المتاجرة بفلسطين لتغطية المأساة السورية ـ

  • 11/7/2016
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

ليس في الإمكان افضل مما كان. صار للبنان رئيس للجمهورية، هو العماد ميشال عون، كما صار لديه رئيس مختلف لمجلس الوزراء هو سعد الحريري يعمل على تشكيل حكومة جديدة تساعد في العودة الى الايّام التي كان يشهد فيها البلد نموّا اقتصاديا. ليس سرّا ان النمو الاقتصادي في لبنان والازدهار ارتبطا باسم سعد الحريري وقبل ذلك بحكومات الرئيس رفيق الحريري، الذي معروف من اغتاله ومن غطّى الجريمة التي استهدفت لبنان قبل أي شيء آخر. هل في الإمكان الكلام عن انطلاقة جديدة للبنان اعتمادا على وجود عهد جديد وتفاهمات قائمة على حماية البلد من "الحرائق" التي تشهدها المنطقة؟ الأكيد ان الشرط الاوّل لحماية البلد يكون في فهم ما يدور في سوريا من منطلق ان عملية تهجير الشعب السوري من اراضه، وهي عملية تترافق مع اجراء تغييرات ذات طابع ديموغرافي وتدمير للمدن السورية، لا تقلّ بشاعة عمّا جرى في فلسطين في مرحلة ما بعد بلفور. من يشارك في الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري والتي يتعرّض لها أيضا قسم من الشعب العراقي، آخر من يحقّ له الكلام عن وعد بلفور. بكلام أوضح، لا يمكن الركون الى من يرفض الاعتراف بالمأساة السورية التي لا تقلّ فظاعة عمّا تعرض له الشعب الفلسطيني منذ صدور وعد بلفور قبل مئة عام. لعلّ اهم ما ميز المرحلة التي سبقت انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان مجيء موفد سعودي الى بيروت هو ثامر السبهان وزير الدولة لشؤون الخليج العربي. قام السبهان، الذي سبق له ان خدم في لبنان كملحق عسكري، بجولة على القيادات اللبنانية مؤكدا "مباركة" المملكة لانتخاب رئيس جديد للبنان. بعد انتخاب رئيس للجمهورية، اتصل الملك سلمان بن عبدالعزيز بالرئيس ميشال عون وهنّأه مؤكدا وقوف المملكة الى جانب لبنان. كان ذلك تعبيرا عن الرغبة السعودية في دعم البلد وتجاوز كلّ شوائب الماضي القريب، بما في ذلك الحملات التي استهدفت المملكة انطلاقا من الأراضي اللبنانية. هذه حملات دأبت جهات معيّنة معروفة، على رأسها "حزب الله" وابواقه، على القيام بها من اجل تأكيد ان لبنان صار تحت الوصاية الايرانية لا اكثر وانّه ليس اكثر من قاعدة على المتوسط تُدار من طهران. من شروط نجاح العهد الجديد اخراج لبنان من الوصاية الايرانية بدءا بالاعتراف بأنّ لا مصلحة لايّ جهة لبنانية في التورط في الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري. على العكس من ذلك، ثمّة حاجة الى استخدام الدعم العربي والدولي كي يستعيد البلد عافيته بعيدا عن الشعارات الفارغة التي لا تأخذ في الاعتبار انّ التدخل في الحرب السورية دعما لنظام اقلّوي مرفوض من شعبه يشكّل اكبر خدمة لإسرائيل ولنظرتها الى مستقبل الشرق الاوسط. لا يمكن المتاجرة بالقضية الفلسطينية من اجل التغطية على المأساة السورية التي باتت أسوأ من مأساة فلسطين. لا يمكن العودة الى وعد بلفور لتبرير الدخول في لعبة اثارة الغرائز المذهبية التي هي في أساس المشروع التوسّعي الايراني القائم على نظرية "تصدير الثورة". يستطيع لبنان حماية نفسه بوسائل مختلفة في طليعتها الابتعاد عن الحرائق السورية بدل المشاركة في اشعالها. ذلك