......        المواطن الرياض تشهد الولايات المتحدة الأمريكية، غداً الثلاثاء، الانتخابات الرئاسية، وفي الجهة الأخرى، تستعد إيران في مايو من العام القادم، لإجراء الانتخابات الرئاسية أيضاً، والتي تأتي وسط تسارع في وتيرة الأحداث الداخلية والعالمية. وتلقي الأزمات الاقتصادية العالمية بظلها على الانتخابات في الدولتين، فالأولى أمريكا من أكبر الاقتصادات في العالم، أما إيران فهي من أكبر منتجي البترول في العالم. وتعتبر القضية المشتركة بين الدولتين، هي الأزمة السورية، خاصة وأنها دخلت في مرحلة جديدة وسيناريوهات متعددة، منها الإطاحة ببشار الأسد، أو قبول تسويات محددة لحل الأزمة وتقسيم الدولة إلى كيانات قائمة على الطائفية والمذهبية. ومرت إيران، بانتخابات تشريعية في شهر مارس من عام 2015، وهي التي مهدت الطريق لتغيير الخريطة السياسية الداخلية وذلك لصالح تيار الاعتدال على حساب التيار المحافظ. أما في أمريكا، فلا يمكن تجاهُل دلالة فوز امرأة وهي هيلاري كلينتون، أو المنافس لها الذي لا يخفي عنصريته أو تحيزاته وأفكاره وهو دونالد ترامب، مما يفتح الباب حول تداعيات الفائز على سياسة أمريكا الخارجية في المنطقة العربية والتعامل مع إيران. وأصدر مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية، ورقة بحثية بعنوان العلاقات الأمريكية-الإيرانية في ضوء الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ركزت على محاولة فهم خريطة المرشَّحَين للرئاسة الأمريكيَّة وموقفَيهما من الجمهوريَّة الإسلاميَّة الإيرانيَّة، والتداعيات المختلفة المرتبطة بوصول أحدهما إلى مقعد الرئاسة؛ وكانت كالتالي: خريطة المرشحين ومواقفهما من إيران: واقع الأمر أن القضايا الداخليَّة عادةً ما تكون مَحَطّ الاهتمام الأوَّل للنَّاخب الأمريكيّ، سواء أكانت الانتخابات تتعلق بالأجهزة التنفيذية أو كانت تتعلّق بالأجهزة التشريعيَّة، على المستويين المحلِّيّ والوطنيّ. فدافِعُ الضرائب تشغله في الأغلب الأعَمّ كيفيَّة ونوعيَّة الخدمات التي تقدِّمها الحكومة بمستوياتها المختلفة في مقابل الضرائب التي يدفعها. وينتقل اهتمامه إلى التركيز على مواقف المرشَّحَين المختلفة من القضايا الدوليَّة، إذا كان هذا الاهتمام سيرتِّب أعباءً إضافيَّة أو سيأتي بعائدات اقتصاديَّة تعنيه بالأساس. من ناحية أُخرَى، يهتمّ بعض الأقلِّيَّات الدينيَّة أو العِرْقيَّة بموقف المرشَّحين من قضايا السياسة الدوليَّة حينما تكون الأطراف المختلفة ذات العَلاقة لها صلة بهذه الأقلِّيَّات. مِن ثَمَّ نرى اهتمامًا متزايدًا بموقفَي المرشَّحَين من السياسة الخارجيَّة الأمريكيَّة في الشرق الأوسط في المناطق ذات الأغلبية اليهودية أو الإسلاميَّة أو الجاليات العربيَّة بشكل عامّ. ولا يستطيع أحد إنكار الدَّور المتعاظم الذي يلعبه اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتَّحِدة، فكل المرشَّحين الرئاسيّين يخصِّصون وقتًا لمقابلة أعضائه وإلقاء المحاضرات والخُطَب في اجتماعاته، وتأكيد التزام الولايات المتَّحِدة بضمان أمن إسرائيل، بشكل يكادّ يكون مستمرًّا. المسألة الثانية الهامَّة في سياق تحليل الانتخابات الرئاسيَّة الأمريكيَّة، تتعلَّق بتحليل التعقيد المذهبيّ في منطقة الشرق الأوسط، فكثيرًا ما نقرأ تحليلات عربيَّة وأمريكيَّة تناقش مَن العدُوّ ومَن الحليف للسياسة الخارجيَّة الأمريكيَّة: هل هو الإسلام في نسخته السُّنِّيَّة (وعلى رأسها المملكة العربيَّة السعوديَّة)، أم في نسخته الشِّيعيَّة (وتمثِّلها إيران)؟