الرسائل السياسية لقرارات مصر الاقتصادية بقلم: محمد أبو الفضل

  • 11/7/2016
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

إشاعة مناخ الثقة في الاقتصاد والقيادة المصرية، تعني المزيد من الفرص الاستثمارية الواعدة، وتشير إلى أن مصر قادرة على أن تتعافى في المستقبل، والأهم أنها ترسل رسالة خفية بأنها قررت الاعتماد على نفسها ولن تعتمد على المنح والمساعدات. العربمحمد أبو الفضل [نُشرفي2016/11/07، العدد: 10448، ص(9)] استفاض الكثيرون في الحديث عن المعاني الاقتصادية التي تحملها القرارات والإجراءات التي اتخذتها مصر قبل أيام، لكن غاب عن البعض أن هذه الخطوات لا تخلو من مضامين سياسية، في الداخل والخارج، أراد منها النظام المصري توصيل جملة من الرسائل لمن يهمهم الأمر. الإجراءات المعلنة وضعت على كاهل قطاع كبير من المصريين عبئا ماديا كبيرا، قد يعجز الكثيرون عن تحمله، ويأمل النظام الحاكم أن تخفف بعض الخطوات التي تسير بالتوازي، من المعاناة وحدة الأزمات الناجمة عن الإجراءات الإصلاحية، لقطع الطريق على من يحاولون الصيد في الماء العكر، وتوظيفها للإيحاء بأن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، لم يراع ظروف البسطاء الذين وقفوا خلفه، وكانوا بمثابة الظهير السياسي له. بغض النظر عن نجاح التوظيف السياسي من جانب معارضي النظام المصري من عدمه، فإن الرئيس عبدالفتاح السيسي عندما قرر البدء بخطوات الإصلاح في الوقت الراهن، لم يغب عن ذهنه، أن هناك متضررين من المواطنين، وأن هناك قوى تحاول استثمار إجراءاته للتأثير على شعبيته، ومحاولة نشر الشائعات حوله. في تقديري إنه كان مشغولا بحسابات أخرى، ربما لم يتوقف عندها البعض، أو لم يفطنوا لها أصلا، أو سعوا إلى تجاهلها عمدا، وهي تتعلق بتأكيد شعبيته بصورة عملية، فـإذا كـانت بعض التكهنـات ذهبت إلى أن حضوره تراجع بقوة، فهو يريد أن يثبت العكس، ويقدم أدلة تدعمه في هذا الاتجاه. من حيث التوقيت، جاءت قرارات إصلاح الاقتصاد المصري، قبل أيام قليلة من دعوات أطلقتها قوى معارضة، تحض على الخروج للتظاهر يوم 11 نوفمبر الجاري، تحت شعار “محاربة الغلاء”، والمفترض في هذه الأجواء أن يتريث الحاكم، ولا يُقدم على خطوات يمكن أن تكون وقودا لزيادة مساحة النيران المشتعلة من حوله، لكن السيسي أراد القول إنه واثق من صواب خطواته، واستمرار ثقة الشعب فيه. وإذا جاء يوم 11 نوفمبر ولم تخرج تظاهرات، كما توقع الكثيرون، سيفهم المراقبون والمتابعون والمتربصون، في الداخل والخارج، أن هناك رضاء شعبيا، وتأييدا لخطواته الإصلاحية، وموافقة على الصبر وتحمل الغلاء والعناء، وهو ما يجهض أيّ دعوات قادمة للاحتجاج على حكم الرجل. في هذا السياق، يمكن التذكير بما حدث في مصر خلال يومي 18 و19 يناير من العام 1977، عندما قرر الرئيس الراحل أنور السـادات رفع أو تحـريك سعـر الخبز، فخرجت تظاهرات احتجاجية ملأت الكثير من الشوارع والميادين في مصر، واضطر وقتها الرئيس أنـور السادات إلى التراجع عن قراره، ووصف التظاهرات بأنها “انتفاضة حرامية” للتقليل من أهميتها السياسية، والتـأكيد على أنها مـؤامرة تقف خلفها جهات يسارية تحارب مشروعه الليبرالي. ومع أن قرارات السيسي الاقتصادية أشدّ قسوة ووطأة، فإنه متوقع ألا يجد من دعوا إلى التظاهر قبل وبعد إعلانها تأييدا لها، بالتالي ستكون الرسالة هي الموافقة