هو منطق الامور. كلّ ما عداه الدخول في لعبة لا طائل منها، بما في ذلك لعبة "سوريا المفيدة" التي لها امتداداتها في الاراضي اللبنانية والتي في أساسها تطويق دمشق بحزام ذي لون معيّن، عبر شراء الأراضي وتوطين موالين لإيران في مناطق معيّنة داخل العاصمة السورية وفي محيطها المباشر. مرّة أخرى، يخوض لبنان معركة دفاع عن النفس. انّها في الواقع معركة دفاع عن ثقافة الحياة في مواجهة ثقافة الموت. تعني ثقافة الحياة اوّل ما تعني الابتعاد عن كلّ ما من شأنه عزل لبنان عن محيطه العربي. في النهاية، ان عملية العزل هذه ذلك كانت جزءا من الحملة على ثقافة الحياة في لبنان. تقوم هذه الحملة على افقار اللبنانيين ونشر البؤس في البلد بدل خلق فرص عمل للشباب اللبناني الذي صار يبحث عن أي فرصة تمكّنه من الهجرة. ليس بالاستنجاد بوعد بلفور، يمكن ان يقتنع اللبناني بأنّ الشعب الفلسطيني يعيش مأساة كبيرة بدأت بالهجرة اليهودية الى فلسطين وصولا الى رفض العرب قرار التقسيم الذي مهّد لنكبة 1948، ثمّ لهزيمة 1967. يمكن الدخول في نقاش طويل في شأن وعد بلفور والظروف التي أحاطت به، خصوصا انّه ترافق مع اتفاق سايكس ـ بيكو البريطاني ـ الفرنسي، الذي كانت روسيا القيصرية طرفا فيه، لولا ان الثورة البولشفية صرفتها عن المشاركة وقتذاك عن المشاركة في اقتسام تركة الإمبراطورية العثمانية. تكون حماية لبنان بالنأي بالنفس فعلا عن المأساة السورية. هناك "حزب الله" الذي يشارك في صنع تلك المأساة بحجة انّه يقاتل "التكفيريين" في حين انّه يقاتل عمليا الشعب السوري الذي انتفض على نظام سعى دائما الى استعباده لمصلحة اقلّية احتكرت السلطة والثروة. هل يعي الحزب ماذا يعني ذلك في المدى الطويل في بلد، صحيح انّه ممزّق، لكنّ الصحيح أيضا انّ الأكثرية الساحقة من مواطنيه من اهل السنّة. لا مفرّ من تسمية الأشياء باسمائها بعيدا عن المزايدات والشعارات المزيّفة التي تصلح لكلّ شيء باستثناء تغطية المأساة السورية بمأساة فلسطين. لا يمكن لمأساة تغطية مأساة أخرى. من يريد الخير للبنان واللبنانيين يبتعد عن ما يجري داخل سوريا ويساهم، في المقابل، في إنجاح مشروع الانماء والاعمار في لبنان بعدما صار للبلد رئيس للجمهورية وبدء الجهود من اجل تشكيل حكومة جديدة تضمّ عناصر قادرة على التصدي للازمات التي تواجه المواطن يوميا مثل ازمة النفايات والكهرباء. في نهاية المطاف، لا مفرّ، في المدى البعيد، من طرح سؤال في غاية الاهمّية: هل في الإمكان وضع حدّ للعزلة العربية التي يعيشها لبنان؟ فكّ العزلة سيكون بداية لاستعادة البلد عافيته بعد سدّ الفراغ الرئاسي. عدم فكّ هذه العزلة وبقاء لبنان بعيدا عن محيطه العربي يعني من دون ادنى شكّ ان البلد صار تحت الوصاية الايرانية وانّ هناك من يريد افقاره وتهجير اهله وتوريطه اكثر فاكثر في الحروب الدائرة في سوريا كي لا تقوم له قيامة. باختصار شديد، هل لبنان دولة عربية مستقلّة ام مجرد جرم يدور في الفلك الايراني؟ على فكّ العزلة العربية للبنان يمكن بناء الكثير بعيدا عن المتاجرة بالقضية الفلسطينية وهي متاجرة اتقنتها ايران في مزايدتها على العرب في وقت تصبّ كلّ سياساتها على خدمة المشروع الصهيوني القائم على تشجيع كلّ ما من شأنه شرذمة المنطقة من منطلق طائفي ومذهبي. خيرالله خيرالله

مشاركة :