، فبعيدًا عن أن كلًّا من السُّنَّة والشِّيعة يتَّهِم الآخر بالإرهاب والأفكار المتطرِّفة، ويحاول كل منهما تقديم نفسه للولايات المتَّحِدة على أنه الحليف الطبيعي والمرتبط استراتيجيًّا بمصالح الولايات المتَّحِدة في حفظ السِّلْم والاستقرار في المنطقة، الملاحَظ بالنسبة إلى الولايات المتَّحِدة الأمريكيَّة أنها تحاول إبقاء كل الخطوط مفتوحة مع الدول في المنطقة، لتضمن الحفاظ على مصالحها والحفاظ على أمن إسرائيل. فمن ناحية، يؤكِّد صانعو السياسة الأمريكيُّون والمرشَّحون بشكل عامّ، أهمِّيَّة الشراكة الاستراتيجيَّة مع المملكة العربيَّة السعوديَّة، ويستخدمون تحفُّظاتهم على سِجِلِّ حقوق الإنسان في المملكة بشكل تكتيكيّ يخدم سياسات ومواقف محدَّدة، ومع إقرار الكونغرس الأمريكيّ قانونَ العدالة ضدّ رُعاة الإرهاب، المعروف بـ”قانون جاستا”، صرَّح كل من دونالد ترامب وهيلاري كلينتون بأنه كان سيوقع على القانون إن كان رئيسًا في ذلك الوقت، ومِن ثَمَّ أصبح قانون “جاستا” والتعامل معه أحد محدِّدات العَلاقة بين الولايات المتَّحِدة والمملكة، وأحد القضايا الانتخابيَّة التي طُرحت في أثناء المناظرات السياسيَّة بين المرشَّحَين، وعليه يجب حساب أي من المرشَّحين سيكون أكثر مَيلًا إلى عدم تصعيد الصدام مع المملكة في ما يتعلق بالتوسُّع في تطبيق القانون. المؤشِّرات الأوَّلية تُشِير إلى أن هيلاري هي الأكثر ميلًا إلى اتِّباع المواثيق والأعراف الدوليَّة، ومن الممكن أن تبذل جهدًا أكبر لتقييد “جاستا” أو إعادة الاقتراع عليه. ومن ناحية أُخرَى، تؤكِّد التقارير أن الولايات المتَّحِدة أبقت خطوط الاتصال مفتوحة مع الحكومات الإيرانيَّة المتعاقبة على الرغم من الانتقاد الدائم للسياسات الإيرانيَّة في المنطقة، وانتقاد سِجِلّ حقوق الإنسان وانتهاكات الحريات الذي يكاد يُعلَن عنه بشكل دوريّ. من اللافت للنظر، الحقيقة التي ذكرها أحد مراقبي ومحلِّلي الحملة الرئاسيَّة الانتخابيَّة، التي تتعلق بما يبدو أنه حقيقة لازمة وأساسيَّة في مواقف المرشَّحين المختلفين للرئاسة، فكل المرشَّحين في هذه الانتخابات، كما في كل انتخابات سابقة منذ الثَّورة الإيرانيَّة في ١٩٧٩، لا بُدّ أن يعبِّر في لحظة معيَّنة عن عدائه/ رفضه/ انتقاده للسياسات والتوجُّهات الإيرانيَّة وأي محاولة للتقارب مع النِّظَام الإيرانيّ، وهو الأمر الواضح في تصريحات كل من دونالد ترامب مرشَّح الجمهوريّين، وهيلاري كلينتون مرشَّحة الديمقراطيّين. على مستوى الحزب الجمهوريّ، الوضع أكثر تعقيدًا مع ترشُّح المليونير الأمريكيّ دونالد ترامب عنه، لأن خطابه السياسيّ العنيف تجاه الأقلِّيَّات العِرْقيَّة والدينيَّة