعين، ووقف استيراد "السلع الاسفزازية"، في مسعى للحد من ارتفاع الدولار داخل السوق الموازية، والذي كسر حاجز 18 جنيهاً للدولار الواحد، لأول مرة في التاريخ. و"السلع الاستفزازية" هو مصطلح يطلقه المصريون على السلع العالية الرفاهية التي لا تشتريها الطبقة المحدودة الدخل وتستهلك الكثير من احتياطي العملات الأجنبية في مصر كونها مستوردة، وذلك مثل الكافيار وطعام الكلاب والشوكولا الفاخر. تصريحات بعيدة عن الواقع بعد قرارات اتحاد الغرف التجارية، أطلق مسؤولون تصريحات بعيدة عن الواقع، إذ روّجت عدة صحف أن الدولار انهار أمام الجنيه وسجل 11 جنيهاً فقط، بانخفاض 7 جنيهات في أقل من ساعة، وهو ما نفاه بعض التجار في السوق السوداء، مؤكدين أن الدولار متأرجح بين 16.5 و17 جنيهاً، ما أحدث بلبلة في السوق الموازية. أقوال جاهزة شارك غردهكذا ببساطة، استيقظ المصريون على قرار يُفقدهم نصف قيمة مدخراتهم ومداخيلهم شارك غردتعويم سعر الجنيه... الفقير سيزداد فقراً ومن كان ينوي الزواج في وقت قريب سيضطر إلى تأجيل موعد زفافه ولم يقف الترويج على الصحف فقط، بل تغنّى رئيس شعبة المستوردين في اتحاد الغرف التجارية المصرية، أحمد شيحة، بأن سعر الدولار سيصل إلى 10 جنيهات، ثم سيصل إلى 7 جنيهات في أقل من شهر. ولكن كل هذا الكلام ذاب مثل الجليد عندما أشرقت عليه الشمس. وقد وصل سعر العملة الخضراء رسمياً إلى 16 جنيهاً خلال التعاملات المسائية في البنوك، نهار الخميس. المواطن سيعاني وقال الخبير الاقتصادي الدكتور عبد النبي عبد المطلب إن "تعويم الجنيه خطوة ضرورية على الصعيد الاقتصادي، أياً كانت إيجابياتها أو سلبياتها"، لكن ما يجب التخوف منه برأيه هو رفع سعر الفائدة، وهذا قرار صاحب تحرير سعر صرف العملة المصرية، لأن ذلك سينعكس سلباً على الاستثمار. وأضاف لرصيف22 أن "أسعار السلع سترتفع، خاصة السلع الغذائية من 20% إلى 30% وهو ما يزيد العبء على المواطنين، فهناك تخوف مثلاً من تسعير الأدوية من جديد، رغم التضخم في أسعارها". ردّة فعل مواطن مصري على تعويم الجنيه: "سوف نزن النقود بالكيلو لشراء السلع" | رصيف22" data-picture="http://cdn.raseef22.com/wp-content/uploads/2016/11/MAIN_Egypt-money-crisis.jpg" data-name="تعويم الجنيه: المصريون ينهارون مع عملتهم الوطنية - رصيف22 | اقتصاد"> شارك غرد وأوضح أنه بعد قرار تخفيض الجنيه بنسبة 48%، فقد المواطن المصري 50% من قيمة دخله، وبالتالي ستكون هناك أعباء إضافية على المواطنين. وقال الخبير الاقتصادي صلاح فهمي: "على الصعيد الاقتصادي كان القرار مطلوباً منذ أكثر من خمسة أو ستة أشهر وحدث تقاعس في إصداره. فقد كان يجب إصداره مبكراً لأن الاقتصاد المصري في حالة يرثى لها، إذ بلغ عجز الموازنة العامة 2.5 تريليون جنيه، وكان يجب توحيد سعر صرف الدولار أمام العملة المحلية، لضبط السوق المالية، لأنه في حال عدم انضباطها سوف يرتفع الدولار إلى مستويات غير مسبوقة". وأضاف لرصيف22: "على المستوى الاجتماعي، يعني خفض قيمة الجنيه المصري أننا سوف نصبح أفقر مما كنا عليه... وسينخفض مستوى المعيشة بنفس قيمة انخفاض قيمة العملة المحلية، خاصةً أن أسعار السلع سوف ترتفع مجدداً". من جانب آخر، قررت الحكومة رفع أسعار البنزين والسولار وغاز السيارات بنسب تراوح بين 30.6% و 47%، وهو ما يتبعه رفع تعرفة أجرة الركوب، بخلاف ارتفاع أسعار السلع الغذائية. وقفز سعر كيلو العدس من 12 جنيهاً إلى 24 جنيهاً، وسعر الفاصولياء من 12 جنيهاً إلى 25 جنيهاً، واستمر اختفاء السكر وارتفع سعره إلى 14 جنيهاً مقارنة بـ7 جنيهات وفقاً لسعر وزارة التموين. ورغم أن رجال الأعمال رحّبوا بالقرار إلا أن المواطنين رأوا عكس ذلك، إذ قال محمود محمد، 28 عاماً ويقيم في حي المعادي ويعمل موظفاً في خدمة عملاء بالبنك الأهلي: "نعيش أياماً سوداء، بهذه القرارات يسرق نصف مدخراتنا ومرتباتنا... فإن كانت هذه سياسة مفيدة للبلد، فيجب زيادة دخلنا بما يتماشى مع ارتفاع أسعار السلع". وبرأي أحمد الضوي، 28 سنة، وموظف في شركة "اتصالات": "إذا افترضنا أن القرار صائب، والحكومة مقتنعة بإيجابياته، فقد كان من المفترض السيطرة على السوق قبل إصدار مثل هذه القرارات، فجميع السلع ترتفع أسعارها، وتزيد الأعباء على المواطنين، وكدنا ننفجر من كثرة الضغوط". وتحدثت مها محمود، 47 سنة، وربّة منزل عن الآثار السابقة لانخفاض سعر الجنيه قبل القرار الأخير، وقالت: "كنت أخطط لشراء احتياجات ابنتي من أجل الزواج في فترة تتراوح بين 4 و 6 أشهر، ولكن كلما اشترينا شيئاً وتوجهنا لاستلامه نجد أن سعره ازداد بنسبة كبيرة. ذهبت لحجز الثلاجة من أحد المراكز التجارية الكبرى في منطقة مصر الجديدة بنحو خمسة آلاف جنيه، وتقرر أن يتم التسليم في اليوم التالي، وعند استلامها فاجأنا التاجر بزيادة سعرها إلى نحو ستة آلاف جنيه، وكل فترة يتم تأجيل الزواج بسبب ارتفاع الأسعار بشكل مبالغ به". وتهكم مصطفي عطيه، 45 عاماً ومدرّس، على تعويم الجنيه في ظل ارتفاع الأسعار، قائلاً: "هنروح نشتري مستلزمات المنزل بآلاف الجنيهات، وسوف نزن النقود بالكيلو لشراء السلع، بعد انخفاض قيمة الجنيه الشرائية". اقرأ أيضاً الخاسرون والفائزون من خفض سعر الجنيه المصري لا شيء يقهر الجنيه المصري الخارق الخاسرون والفائزون من "تعويم" الجنيه المصري كلمات مفتاحية اقتصاد الجنيه المصري مصر التعليقات
مشاركة :