تبدو ولادة الحكومة الأولى في عهد الرئيس اللبناني العماد ميشال عون غير مسهَّلة بالمقدار الذي أشاعتْه الانطباعات الاولى التي واكبتْ انتهاء الاستشارات النيابية التي أجراها الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري في نهاية الأسبوع الماضي. ومع ان الدوائر المحيطة بقصر بعبدا و«بيت الوسط» لا تزال على تفاؤلها في إمكان تأليف الحكومة قبل موعد عيد الاستقلال في 22 نوفمبر الجاري بما يتيح إقامة الاحتفال العسكري التقليدي في حضور رئيس الجمهورية والحكومة الجديدة، فإن المعطيات المتجمعة عن العقد التي لا تزال تعترض ولادةً سريعة للحكومة تبدو أكبر من ان تُحلّ في الفترة المتبقية عن ذكرى الاستقلال. وتكشف مصادر وثيقة الصلة بالمساعي الحثيثة التي يبذلها الرئيس الحريري ومعاونوه مع كل الأطراف لـ «الراي» ان حركةً كثيفة من الاتصالات والمشاورات تجري من دون انقطاعٍ خلف الكواليس لمعالجة المطالب الكثيرة بحجز المقاعد الوزارية وتصنيفها بين سيادية وخدماتية وأساسية وعادية، وهو أمرٌ وإن كان طبيعياً لدى تشكيل الحكومات، إلا انه يكتسب هذه المرة بُعداً أشدّ تعقيداً نظراً الى ان جميع الأطراف يرغبون في الانضمام الى الحكومة الأولى للعهد بعيداً من تصنيفات الموالاة والمعارضة. وإذا كان هذا الامر يشكل دلالات ايجابية ونقطة زخمٍ للعهد والحكومة العتيدة، فإن المصادر لا تغفل مدى الصعوبة التي يواجهها الرئيس المكلف في إقامة التوازنات السياسية والطوائفية والحزبية والمناطقية في توزيع الحقائب الوزارية اولاً ومن ثم إسقاط أسماء الوزراء على الحقائب، على ما تجري عليه الامور حالياً. وتضيف المصادر ان الأسماء الكثيرة التي يجري تسريبها في الصحف ووسائل الإعلام يغلب عليها الطابع الاختباري وجسّ النبض والتهافت على الاستيزار أكثر مما هي جدية، باعتبار ان الحريري لا يزال في المرحلة الأولى من عملية تأليف الحكومة التي تتركز حالياً على توزيع الحقائب على الكتل وفق أحجامها والحيثيات التي تملي إعطاء كل منها حقائب ترضيها وتتواءم مع مواصفات الإطلالة على اللبنانيين والعالم بحكومةٍ تحمل عناوين التغيير المطلوب في بداية العهد الجديد. أما عن طبيعة التعقيدات، فتقول المصادر نفسها لـ «الراي» ان الرئيس الحريري لا يبدو قلقاً من ان يطول أمد التأليف ولو أن كل فريقٍ يطرح سقوفاً عالية للمطالب، موضحة ان الساعات الأخيرة بدأتْ تشهد اتجاهاً جدياً لحصْر المعالجات ضمن مسودة أولى تتوزّع فيها الحقائب بما يراعي معايير أساسية، من أبرزها تمثيل أوسع قاعدة سياسية ممكنة في الحكومة ومراعاة أحجام الكتل النيابية، وكذلك لحظ الحيثيات السياسية البارزة التي أوصلت العهد وفي مقدمها مطالب الثنائي الشيعي، «حزب الله» ورئيس البرلمان نبيه بري، والتحالف بين تيار عون و«القوات اللبنانية» ومطالب «كتلة المستقبل»، وهي ركائز أساسية لا يمكن إلا ان تأخذ الاولوية في عملية التأليف. وأشارت المصادر الى ان الأيام المقبلة قد تشهد قفزةً في إنجاز توزيعة الحقائب بالتوافق بين الرئيسين عون والحريري للانتقال الى التسميات، علماً ان معاوني عون والحريري والرئيس بري المفوض من «حزب الله» بالتفاوض عنه وعن الحزب يتواصلون بشكلٍ يومي كثيف. كما ان خطوطاً مفتوحة بين فريق عون ورئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع، وبين معراب (حيث مقر جعجع) وبيت الوسط، تعمل على معالجة مطالب «القوات» التي تبدو محورية في هذه العملية. فعلى أساس الحصص المسيحية التي ستتوزّع بين حصة الرئيس عون بمفرده وحصة «التيار الوطني الحر» وحصة «القوات اللبنانية» تتوقف مشاركة قوى أخرى مثل تيار «المردة» وحزب الكتائب والحزب السوري القومي الاجتماعي، وهو أمرٌ يستلزم حسم مصير الحقائب الأربع الموصوفة بأنها سيادية (الداخلية والخارجية والدفاع والمال) وكذلك حقائب الخدمات الأساسية مثل الاتصالات والطاقة والصحة والأشغال. واذ يبدو ان مصير حقيبة المال حُسم لمصلحة احتفاظ كتلة بري بها، فإن الاتجاه الى إبقاء وزارة الخارجية للوزير الحالي رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل (صهر عون) أثار لغطاً لجهة ما اذا كان الرئيس عون سيأخذ حقيبة الدفاع من حصته الرئاسية ام تعطى هذه الحقيبة لـ «القوات اللبنانية» وإلا حُرمت «القوات» من حقيبة سيادية تصر على الحصول عليها. وتقول المصادر ان جزءاً واسعاً من المساعي الجارية يتركز على معالجة العقدة المسيحية التي في حال التوافق على مخرجٍ لها تسهل الفصول الأخرى، وسط معلومات متداولة عن إمكان إسناد الخارجية الى شخصية غير حزبية محسوبة على «القوات اللبنانية» للخروج من مأزق الحقائب السيادية الأربع. علماً ان مناخاً برز في الساعات الماضية يشير الى بعض التحفظات، التي كان عبّر عنها بري مثلاً بوضوح، لجهة ان يكون لعون حصة وزارية (3 وزراء) بمعزل عن حصة «التيار الحر» (نحو 4 وزراء)، وذلك أسوة بالحصة التي نالها الرئيس ميشال سليمان في العام 2008. وعلّل رئيس البرلمان موقفه بـ «انّ ما أخذه الرئيس سليمان في ذلك الوقت (3 وزراء) هو لأنه لم يكن لديه تمثيل نيابي»، سائلاً: «إذا عُمِّم هذا المنطق على الرئاسات الباقية، فلماذا لا يطالب رئيس الحكومة بحصة وزارية منفصلة عن حصة تياره السياسي أو يطالب رئيس المجلس النيابي بحصة منعزلة عن حصة حركة أمل؟».
مشاركة :