باكستان وصراع النفوذ بين روسيا وأميركا

  • 11/7/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

شهدت منطقة بيشاور، شمال باكستان، إجراء أولى المناورات العسكرية المشتركة بين باكستان وروسيا، امتدت لأسبوعين، أواخر شهر سبتمبر/أيلول وبداية شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وتعد هذه أولى المناورات المشتركة بين البلدين في ظل التقارب العسكري الذي بدأ في عام 2014 بتوقيع اتفاق لتنشيط التعاون العسكري، ينص على "زيادة حجم التدريب العسكري المشترك، وتبادل المعلومات، وتسهيل التعاون في مجال الطب العسكري"، وفقاً لتصريحات وزير الدفاع الباكستاني خواجا آصف. وقد تبع هذه الاتفاقية التفاوضُ على حصول باكستان على طائرات مروحية من طراز "Mi-35"، يتوقع أن تحصل عليها من روسيا في العام المقبل. ويأتي هذا التقارب في ظل محاولات روسية لمواجهة الولايات المتحدة في مناطق مختلفة من العالم، منها منطقة جنوب شرق آسيا، وذلك بعد نجاحها في التغلغل في شرق أوروبا من خلال الأزمة الأوكرانية، ومنطقة الشرق الأوسط من خلال الأزمة السورية. ورغم العداوة التي ميَّزت العلاقة بين البلدين خلال العقود الماضية، خاصة في زمن الحرب الباردة؛ حيث ساعدت باكستان الولايات المتحدة في توصيل السلاح والمقاتلين إلى أفغانستان؛ لمساعدة المقاتلين الذين يحاربون الجنود السوفييت، عقب الغزو السوفييتي لأفغانستان في 1979، فإن ذلك لم يمنع القيادة الروسية الحالية من محاولة استغلال الموقع الجيوسياسي لباكستان في مواجهتها للولايات المتحدة. وبطبيعة الحال، فإن هذا التقارب الباكستاني - الروسي يثير حفيظة الهند، الحليف الأقرب لروسيا، والعدو التقليدي لباكستان؛ حيث ترى نيودلهي أن هذا التقارب سيترتب عليه إخلال بموازين القوى التي تصب في صالحها ضد باكستان. لكن روسيا ترى عكس ذلك؛ إذ تنظر لتقاربها مع باكستان على أنه يزيد من محاولات تقوية الحلف الذي يضم الصين وإيران، ورابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي، المؤلفة من بنغلاديش، وبوتان، والهند، والمالديف، ونيبال، وباكستان، وسريلانكا، وهو التحالف أو التكتل الذي يطلق عليه الاتحاد الأوراسي، الهادف إلى مواجهة النفوذ الأميركي في آسيا. وتسعى موسكو لاستخدام الإمكانات الجيوسياسية الرئيسية لباكستان، لبناء ممر تجاري كجزء من الممر الاقتصادي بين الصين (شينجيانغ) وباكستان؛ حيث ترى في ذلك عاملاً مساعداً لربط الاتحاد الاقتصادي الأوروبي - الآسيوي، بقيادة روسيا، مع دول رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي، فتلتقي هذه الكتل عند تقاطع ممر شينجيانغ - باكستان. ورغم إدراك الهند لأبعاد هذا المخطط الروسي، فإنها ترى أنه لن يحقق النجاح المتوقع منه، خاصة في ظل الصراع المستمر بينها وبين باكستان، وهو الصراع الذي سيقضي على أية محاولات للتعاون المشترك، بل وتتوقع الهند أن تكون موافقة باكستان على المشاركة في هذا المخطط الروسي هي محاولة لاستعادة عمق العلاقات الاستراتيجية بين إسلام آباد وواشنطن، من خلال التحالف المؤقت مع عدوها الروسي. لكن ما لم يقُله المسؤولون الهنود أن هذا التحالف في جزء منه يعود لمحاولة روسية لمنع الهند نفسها من الانزلاق إلى تحالف كامل مع الولايات المتحدة يقضي على التقارب الروسي - الهندي، خاصة مع تراجع الحصة السوقية لمبيعات السلاح الروسية إلى الهند -التي تعتبر ركيزة أساسية في التقارب الروسي الهندي- في مقابل تزايد حصة الولايات المتحدة، حيث تجاوزت صفقات الأسلحة الأميركية الهندية 9 مليارات دولار، كما تعتزم نيودلهي إنفاق 250 مليار دولار إضافية خلال العقد المقبل، سيكون النصيب الأكبر منها للولايات المتحدة. من هنا يمكن القول إن روسيا لن تبرم شراكة استراتيجية كاملة مع باكستان لأسباب عدة، أولها حفاظاً على شراكتها مع الهند، وثانيها الاتساق مع حقيقة عدم الاستقرار الذي تعاني منه باكستان، بسبب تنامي التيارات الجهادية فيها، فضلاً عن معاناتها من الانقلابات العسكرية المستمرة، وآخرها الانقلاب الذي تعيش في ظله إسلام آباد حالياً؛ حيث تشير تطورات الأوضاع إلى قيام الجنرال راحيل شريف، قائد الجيش، بانقلاب ناعم تتجلى أبرز شواهده في الامتعاض من سياسات رئيس الحكومة نواز شريف تجاه الملف الأفغاني والهندي، ومحاكمة الرئيس السابق الجنرال برويز مشرف، وكذلك الإصرار على القيام بعملية عسكرية شمال وزيرستان. وكان من نتيجة هذا الانقلاب سيطرة قائد الجيش بشكل فعلي على السلطة، وهو ما ظهرت آثاره بحدوث تحولات في سياسة باكستان الخارجية، ابتداء من عدم قبول باكستان الطلب السعودي في المشاركة بتحالف "عاصفة الحزم"، مروراً بالانفتاح على إيران وتحدي العقوبات الدولية المفروضة عليها، إلى جانب مشاركة الصين بمشروع "طريق الحرير الجديد"، وليس آخرها التقارب مع روسيا، وعقد صفقة مروحيات حربية، وإجراء أول تدريبات عسكرية مشتركة معها. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :