في 8 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل يُجرى السباق الانتخابي الثامن والخمسون لاختيار الرئيس الـ 45 للولايات المتحدة، ويحمل الاقتراع استثنائية خاصة بسبب الجدل المحتدم حول هيلاري كلينتون - أول امرأة مرشحة للجلوس في المكتب البيضاوي، وترامب- العنصري بامتياز- فضلاً عن تبدل أولويات السياسية الخارجية الأميركية لدى المرشحين تجاه عدد من الحلفاء، في مقدمهم تركيا. وكان «القلق» هو العنوان الأبرز للعلاقة بين أنقرة وواشنطن قبل الانقلاب الفاشل في 15 تموز (يوليو) الماضي لأسباب عدة، منها خيبة الأمل التركية في شأن الدعم الأميركي المتزايد لحزب الاتحاد الديموقراطي الكردي السوري، والذي تعتبره أنقرة امتداداً لحزب العمال الكردستاني الانفصالي داخل أراضيها. وعلى رغم زيارة جو بايدن أنقرة و «سماحه» مع دول أخرى بدخول الأتراك ومعارضين سوريين بلدة جرابلس وجوارها لإفشال الكانتون الكردي في شمال سورية، لكن حال فقدان الثقة لا تزال قائمة بين الطرفين. ولا يزال قائماً الغضب التركي من غياب دعم أميركي واضح كانت تنتظره أنقرة في أزمتها مع موسكو عشية إسقاط الطائرة «سوخوي» في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، إذ لم يتعد دور واشنطن حدود الموقف الأخلاقي. كما أصبحت العلاقة أكثر توتراً عشية المواقف الضعيفة للإدارة الأميركية وتأخرها تجاه إدانة الانقلاب، حتى أن أردوغان قال عن زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري لأنقرة في 24 آب (أغسطس) الجاري إنها «تأخرت جداً، وهذا يحزننا». وثانيهما الرفض الأميركي لتسليم الداعية فتح الله غولن، على رغم الاتفاقية الموقعة في العام 1979 بين أنقرة وواشنطن – اتفاقية تسليم المجرمين والمساعدة القانونية في الجرائم الجنائية-. وبينما ترى أنقرة شقاً جنائياً في إدانة غولن بالانقلاب، فواشنطن تراه «متهماً سياسياً»، ولا يجوز تسليمه وفقاً لنص المادة الثالثة التي لا تجيز تسليم المطلوبين بين البلدين بسبب آرائهم السياسية. وراء ما سبق؛ تململت أنقرة من سلوك واشنطن الناقد لسياستها القمعية في حزيران (يونيو) 2013 ضد المتظاهرين في أحداث «جيزي بارك»، ثم التقرير السنوي الصادر في نيسان (أبريل) الماضي عن وزارة الخارجية الأميركية حول حقوق الإنسان، إذ وجَّه إدانة صريحة ومباشرة للنظام التركي بشأن قمع الصحافة وحرية التعبير وملاحقة الصحافيين والمواطنين العاديين ومحاولة السيطرة على وسائل إعلام معارضة. كما اتهم قوات الأمن التركية باستخدام عنف مفرط وارتكاب «جرائم قتل غير مشروعة»، ضد الأكراد جنوب شرقي البلاد. وهنا؛ يثور التساؤل حول مستقبل العلاقة بين تركيا والولايات المتحدة بعد الانتخابات الأميركية، ونظرة كل من المرشحين دونالد ترامب، وهيلاري كلينتون، إلى تركيا. وتحظى تركيا بموقع متقدم في أولويات أي رئيس أميركي، بحكم تقاطع المصالح والتحالف التاريخي بين البلدين بعد الحرب العالمية الثانية تحت ضغط الاتحاد السوفياتي، مع الأخذ في الاعتبار نسبياً عدد الأتراك الأميركيين، والمقدر بنحو 200 ألف نسمة، وهم يرفضون ترامب الداعي إلى إغلاق الحدود وتهميش المسلمين. وبالتالي، فإن مزاج العلاقة بين البلدين ربما يصبح متقلباً إذا فاز ترامب؛ الغريب الأطوار. ففي الوقت الذي أجمعت وسائل الإعلام التركية على إدانة عنصرية ترامب، واعتباره إفرازاً لحالة ضعف تمر بها الولايات المتحدة، فاجأ المرشح الجمهوري متابعيه بتعليقه على انقلاب تركيا بالقول: «إن بلاده ليس من حقها وعظ الآخرين بينما رجال الشرطة بها يتعرضون لإطلاق نار». وأَضاف: «حال فوزي لن أضغط على أنقرة أو الدول الحليفة الأخرى التي تحكمها أنظمة استبدادية، في شأن حملات التطهير أو ملاحقة المعارضين أو انتهاك الحريات المدنية». كما أشاد بالرئيس التركي، وإجراءاته عقب محاولة الانقلاب الفاشلة، قائلاً: «إنني أعطي له فضلاً كبيراً في نجاحه بتحويل هذه العملية في الاتجاه المعاكس». ورأى أن «هناك من يقول إن كل ذلك كان مسرحية، لكنني لا أعتقد ذلك». غير أن أنقرة تخشى خطاب ترامب العنصري الذي مسَّ قضايا محلية وإقليمية ودولية كثيرة منها مراقبة المساجد، ومنع دخولهم الولايات المتحدة ومنع دخول اللاجئين السوريين. فضلاً عن قلق لا تخطئه عين بعد حديث ترامب مطلع تموز (يوليو) الماضي عن وجود علاقة وثيقة تجمع «تركيا وداعش»، وقال: «تركيا ينبغي أن تكون في قتال ضد تنظيم «داعش». يحدوني الأمل في أن أرى أنقرة تقاتل ذلك التنظيم، لأنه حصل على مزايا خطيرة جداً من تركيا»، مضيفاً «بإمكانهم القضاء على «داعش» بأنفسهم، أحب أن أرى ذلك». وراء ما سبق، فإن العلاقة بين أنقرة وواشنطن قد تشهد تراجعاً، إذا فاز ترامب وأقدم على تنفيذ وعده بمنح إسرائيل دعماً عسكرياً واقتصادياً أكبر مع نقل سفارة بلاده إلى القدس، وإلغاء الاتفاق النووي مع طهران وإعادة فرض العقوبات الاقتصادية، وهو ما يعني اضطراب الإقليم، وتراجع الفوائد الاقتصادية التركية. أما مساحة التفاهم، فربما تكون أوسع بين البلدين حال فوز هيلاري كلينتون. صحيح أن موقفها من الانقلاب لم يكن حاسماً حين دعت الأطراف كافة إلى الهدوء واحترام القانون والمؤسسات وحقوق الإنسان الأساسية والحريات، إلا أنها حثَّت على دعم الحكومة المدنية المنتخبة. في المقابل أكدت كلينتون أهمية الانفتاح في سياستها الخارجية على حلفاء الولايات المتحدة، وفي مقدمهم تركيا التي ترى دوراً محورياً لها في محاربة «داعش». وتعكس السياسة الخارجية التي طرحتها كلينتون ارتياحاً نسبياً لدى أنقرة مقارنة بالطرح العنصري لترامب، لأسباب عدة، منها إعلان كلينتون رغبتها في تقليل التدخل الأميركي المباشر في قضايا وصراعات الشرق الأوسط، وتفضيل الاعتماد على حلفاء الولايات المتحدة، وخصوصاً تركيا. وثانيهما؛ تأييد كلينتون إقامة منطقة حظر جوي على أجزاء من سورية، وإنشاء مناطق آمنة للاجئين السوريين بعيداً من مواقع الصراعات، وهو الأمر الذي طالما دعت إليه تركيا منذ العام 2013 إضافة إلى موقفها الداعم توحيد وتسليح قوى المعارضة السورية المعتدلة. خلاصة القول؛ لا توجد رؤية موحدة أو قريبة تجمع تركيا وترامب الذي يطالب السلطة الفلسطينية بالاعتراف بإسرائيل الدولة اليهودية ويكرس دعاوى العلاقة بين أنقرة وتنظيم «داعش». لذا فإن هناك مطبَّات متوقعة في طريق العلاقة بين البلدين. وعلى رغم استثمارات ترامب العقارية في تركيا بدأت في العام 2012 بتشييد سلسلة أبراج ومراكز تجارية في إسطنبول، إلا أنها لن تشفع لعنصريته أو تسكن أوجاع مواقفه السياسية المتقلبة تجاه تركيا. ولذا لم تكن غريبة مطالبة أردوغان في حزيران (يونيو) الماضي بإزالة ملصقات تحمل علامة «ترامب» عن مواقع تجارية في تركيا، «لوقاحته ضد المسلمين». في المقابل ربما يكون مستقبل العلاقة أكثر إيجابية أو يقف عند حد الهدوء الحذر حال فوز كلينتون التي تثمن عضوية أنقرة في «الناتو» ناهيك عن رؤى مشتركة لها مع أردوغان يمكن البناء عليها لتجاوز أزمة الملف الكردي وتسليم غولن، خصوصاً أن هيلاري مقتنعة بأن تركيا الصديقة الأطلسية ذات دور إقليمي مؤثر، كما أن الجيش فيها لم يعد يتحكم بالدولة أو يعقد صفقات في معزل عن حكومة العدالة والتنمية الحاكم. * كاتب مصري
مشاركة :