ضمنيا أو صراحة، على حزمة الإجراءات التي اُتخذت، وسيظهر في نظر الكثيرين أنه “واثق من جماهيريته”، وأن ظهيره الشعبي، الذي قيل أنه تآكل، لا يزال ثابتا ومتماسكا، عكس ما يتم الترويج له. إذا عرفنا أن الخطوات الاقتصادية الجديدة، تأتي كجزء من برنامج الإصلاح، الذي اتفق عليه صندوق النقد الدولي مع القاهرة، فإنها تعني التعجيل بمنح مصر الدفعة الأولى من القرض، الذي يبلغ 12 مليار دولار على ثلاث سنوات. وهذه شهادة دولية، ليس فقط بعافية أو إمكانية تعافي الاقتصاد المصري، لكنها أيضا وثيقة سياسية، تفرمل من يرددون أن ما حدث في مصر يوم 30 يونيو 2013 “انقلاب عسكري قاده عبدالفتاح السيسي ضد حكم منتخب ديمقراطيا”، فشهادة الصندوق تمثل صك ضمان للرجل، وتوقف زحف الدعاوى القضائية التي طاردته في دول مختلفة، أو يمكن أن تطارده مستقبلا، لأن الصندوق جهة دولية مهمة للمساعدات الاقتصادية، وتقديم قرض لنظام في هذه الظروف، إعلان براءة موثقة. لعل ما جرى العام الماضي، في دولة جنوب أفريقيا، يعزز هذه النتيجة، حيث تكاتفت جماعة الإخوان مع جهات محلية هناك، لرفع قضية ضد الرئيس عبدالفتاح السيسي، أمام إحدى محاكم جنوب أفريقيا، بذريعة تدبيره لـ“انقلاب عسكري، وقتل مدنيين”، في محاولة لتوقيفه قضائيا، خلال زيارة كان من المتوقع أن يقوم بها لجوهـانسبرج، واستند محـاميه إلى حضـوره لاجتماعات منظمة الأمم المتحدة، وإلقاء كلمة أمام الجمعية العامة، لأن كل ذلك سبقته موافقات رسمية لزيارة نيويورك وحضور الاجتماعات، ما يمنحه شرعية دولية. ولأن الأمر، لا تزال له بعض الذيول، أو على الأقل مضايقات، تثار من حين لآخر، فإن منح صندوق النقض القرض لمصر، ينطوي على شهادة براءة سياسية أيضا، قد تغلق هذا الملف نهائيا، والذي يحاول البعض المناورة به. أضف إلى ذلك، أن إشاعة مناخ الثقة في الاقتصاد، والقيـادة المصـرية، تعني المـزيد من الفـرص الاستثمـارية الـواعدة، وتشير إلى أن مصر قادرة على أن تتعافى في المستقبل، والأهم أنها ترسل رسالة خفية، بأنها قررت الاعتماد على نفسها، ولن تعتمد على المنح والمساعدات التي كانت تأتيها، خاصة من دول الخليج، ما يشي بأن مواقفها وقراراتها لن تكون رهينة لإرادة أحد، ممن شككوا في عدم الاستفادة الجيدة من المليارات التي قدمت لها خلال السنوات الماضية. لا أحد ينكر أن هناك تحديات تواجه القيـادة المصرية لعبور النفق المظلم، ويصعب القول إن مجرد الإقدام على مجموعة من الإجراءات الاقتصادية، يعني توقف المعاناة، ولا يمكن القفز على النتائج والقول إن مصر سوف تلحق قريبا بالنمور الآسيوية، لكن اتخاذ كل هذه الحزم من الخطوات، من المحتمل أن يعيد إصلاح الكثير من الأمور الاقتصادية، وبالتالي السياسية. ولأن توافر العزيمة والإرادة أحد مؤشرات التقدم، فإنه من الضروري عدم المبالغة في ضمان “روشتة” النجاح، لمجرد اتخاذ قرارات، تستلزم إجراءات جادة تتوافق معها ومنع العشوائية، حتى لا يتحول الإصلاح إلى وبال يصعب تحمل نتائجه في المستقبل القريب. كاتب مصري محمد أبو الفضل :: مقالات أخرى لـ محمد أبو الفضل الرسائل السياسية لقرارات مصر الاقتصادية , 2016/11/07 مواقع التواصل والنظام المصري, 2016/10/31 أزمة فتح مع مصر, 2016/10/24 الحوار المطلوب بين مصر والسعودية, 2016/10/17 البشير.. قدم مع الحوار وأخرى في الحرب, 2016/10/10 أرشيف الكاتب

مشاركة :