في داخل الولايات المتَّحِدة، وافتقاره إلى خبرات العمل السياسيّ في الإدارة أو الكونغرس، يضعان كثيرًا من الشكوك حول قدرته على صياغة سياسة خارجيَّة تَحمِي المصالح الأمريكيَّة دون أن تتسبَّب في مزيد من استعداء مجتمعات الشرق الأوسط وغيره من المناطق. ويخشى بعض المراقبين من أن حصول ترامب على ترشيح الحزب الجمهوريّ سيكون من شأنه خسارة الحزب للانتخابات، بخاصة إذا كانت هيلاري كلينتون هي مرشَّح الحزب الديمقراطيّ. ويخشى البعض من تداعيات أخطر من ذلك على الحزب قد تصل إلى تَصدُّع جبهته الداخليَّة. في هذا السِّياق نركِّز بقليل من التفصيل على توجُّهات ومواقف المرشَّحين المختلفة تجاه العَلاقات الأمريكيَّة-الإيرانيَّة. دونالد ترامب، المرشَّح الأكثر خلافيَّة بسبب تصريحاته العنصريَّة والعنيفة والراديكاليَّة تجاه الأقلِّيَّات في داخل الولايات المتَّحِدة، هاجم بضراوة كلًّا من السياسات الإيرانيَّة والاتفاق النوويّ، وأعلن في أكثر من مناسبة قناعته بضرورة إعادة النظر في الاتفاق الذي خرجت منه إيران منتصرة، ثم أعلن أنه سيمزق الاتفاق في حال فوزه، كما يؤيِّد ترامب فرض مزيد من العقوبات على إيران ويرفض بطبيعة الحال إعادة العَلاقات الاقتصاديَّة أو الإفراج عن الأرصدة المجمَّدة منذ أزمة الرهائن الأمريكيّين عقب الثَّورة. تمتلك هيلاري كلينتون رؤية أكثر اتساعًا وشمولًا في ما يتعلق بمِلَفّ السياسة الخارجيَّة الأمريكيَّة تجاه منطقة الشرق الأوسط بشكل عامّ، وإيران بشكل خاصّ. تقدِّم كلينتون التزامها بالحفاظ على أمن إسرائيل كواحد من أهمّ ثوابت السياسة الخارجيَّة الأمريكيَّة، وتضيف إليها ضرورة تأكيد التزام الولايات المتَّحِدة بالشراكة الاستراتيجيَّة مع دول الخليج لضمان أمن مضيق هرمز. تؤكّد كلينتون أيضًا ضرورة بناء تحالفات مضادَّة للقوى الإيرانيَّة، بغرض استمرار ممارسة الضغط على إيران، سواء في مِلَفّ حقوق الإنسان أو في الترتيبات الإقليميَّة الخاصَّة بالمِلَفّ السوريّ، وغيرها من المِلَفَّات ذات الأَهَمِّيَّة بالنسبة إلى المصالح الأمريكيَّة. تداعيات فوز كلا المرشحين على العلاقات الأمريكية-الإيرانية: تدرك الإدارة الأمريكيَّة أنه لا يمكن تجاهل الوجود والنفوذ الإيرانيّ في عدد من القضايا الحيوية في المنطقة العربيَّة، فأيّ حلّ للحرب الأهلية الدائرة في سوريا منذ خمس سنوات لا بُدّ من أن يتضمَّن قَبولًا إيرانيًّا والتزامًا بتحقيقه، كما لا يمكن إقصاء إيران عن المِلَفّ العراقيّ، ومن ثم فالرئيس الأمريكيّ القادم سيكون عليه التعامل مع المِلَفّ الإيرانيّ بغَضِّ النظر عن توجُّهاته الفكرية وتحالفاته الاستراتيجيَّة. الانطباع الأول قد يكون أن المصلحة الإيرانيَّة ترتبط بفوز مرشَّح ديمقراطيّ في الانتخابات الأمريكيَّة القادمة، فنظرة سريعة على مواقفهم تحمل قدرًا من التفاؤل الإيرانيّ حول إمكانيَّات مختلفة للتعاوُن والتفاهم مع رئيس أمريكيّ ديمقراطيّ، سواء حول مِلَفّ القُدُرات النوويَّة الإيرانيَّة، أو قبول الدور الإيرانيّ المتزايد في المنطقة الذي يخصم بالضرورة من نفوذ المملكة العربيَّة السعوديَّة أو