مصر: توقعات بعدم ارتفاع الكلفة السياسية للقرارات الاقتصادية «الصعبة»

  • 11/7/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

بعد يومين فقط من مثول رئيس الوزراء المصري شريف إسماعيل أمام البرلمان للحديث عن الأوضاع الاقتصادية «الصعبة» في جلسة شهدت هجوماً غير مسبوق على الحكومة بسبب ارتفاع الأسعار، وصل إلى حد تجميع توقيعات لنحو 150 نائباً للبدء في اتخاذ الإجراءات الدستورية لسحب الثقة من الحكومة، أعلنت الحكومة حزمة من القرارات الاقتصادية أقر رئيس الوزراء نفسه أنها ستؤدي إلى مزيد من ارتفاع الأسعار، بعدما كان البنك المركزي المصري أعلن الخميس الماضي تحرير سعر صرف الجنيه المصري، الذي كان يعتمد سياسة تثبيت سعر الصرف ما خلق سوقاً موازية للدولار خصوصاً أحدثت اختلالات هيكلية في الاقتصاد المصري. وقبل القرار كان البنك المركزي يبيع الدولار للبنوك في عطاءات دورية بسعر لم يتخط 9 جنيهات، فيما كان يُباع في السوق الموازية بأسعار ناهزت 17 جنيهاً، وبعد تحرير سعر الصرف وصل سعر الدولار في البنوك إلى نحو 16 جنيهاً. وبعد قرار تحرير سعر الصرف اتخذت الحكومة قرارا برفع أسعار الوقود بنسب تفاوت بين 7 و87 في المئة، في محاولة لتقليص دعم الطاقة، خصوصاً أن الموازنة العامة للدولة ستتحمل استيراد المشتقات النفطية مقومة بالأسعار الجديدة للدولار. ورفعت الحكومة أسعار أسطوانات البوتاجاز المخصصة للمنازل من 8 جنيهات إلى 15 جنيهاً، والتجارية من 16 جنيهاً إلى 30 جنيهاً بزيادة 87.5 في المئة. ورفعت أسعار «بنزين 80»، الأكثر استهلاكاً لدى الفقراء، إلى 2.35 جنيه للتر بدلاً من 1.6 جنيه، بزيادة 46.9 في المئة، و «بنزين 92» إلى 3.5 جنيه للتر بدلاً من 2.6 جنيه بزيادة 34.6 في المئة، والسولار إلى 2.35 جنيه للتر من 1.8 جنيه بزيادة 30.6 في المئة. وأبقت الحكومة على سعر «بنزين 95» الذي يستهلكه الأغنياء عند 6.25 جنيه للتر، بدون دعم. كما رفعت أسعار المازوت للصناعات الغذائية ولمصانع الأسمنت وبقية القطاعات الصناعية لكن بنسب بسيطة لم تتخط 10 في المئة. وتستهدف الحكومة من رفع الأسعار توفير 22 بليون جنيه من ميزانية دعم الطاقة. وكانت الحكومة أعلنت في 2014 خطة لرفع الدعم عن الطاقة تماماً على مدى 5 سنوات، ولذا اعتبر مراقبون أن نسب رفع الأسعار قبل يومين كانت حادة، غير أن رئيس الوزراء شريف إسماعيل قال إن «الحكومة كانت تخطط لرفع الدعم عن الطاقة خلال 5 سنوات، لكن ليست لدينا هذه الرفاهية حالياً»، في مؤشر ربما إلى رفع الدعم عن الطاقة تماما قبل 2019. وأقر إسماعيل في مؤتمر صحافي أول من أمس بأن «الفترة المقبلة ستشهد زيادة في أسعار بعض السلع. فالإصلاح له تكلفة». ولمح إلى إمكان رفع أسعار تذاكر مترو الأنفاق، مبرراً أن «مترو الأنفاق يحقق خسائر كبيرة ولا يغطي تكلفة تقديم الخدمة. استمرار هذا الحال يعني أنه لا يمكن الاستمرار في تقديم الخدمة». ومن المرتقب أن توقع مصر قريباً على اتفاق مع صندوق النقد الدولي لإقراضها 12 بليون دولار على مدى 3 سنوات، بعد أن نفذت خطوات تحرير سعر الصرف ورفع أسعار الوقود. وغالباً ما يُحدث رفع أسعار الوقود في مصر ارتباكاً في الشارع، ولهذا الغرض اجتمع أمس رئيس الوزراء مع المحافظين من أجل وضع خطة للسيطرة على ارتفاع الأسعار خصوصاً تعرفة نقل الركاب، بعدما تعهدت الحكومة بعدم رفع تعرفة النقل العام، الذي لا تعتمد عليه غالبية المصريين، فيما شهدت مواقف النقل فوضى أمس بعد رفع السائقون التعرفة وسط اعتراض من المواطنين. وانتشرت الشرطة في غالبية مواقف النقل لضمان عدم مغالاة السائقين في التعرفة، بانتظار إعلانها من قبل المحافظات، لكن غالباً ما يبتكر السائقون حيلاً عدة للالتفاف على أسعار التعرفة المُعلنة من قبل الحكومة، فيما يتحمل المواطن، بالنتيجة، ارتفاعاً مُبالغاً فيه في تذكرة النقل الخاص مع كل رفع لأسعار الطاقة. وأضرب سائقون عن العمل أمس، ورفضوا نقل ركاب في عدة مواقف. وتوقعت عدة بنوك استثمار ارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات كبيرة في الشهور المقبلة. وقال بنك استثمار «برايم» إن «أسعار الأغذية والمشروبات والرعاية الصحية ستكون الأكثر تأثراً بتعويم الجنيه (تحرير سعر الصرف). قطاعات الأغذية والمشروبات والصحة كانت تعتمد على الجهاز المصرفي في توفير الدولار، كونها ضمن قائمة السلع الأساسية التي