لطالما شكلت الهويات القومية، مصدر رعب للقوى الاستبدادية والتوسعية في العالم. لذاك، لم يكن جديداً قيام هذه القوى بمحاربة أي مشروع وطني وسياسي تعتبره عائقًا ضد توسع نفوذها في الشرق. كان ذلك قديمًا، منذ تأميم قناة السويس 1956، القرار الأكثر جرأة في تاريخ الشرق الأوسط، حرب إسرائيل والعرب 1967.. واليوم في حرب المملكة ضد عصابات الحوثي، ولدعم الشرعية في اليمن. المقابلة التي أجرتها قناة CNN مع اللواء الركن أحمد عسيري، المتحدث باسم قوات تحالف دعم الشرعية في اليمن، ومحاولة كريستيان آمانبور كبيرة مراسلي قناة الشئون الدولية، إحراجه بصورة لسيدة يمنية في احتضارها الأخير بسبب الجوع، محاولةً وضع المملكة في موضع المُعتدي على سلام اليمن، موضع الإرهاب، والمسبب لتجويع وقتل المدنيين.. الأمر الذي رد عليه العسيري بطريقة العارف بما يفعل، بما يريده هؤلاء؛ ما قاله بقوة ومباشرة، وبهدوء الموقن أيضًا، بعد أن رفع الصورة مقابل الكاميرا، أو أمام عيون العالم بمعنى أدق، قال: «أنا متأكد أن هذه الصورة التقطت في مدينة تعز المحاصرة من قبل ميليشيات الحوثي».. مضيفاً: «لربما العالم نسي تعز تلك المدينة المحاصرة، ولربما الناس ضُللت عبر تلك الصورة، دعيني أقول لك: إن حربنا في اليمن هي لحماية اليمنيين من حدوث مثل تلك المأساة التي تشاهدينها في الصورة. هذه المقابلة التي تجعل قلبك ينقبض حسرة، لخصت الواقع السياسي في المنطقة، وما يفعله أعداء التماسك الوطني حول العالم؛ من خلق معسكر «مقدس» ضد الهوية الوطنية.. هذا المعسكر المقدس متمثل في هوية أيديولجية، تتخذ الدين سياجًا مفتعلاً لها.. وهي خيار جيد وعملي، حقق مكاسب وفيرة لهم منذ الحرب الباردة إلى غزو العراق 2003. وما جهاديو القاعدة وداعش إلا مثال لتلك الأيديولوجيات المحاربة للهوية الوطنية. اليوم ما يحدث في اليمن ما هو إلا جزء من هذا السياق العالمي: قلب الحقائق، وتشويه الحقيقة، أعني ما تفعله المملكة من دعم للشرعية اليمنية، وحماية الوجود العربي في اليمن من تهديد الحوثي (الأيدلوجيا الدينية الخطرة والمسلحة التي تستغلها قوى الاستعمار). ما قاله اللواء العسكري هو ما علينا إدراكه كسعوديين، وهو ما على العالم أيضًا أن يعيه، وهو حقيقة ما يحدث في اليمن.. وأن المملكة اليوم تواجه حربًا شرسة.. وسيسجل التاريخ أننا لم نذعن، لا للتشويه الإعلامي، ولا لتهديدات «جاستا» ولا تحالفاتهم السرية والمعلنة. وسنصمد حتى آخر الأنفاس.
مشاركة :