دول الخليج بشكل عامّ. لكنّ الرئيس القادم سيكون عليه أن يواجه أيضًا قُوًى أُخرَى في الداخل الأمريكيّ قد تشكِّل مصادر للضغط في اتجاه سياسات معيَّنة مع إيران. فالرأي العامّ الأمريكيّ والجماعات الحقوقيَّة واللوبي العربيّ في بعض المناطق قد يكون لديهم تحفُّظات جدّية على عدد من السياسات الإيرانيَّة الداخليَّة، خصوصًا ما يتعلق منها بحقوق المرأة أو الأقلِّيَّات أو مِلَفّ الحقوق الاجتماعيَّة والسياسيَّة بشكل عامّ، فنتذكر التغطية الإعلامية المكثَّفة والمتابعة الدقيقة لأزمة الانتخابات الرئاسيَّة الإيرانيَّة في ٢٠٠٩م، وكَمّ الاتهامات التي وُجِّهَت إلى الحكومة الإيرانيَّة، سواء من الرأي العامّ الأمريكيّ أو حتى من جانب الرئيس أوباما الذي لم يَسْلَم من انتقادات وُجّهَت إلى إدارته شخصيًّا على تساهله مع الحكومة الإيرانيَّة في مِلَفّ الحُرِّيَّات والحقوق. بعبارة أُخرَى، فإن مِلَفّ التحوُّل الديمقراطيّ في داخل إيران قد يكون من الأوراق التي تضغط بها الإدارة الأمريكيَّة على إيران لتحقيق مكاسب معيَّنة، وفي هذا السِّياق فإن رئيسًا أمريكيًّا من داخل الحزب الجمهوريّ قد يكون أفضل من وجهة النَّظَر الإيرانيَّة، إذا ما أخذنا هذا العنصر في الاعتبار. فالضغوط التي مارستها إدارة بوش الجمهوريَّة كانت أقلّ بالتأكيد من تلك التي مارستها إدارة أوباما الأمريكيَّة على الحكومة الإيرانيَّة. العنصر الجديد في التحليل سيكون -بلا شك- الدَّوْر الذي يمكن أن تلعبه شبكات التواصل الاجتماعيّ والحركات الاجتماعيَّة المرتبطة بها في تفعيل الاهتمام بقضايا التحوُّل الديمقراطيّ في إيران، وكيفيَّة ممارسة ضغط دوليّ حقيقيّ في هذا المجال. لا نقصد بالضغط الدوليّ العنصر الرسميّ والحكوميّ فيه، بل كيفيَّة بناء حركة مجتمعيَّة عابرة للحدود تهتمّ وتدافع عن حقوق الإنسان، والحريات السياسيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة للإنسان، بغَضِّ النظر عن الحدود السياسيَّة. هذا الأمر نشهد تصاعدًا في الحركة الدوليَّة المرتبطة به، دون أن نستطيع القول إنه يمكنه إحداث تأثير حقيقيّ على مِلَفَّات حقوق الإنسان في إيران أو غيرها. لا يمكن القول إن مستقبل العَلاقات الأمريكيَّة-الإيرانيَّة يرتبط فقط بالتغيُّر المتوقَّع في الإدارة الأمريكيَّة الجديدة في مطلع العام القادم، فالتغيُّر أو الاستمرار في الإدارة الإيرانيَّة لا بُدّ أنه سيسهم في دفع العَلاقات الثنائية والقضايا ذات الاهتمام المشترَك بين البلدين في اتجاه معيَّن، فنتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة والتحوُّل في تشكيلة المجلس لصالح الإصلاحيين، وفي تشكيلة مجلس الخبراء المرتبط باختيار المرشد ومراقبته وعزله نظريًّا إذا احتاج الأمر، والانتخابات الرئاسية الإيرانية القادمة وما يتردد من أنباءٍ عن تدهوُر في صِحَّة المرشد الحاليّ، كل هذه العناصر قد تحمل مؤشرات لتحوُّلات معيَّنة في الموقف الإيرانيّ من العالَم الخارجيّ على المستَوَيَيْن الإقليميّ والدوليّ، ولكن هذا مرتبط بالرغبة الإيرانية في إيجاد تحوُّل في علاقتها مع العالم.
مشاركة :