تحظى بأولوية في توفير العملة الصعبة، على عكس قطاعات أخرى كانت تعتمد على السوق الموازية». ورفع برايم توقعاته لمتوسط معدل التضخم في المدن خلال العام المالي الحالي إلى 18 في المئة مقابل 14.5 في المئة في توقعات سابقة. وتوقع بنك استثمار «بلتون فاينانشال» أن يشهد معدل التضخم موجة ارتفاع كبيرة، خصوصاً في النصف الأول من 2017، مشيراً إلى أن معدل التضخم قد يصل إلى مستويات تتراوح بين 25 و30 في المئة خلال هذه الفترة». وتعهدت الحكومة اتخاذ تدابير من أجل السيطرة على الأسواق، منها تثبيت سعر رغيف الخبز المدعم عند 5 قروش مع تعويض المخابز عن ارتفاع أسعار الوقود، فضلاً عن زيادة مخصصات الفرد في بطاقة التموين من 18 إلى 21 جنيهاً، وتعهدت التوسع في شبكة الضمان الاجتماعي المُطبقة حالياً. وأتت القرارات الاقتصادية، التي لا خلاف بين كل الأطراف وحتى الحكومة على أنها ستسبب «ارتفاعاً في الأسعار»، وسط شكوى الشارع في الأسابيع الأخيرة من الغلاء، وقبل أيام من دعوى أطلقتها صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي وأيدتها جماعة «الإخوان المسلمين» وحلفاؤها للتظاهر يوم الجمعة المقبل تحت شعار «ثورة الغلابة»، احتجاجاً على ارتفاع الأسعار في الفترة الماضية، بسبب شح الدولار ما رفع فاتورة الاستيراد، فضلاً عن رفع أسعار الكهرباء والغاز والمياه، وفرض ضريبة القيمة المضافة. لكن الحُكم يبدو أنه لم يأبه بالأثر السياسي لتلك القرارات الاقتصادية التي يراها ضرورية. وقال الخبير في مركز «الأهرام» للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور بشير عبد الفتاح لـ «الحياة» أن «هذه القرارات الاقتصادية كانت ضرورية ومؤجلة. من المفترض أنها كانت اتخذت في فترات سابقة في إطار برنامج إصلاح اقتصادي منذ تسعينات القرن الماضي، لكن التكلفة السياسية له دفعت (الرئيس السابق حسني) مبارك لتأجيلها والاستعاضة عنها بقرارات أخرى تعطي نتائج غير مرجوة». وأضاف أن «الرئيس عبد الفتاح السيسي محاصر بأمرين، أولهما شروط صندوق النقد الدولي والثاني أننا بتنا أمام اللحظة الأخيرة التي لا يمكن بعدها إرجاء تلك القرارات». وأشار إلى أن «السيسي اعتمد على شعبية تتراجع لكنها لا تزال موجودة. كثير من الشعب يعلم أن لا بديل إلا الفوضى والاضطراب، فضلاً عن مجاملة مؤسسات الدولة كافة من الجيش إلى القضاء إلى إعلام الرئيس»، موضحاً أنه في الشهور الماضية اتخذ قرارات اقتصادية أقل حدة ولم تكن لها ردات فعل عنيفة، وبالتالي رأى الحُكم أن «رد الفعل تمكن السيطرة عليه». وقال عبد الفتاح: «هناك شحن إعلامي منذ أسابيع لتنفير المواطن من الخروج والتظاهر وإشعاره بالكلفة الباهظة لهذا الخروج. النظام اتخذ تلك القرارات ظناً أن خروج الشعب بات أمراً مستبعداً، وحدوث تظاهرة بحجم ثورتي يناير ويونيو أمر مستبعد… الشارع أيضاً يخشى نتائج التظاهر وإمكان الدخول في مرحلة فوضى عارمة إضافة إلى الخوف من بطش الأجهزة الأمنية ومن استغلال الإخوان الاحتجاجات. كل هذه الأمور دفعت السلطة للإقدام على اتخاذ تلك القرارات، وهى لا تتوقع رد فعل عنيف أو جماعي. قطعاً تلك القرارات اتخذت بعد استشارة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، كما أن هناك أملا في أن تؤتي تلك القرارات ثمارها سريعاً. هذا الأسبوع قد يشهد حزمة من الأخبار والتطورات السياسية والاجتماعية الإيجابية». وأوضح عبد الفتاح أن تلك القرارات سيكون لها بالقطع تأثير سلبي على «شعبية الرئيس وستخفض شعبيته، لكن الانخفاض في الشعبية لا يعني الرغبة في إسقاط النظام. في السلطة لا بد أن تتخذ قرارات اضطرارية قد تؤثر في الشعبية، غير أن التراجع في الشعبية لا يعني بالضرورة تراجعاً في الشرعية. والرئيس يعلم ذلك. لكن لا بديل من تلك القرارات الصعبة»، مضيفاً أن «اهتزاز الشعبية لا يشير إلى رغبة في التغيير، خصوصاً أن الجميع يعلم أن النظام متماسك من الداخل، فضلاً عن أن الإعلام المصري صدر على مدى الشهور الماضية فكرة النماذج السورية والعراقية واليمنية، ولا أتوقع أن تجد وسائل إعلام مصرية تقوم بدارسة الأعباء والآثار السلبية لتلك القرارات. الإعلام المصري كله يدعمها ومهد الطريق لها وسيحاول عدم تسليط الضوء على سلبيتها». وخلص إلى أن تلك المُحددات تدل على أن النظام يتوقع «كلفة سياسية غير باهظة» لتلك القرارات ومستعد للتعامل معها.

مشاركة :